عدم تقبل الخاطب الصالح هل له علاقة بالمعاصي التي كنت أُمارسها؟
2014-12-15 01:30:41 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم..
بداية أشكر هذا الموقع والمستشارين وكل من عمل فيه، وأسأل الله التوفيق والبركة والسعادة في حياتهم والمسلمين.
أنا فتاة تعرضت لتحرش جنسي عندما كنت في 10 من عمري، واستمرت لمدة سنتين تقريبا، تعرضت من شخص قريب لي، وكنت أجهل وقتها خطورته، وبعدها بفترة قصيرة نوعا ما تعرضت لتحرش من شخص قريب أيضا، ولكن عندما كان ينفرد معي كنت أحب ذلك، لم أفكر وقتها أنه عار علي، لأنني كنت صغيرة، وكنت أشعر باللذة في كل ما يفعله بي أكثر بكثير من الشخص الأول، وبعدها أختي نبهتني منه، وأخبرتني ألا أفعل معه شيئا مرة أخرى، ولكن بكارتي -ولله الحمد- لم يفعلا بها شيئا.
وأيضا مارست العادة السرية، ولكنني لا أعلم هل مارست أولا أو تعرضت للتحرش ثم مارست العادة؟ فهذا كله قبل بلوغي، وأنا أمارسها إلى الآن، فكلما أتوب وأعزم على تركها للأبد أعود إليها.
وبسبب ما حدث في صغري؛ أصبحت بعد ذلك بثلاث أو أربع سنوات أشاهد الأفلام الإباحية، ولكن كنت فقط أشاهد القبلات، أما الآن فقد أصبحت أشاهد الأفلام الإباحية بشتى أنواعها، وكلما تبت عدت إليها، فقد أصبحت شهوانية بشكل كبير، ودائما يشغل بالي بالزواج، فكيف أكون باردة جنسيا وأنا ما زلت فتاة؟!
والآن تقدم لي شاب خلوق، إلا أن شكله لم يعجبني، فهل هذا الشاب لم يعجبني لأنني كنت أشاهد الحرام أم ماذا؟
أرجوكم ساعدوني، فكل ما يتعلق بالجنس أهواه، وماذا أفعل بعدما حدث لي وما فعلته بنفسي؟
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الابنة الفاضلة/ الكتمان من طبعي حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
بالفعل -يا ابنتي-، إن الكثيرات ممن مارسن أو يمارسن العادة السرية قد تعرفن عليها مصادفة وبطريقة ما، ويعتبر التحرش الجنسي بالفتيات في الصغر أحد هذه الطرق، فالفتاة تجهل ما يقوم به المتحرش، لكنها تشعر معه بالمتعة والرضا، فتقوم هي فيما بعد بتكرار نفس الفعل، ويتطور الأمر إلى أن تدمن العادة السرية.
وبالنسبة لك فإنك قد قمت بخطوة أسوأ وأخطر، وهي متابعة الأفلام الخليعة التي عززت عندك سلوك الممارسة، وهي السبب في تأجيج واشتعال في الشهوة.
النصيحة التي أقدمها لك هي: التوقف بسرعة عن متابعة هذه الأفلام، والابتعاد عن كل ما يشجع على الفاحشة، وينحط بالنفس البشرية إلى مستوى الحيوانات من أفلام أو مسلسلات أو أغان أو غير ذلك.
وعندما تراودك فكرة المشاهدة أو فكرة ممارسة العادة السرية؛ فعليك بالنهوض فورا من مكانك وتغييره إلى مكان آخر، كأن تشاركي العائلة جلستها، أو تقومي بتحضير كوب شاي، أو عمل مكالمة هاتفية لصديقة، أو أي عمل آخر، بحيث يشتت فكرة الممارسة من ذهنك.
وبما أن لك أختا ويبدو بأنها واعية؛ فأنصحك بأن تجعليها تشاركك غرفتك، فبذلك ستشعرين بأنك لست وحدك في الغرفة، وبأن تصرفاتك مراقبة.
وإن عمدت إلى شغل ذهنك بأمور تجلب لك المتعة والرضا كالتركيز في الدراسة، والانتظام في العبادات، وقراءة القرآن، والمشاركة في أعمال تطوعية خيرية، وغير ذلك، مما يكون له مردود إيجابي عليك، ستجدين حينها بأن فكرة الجنس كلها قد غابت عن بالك.
نعم –يا ابنتي- إن من تتابع الأفلام والمسلسلات الخليعة يرتفع عندها سقف التوقعات من الزواج، سواء من ناحية شكل الرجل، أو من ناحية الأداء خلال العلاقة الزوجية، فلا تعود ترضى بأقل مما اعتادت على مشاهدته.
لذلك أقول لك: تداركي الأمر، وانظري في أمر من يتقدم لك ممن ترضين دينه وخلقه، بغض النظر عن الشكل، فالله عز وجل لن ينظر إلى أشكالنا يوم القيامة، بل سينظر إلى أعمالنا، والحياة قصيرة، وأثمن من أن نضيعها في المعاصي.
نسأل الله عز وجل أن يوفقك إلى ما يحب ويرضى دائما.
__________________________________________________
انتهت إجابة الدكتورة/ رغدة عكاشة -استشارية أمراض النساء والولادة وأمراض العقم-.
وتليها إجابة الشيخ / أحمد المحمدي -مستشار الشؤون الأسرية والتربوية-.
___________________________________________________
أهلاً بك في موقعك "إسلام ويب"، وإنَّا سعداء بتواصلك معنا، ونسأل الله أن يحفظك من كل مكروه، وأن يقدِّر لك الخير حيث كان، وأن يرضيك به.
وبخصوصِ ما تفضلت بالسُّؤال عنه، فإنَّنا نحبُّ أن نجيبك من خلال ما يلي:
أولا: لا بد أن نقرر ابتداء -أختنا الكريمة- أن ما وقعت فيه جرم عظيم، وإثم كبير، يحتاج إلى توبة صادقة وعمل دؤوب.
ثانيا: لا شك -أختنا- أن للمعصية أثر على حياة الفرد، وقد عدد الإمام ابن القيم بعضا من تلك الآثار فقال:"قلةُ التوفيق، وفسادُ الرأي، وخفاءُ الحقِّ، وفسادُ القلب، وخُمولُ الذِّكْر، وإضاعةُ الوقت، ونفرةُ الخلق، والوحشةُ بين العبد وبين ربِّه، ومنع إجابة الدعاء، وقسوة القلب، ومحقُ البركة في الرزق والعمر، وحرمان العلم، ولباس الذل، وإهانةُ العدوِّ، وضيقُ الصدر، والابتلاءُ بقُرَناءِ السوء الذين يفسدون القلب ويضيعون الوقت، وطول الهمِّ والغمِّ، وضنْكُ المعيشة، وكسفُ البال، تتولَّدُ من المعصية والغفلة عن ذكر الله، كما يتولَّدُ الزرعُ عن الماء والإحراقُ عن النار، وأضدادُ هذه تتولَّدُ عن الطاعة".
نعم -أختنا الكريمة- للمعصية أثرها في حياة الفرد كافة، وعلى كافة الأصعدة، ومنها:
1- حرمان الرزق، ففي مسند الإمام أحمد عن ثوبان قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: " إن الرجل ليُحرم الرزق بالذنب يُصيبه "، ولا شك أن المال والعافية والسعادة والزواج والأبناء كل هذا رزق.
2- وحشة في القلب بينه وبين الله والناس، قال بعض السلف: إني لأعصي الله، فأرى ذلك في خلق دابتي وامرأتي.
3- تعسر أموره عليه، فلا يتوجه لأمرٍ إلا ويجده مغلقاً دونه أو متعسراً عليه، كما أن من اتقى الله جعل له من أمره يسرا.
4- حرمان الطاعة، فلو لم يكن للذنب عقوبةٌ إلا أن يُصدَّ عن طاعةٍ تكون بدله، وتقطع طريق طاعة أخرى، فينقطع عليه بالذنب طريقٌ ثالثة ثم رابعة وهلم جرا، فينقطع عنه بالذنب طاعات كثيرة، كل واحدة منها خير له من الدنيا وما عليها، وهذا كرجل أكل أكلةً أوجبت له مرضاً طويلا منعه من عدة أكلات أطيب منها والله المستعان.
5- أن المعاصي تُضعف القلب عن إرادته، فتقوى إرادة المعصية، وتضعف إرادة التوبة شيئاً فشيئاً إلى أن تنسلخ من قلبه إرادة التوبة بالكلية، فيأتي من الاستغفار وتوبة الكذابين باللسان بشيءٍ كثير، وقلبه معقودٌ بالمعصية، مُصرٌ عليها، عازم على مواقعتها متى أمكنه، وهذا من أعظم الأمراض وأقربها إلى الهلاك.
6- أن الذنوب إذا تكاثرت طُبِعَ على قلب صاحبها، فكان من الغافلين، كما قال بعض السلف في قوله تعالى: { كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون } قال: هو الذنب بعد الذنب.
ثالثا: أحدثي -أختنا الكريمة- توبة لله عز وجل، واعلمي أن باب التوبة مفتوح، ولا تظني أن الله لن يقبل الله توبتك وقد فعلت ما فعلت، فالله كريم غفور رحيم، وهو القائل –أختنا- جل شأنه: ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ)، فانظري -بارك الله فيك- كيف هي رحمة الله مع من أسرف في الذنوب لكنه عاد إلى الله تائبا نادما، بشره الله بالمغفرة متى ما كان صادقا في توبته، ولعلك تلحظين في صيغة النداء أن الله نسب العاصي إلى نفسه فقال: (يَا عِبَادِيَ)، ثم قال: (الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ) أي: أكثروا في الخطايا، (لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ) لا تيأسوا من رحمة الله، ( إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا)، أي: إنه يغفر الذنوب جميعاً عظمت أم صغرت، كثرت أم قلت، فبادري بالتوبة إلى الله -أختنا الفاضلة-، وأقبلي على ربك، وأقبلي على الله جل، لتخرجي إلى الطمأنينة والسكينة.
ألا تريدين طمأنينة القلب؟ إنها ها هنا في التوبة، ألا تريدين فرحة الروح وسعادتها؟ إنها هنا في التوبة، ألا تريدين أن تعيشي قريرة العين سعيدةً في دينك سعيدةً في دنياك؟ إنها ها هنا في الإنابة إلى الله، قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)، بل زاد فضل الله وكرمه حين يبدل السيئات والموبقات إلى حسنات كريمات فاضلات، قال الله جل وعلا: ( إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا).
رابعا: استعيني على توبتك بمصاحبة أهل العلم والفضل من الأخوات الصالحات، والتقرب إلى الله في جنح الظلام، والدعاء إليه في جوف الليل، كل هذه –أختنا- وسائل معينة على طريق الطاعة.
نسأل الله أن يبارك فيك وأن يحفظك، وأن يقدر لك الخير حيث كان، وأن يرضيك به.
والله الموفق.