أعاني من النسيان وقلة التركيز وحب العزلة، فكيف أتخلص منهم؟
2015-01-18 02:26:52 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا بعمر 22 سنة، مشكلتي: كثرة النسيان بشكل كبير، لدرجة أنني قد أمسك بالشيء وأنسى بعد دقيقتين أين وضعته، وهذا يحدث كثيرا، لم أهتم بالموضوع إلا بعد أن حدث لي موقف؛ حيث أغلقت باب الشقة، وأعطيت أختي المفتاح، وحينما عدت للمنزل بحثت عنه في حقيبتي ولم أجده، وكدت أن أكسر الباب، ظنا مني بأنني نسيت المفتاح بالداخل.
إضافة إلى ذلك تواصلي الاجتماعي خارج المنزل ضعيف جداً، وأنا في السنة الثانية في الجامعة، ولم أكون أي علاقة؛ لأنني لا أستطيع التحدث مع الغرباء، وعندما تكلمني أستاذتي لا أستطيع النظر إليها، وأصبحت أحب العزلة كثيراً، وأحب الكتابة والقراءة، أحمل بعض الكتب في هاتفي الخلوي، وأجلس في مكان بعيد عن الازدحام، وأعاني من قلة التركيز، وتسرقني أحلام اليقظة كثيراً، كل هذه الأعراض لم تظهر علي بهذا الشكل إلا قبل سنة ونصف.
تخصصي الجامعي لا يعتبر متنفسا لي، بل أعتبره تخصصاً للأعمال الشاقة، لا أحب الهندسة منذ سنوات الدراسة المتوسطة، ولكن معدلي لم يخدمني في الالتحاق بالتخصص المناسب، لا أستطيع أن أنجز فيه، ما أستطيع فعله وإتقانه يعتبر عادياً، أو أقل من المستوى العادي، لكنني أجيد الكتابة وأحب القراءة، وأستمتع بهما.
كيف يمكنني أن أخفف من حدة النسيان وقلة التركيز؟ وكيف يمكنني أن أتحدث أمام الشخص دون أن أرتبك؟ كيف أتعايش مع تخصصي؟ وكيف أشعر بالحياة؟
غالبا أشعر بأنني لا أريد تحقيق شيء هنا، أريد الرحيل، ولا أريد أن أخذل أسرتي، أو ينعتونني بالفاشلة؛ لأنني محل التقدير بالنسبة لهم، إضافة إلى ذلك لا أريد أن أخسر السنتين اللتين قضيتهما في هذا التخصص، أفيدوني أثابكم الله.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ rogeta حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
شكرا لك على التواصل معنا على هذا الموقع، والكتابة إلينا بما في نفسك، أعانك الله وخفف عنك، فأكيد أنه ليس بالأمر السهل.
لقد ورد في رسالتك عدة مواضيع أو مشكلات، وهي: النسيان وضعف التركيز، تجنب لقاء الناس وصعوبة بناء الصداقات، ومن ثم ضعف رغبتك في تخصص الهندسة، ولكنك في الفقرة الأخيرة ربما شخصت لبّ الحالة عندما ذكرت "ضعف تقدير الذات"، وهذا ربما هو أساس المشكلات الأخرى، وخاصة عندما يختلف تقدير الإنسان لنفسه عن تقدير الآخرين له، وقد ورد في سؤالك أنك -ولله الحمد- محط تقدير أسرتك والآخرين.
إذا عدة جوانب في سؤالك وربما هي متصلة، من شعورك بتراجع عزيمتك وتصميمك، ومن دخول فرع الجامعة غير المرغوب فيه، والخوف من المستقبل، وصعوبة الحديث مع الناس، وشعورك بأنك قد لا تحققين توقعات أسرتك والآخرين منك.
كما ذكرتُ لك ربما ما يجمع كل هذه الجوانب هو ثقتك بنفسك وتقديرك لها، وما يسمى "slefsteem" حيث من علامات نجاح الإنسان سواء في حياته الخاصة أو في علاقاته مع الناس، وفي علاقته بنفسه، أن لديه قدرا جيدا لتقدير لذاته.
ويصاب تقدير الذات أحيانا بما يضعفه وينقصه عندما يمرّ الإنسان بتجربة سلبية أو غير سعيدة النهاية، ولكن يُقال: إن العيب ليس في أن يقع الإنسان، وإنما في أن لا يستطيع النهوض من كبوته هذه.
ومن الملاحظ من خلال سؤالك أنك في حالة نفسية كأنك لا تتذكرين معها أو ترين إلا الأمور السلبية، وهذا ربما أيضا بسبّب ضعف الثقة بالنفس، وربما سبب مثل هذه النظرة السلبية أو المتشائمة، حالة خفيفة من الاكتئاب، وخاصة فيما ورد في آخر سؤالك من أنك لم تعودي تشعرين بالحياة، وتتمنين الرحيلّ.
السؤال الصعب: هل ضعف الثقة بالنفس وما أعقبه من تراجع بعض الأمور، قد أدى لحالة من الاكتئاب، أو أن الاكتئاب هو الذي كان له دور في إضعاف الثقة بالنفس، وإن كنتُ أرجح الأول، وذلك من خلال تسلسل الأحداث والمشاعر.
للعمل على تغيير هذا الحال، أريد منك وخلال الثلاثة الأسابيع القادمة أن تتذكري الإيجابيات في حياتك، ولا بد أن منها الكثير، بالرغم من عدم تصديقك الآن لهذا، بسبب الحالة النفسية التي أنت فيها، ويمكن أن أعدد من الإيجابيات على سبيل المثال، أنك وصلت الجامعة، وأنك تدرسين الهندسة بالرغم من أنها ليست الفرع المفضل لك، وما زلت في 22 سنة من العمر، وواضح أن عندك أحلام وتطلعات وإن لم تعبّري عنها بالشكل الإيجابي؛ بسبب الحالة النفسية، وحساسيتك من نفسك ومن أسرتك.
إننا كثيرا ما نسجن أنفسنا في أفكار ومعتقدات عن أنفسنا بأننا مثلا نتحلى بصفات معينة، أو أننا كسالى، أو أننا غير موفقين أو بلا إرادة، أو أننا لا نحسن التواصل مع الناس، ولا نعرف كيف نقيم صداقات وعلاقات، وتأتي عادة هذه الأفكار من مواقف الناس معنا، ومن كلامهم عنا، وخاصة في طفولتنا، فقد يقولون عنا مثلا: أن عندنا خجل، أو تردد، أو ضعف، أو ضعف الثقة في أنفسنا، فإذا بنا نحمل هذه الأفكار والمعتقدات على أنها مسلمات غير قابلة للتغيير أو التعديل، وقد تمر سنوات قبل أن نكتشف بأننا ظلمنا أنفسنا بتقبل وحمل هذه الأفكار كل هذه السنين، والمؤسف أن الإنسان قد يعيش كل حياته، ولا يحرر نفسه من هذه الأفكار، ويجد نفسه في سجن، ومفتاح هذا السجن في يده.
لا بد لك، وقبل أي شيء آخر أن تبدئي تحبين هذه النفس التي بين جنبيك، وأن تتقبليها كما هي، فإذا لم تتقبليها أنت فكيف للآخرين أن يتقبلوها؟ ومارسي دراستك الجامعية بهمة ونشاط، وراعي نفسك بكل جوانبها وخاصة نمط الحياة، من صلاة، وعلاقة مع الله، ومن التغذية الصحية، والنوم المناسب، والأنشطة الرياضية، وغيرها مما له علاقة بأنماط الحياة، وأعطي نفسك بعض الوقت لتبدئي بتقدير نفسك وشخصيتك، وبذلك ستشعرين بأنك أصبحت أكثر إيجابية مع نفسك وشخصيتك وحياتك.
يقول لنا الله تعالى: {ولقد كرمنا بني آدم}، فنحن مكرّمون عنده تعالى، وقد قال الله تعالى لنا هذا، ليشعرنا بقيمتنا الذاتية، والتي هي رأس مال أي إنسان للتعامل الإيجابي مع هذه الحياة، بكل ما فيها من تحديات ومواقف.
من المحتمل أن تخف عندك مثل هذه الأفكار من تلقاء نفسها، وخاصة من خلال اقتحام المواقف التي ترتبكين فيها، أو تشعرين معها بضعف الثقة في النفس، كما في نطاق الحديث مع الناس، والنظر في وجه المعلمة، ولكن إذا طال الحال، أو اشتدت هذه الأعراض، ولم تشعري بالتحسن الواضح، فقد يفيد مراجعة طبيبة أو أخصائية نفسية، ممن يمكن أن تقدم لك العلاج النفسي، أو حتى الدوائي، لما تعانينه إذا دعت الحاجة، وإن كنت أعتقد بأنك ستتمكنين من تدارك الأمر من نفسك.
أريدك أن تستيقظي غدا، مع يوم جديد، وليكن صباح الغد هو صباح ولادتك من جديد، متذكرة تلك الفتاة التي كنت في الماضي، فأنت أدرى الناس به، ولا شك أنك ما زلت تذكرينها.
ابدئي يومك غدا بالصلاة، ومن ثم التواصل مع أسرتك، ومن بعدها الخروج للجامعة، والقيام بما هو مطلوب منك، وأقبلي على الطالبات الأخريات بالتحية، مهما كان هذا العمل صعبا في البداية، وهكذا كلنا يبني ثقته بنفسه من خلال العمل والإنجاز، وكما يقال أن النجاح ولو كان صغيرا، يؤدي لنجاح أكبر منه.
وفقك الله ويسر لك.