مع محاولاتي للتخلص من الرهاب والاكتئاب وتقلب المزاج، لكنها لازالت تحاصرني
2015-01-16 00:55:10 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وبعد:
لا أعرف كيف أبدأ في الكلام؛ لأن فاتحة القول: أن حياتي صعبة، والحمد لله على كل حال، منذ ما يقارب الـ 8 سنوات وأنا أعاني من الاكتئاب والرهاب، -كما شخصني أحد الاستشاريين النفسيين- تعبت من نظرات الناس، عيونهم في كل مكان، لا أخطو خطوة إلا بعد حسابها ألف حساب، هجرت الناس، حياتي محدودة جدا، منزل، مسجد، أخرج قليلا وأعود بسرعة، وكأني في موعد مع الفراش والمنزل الذي أستطيع التأقلم معه؛ لحفظي طريقة الرد على الأهل لطول مكثي معهم، تركت جميع الأصدقاء منذ مدة، وهو -بالأصح- صديق واحد، وابتعدت عنه؛ لأن الصداقة بالنسبة لي شبه مستحيلة، أحاول أن أتصرف في نفس اليوم الذي أنا فيه، وأحاول حرقه بأي طريقة.
أختفي من الأقرباء كالجرذ في المجاري، التهرب هي سمة حياتي؛ لأني حتى لو لم أتهرب وقابلت الشخص فوجودي معه لا يشعرني بذرة من الراحة، أريده أن ينتهي فحسب، لا أدري ما السبب؟ أجوبتي مرتبكة مشتتة، أحاول النطق بكلمات، عندما أعد أحد الأشخاص أحس أن لساني مربوط، الكلمات تخرج غير عفوية، مرتبكة، تخرج من أقصى الدماغ، أشحذ جميع قدرات العقل للرد على جواب أحد الأشخاص، كأنني أمام أصعب الأسئلة وأعظم الناس، وحتى مع ردي الجيد له لكن تخرج الكلمات مغصوبة، وليس لي مزاج في الكلام، أحاول إنهاء الحوار بأي طريقة، لا مكان لي فيه راحة، الحياة لا طعم لها نهائيًا، ولولا الدين الذي أعتنقه لكنت الآن في عداد الموتى.
مزاجي يتغير في عشية وضحاها، تقلب رهيب في المزاج دائمًا، أستخدم الخيال في جبر نقصي، كتخيلي لذهابي لمناسبة وأني أنا الأفضل في تلك المناسبة، وأن الجميع استمتع بكلامي، محبوس في الخيال، حاولت التغيير من نفسي سلوكيًا لكن بلا جدوى، كلما أطور نفسي اليوم وأقول: اليوم تحسنت؛ يبدأ اليوم التالي وتبدأ النقطة معه من الصفر، وكأني لم أعمل شيئًا، تبرمج عقلي مع المرض، وكأنه يقول لي: لا تحاول التغيير فهذا مصيرك.
أعلم في داخلي أن لدي قدرات مذهلة، شهد لي بها الكثير، حتى وأنا في أتعس حالاتي، لكن إطلاق القدرات مستحيلة مع الرهاب والاكتئاب، مع العلم أنني مارست كثيرًا من السلوكيات، والمحاولة للتغيير، حاولت حضور المناسبات واللقاء بالأصدقاء، والانخراط معهم، لكن هناك شيء يمنعني.
استخدمت السيروكسات 20 ملجم لمدة 10 أشهر، وتحسن الاكتئاب معي بنسبة 30 %، لكن الرهاب على حاله، ثم توقفت عنه لتحسن الحالة المزاجية، ثم تدهورت حالتي ورجعت للطبيب وكتب لي علاجًا اسمه برستيج، ولم يناسبني إطلاقًا، ثم كتب لي علاجًا اسمه فيكسال اكس ار 150، ناسبني كثيرًا وارتحت معه، وقطعته عندما شعرت بالراحة من الاكتئاب ومن الرهاب، ثم تدهورت وعدت له، لكن مفعوله أصبح ضعيفًا.
الآن امتنعت عن الذهاب إلى الطبيب لأسباب مادية، قرأت عن السبرالكس وأنه علاج ممتاز للرهاب والاكتئاب، وأحببت أن آخذ نصيحتكم، هل آخذه؟ وما هي الجرعة المناسبة؟ أم هناك علاجات أخرى أستطيع أخذها لكنها قليلة الآثار الجانبية؟ لأن الأدوية التي أخذتها في السابق سببت لي التهاب البروستاتا، والفيكسال اكس ار سبب لي ارتباكًا في الأعصاب، حيث أحس بأن قواي قد خارت حتى حملي الأشياء، قدرتي ضعفت كثيرًا.
أملي في الله ثم بكم أن تصفوا لي العلاج المناسب، وأي استفسار تريدونه أنا مستعد، لله الشكوى، وعليه التكلان سبحانه الشافي المعافي، وصلى الله على نبينا محمد.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أنا أريدك أن تُحسِّن من إرادة التحسُّنِ لديك، وإرادة التحسُّن هي قوة نفسية داخلية، تجعل الإنسان على ثقة تامة بأنه هو الذي يُغيِّرُ نفسه، وقطعًا التغيير يجب أن يكون نحو الأفضل، والمحاولات السلوكية لا تتوقف عنها أبدًا، السلوك يُبنى من خلال مدة طويلة من الزمن، وأيضًا تلاشيه يكون بالتدريج وخلال مدة ليست قصيرة من الزمن، وأن يكون الإنسان يقظًا ومتحفزًا من أجل تغيير ما هو سلبي هذا من الأمور الجوهرية في الحياة، وحسن إدارة الوقت، وأن يكون للإنسان أهداف، أهداف على المدى المتوسط، وأهداف على المدى البعيد، وأهداف على المدى القصير، هذا يُمثِّل الدفع الرئيسي من أجل النجاح وتغيير السلوك.
هنالك –يا أخِي الكريم– أمور بسيطة، أنت -الحمد لله تعالى- تذهب إلى المسجد من أجل أداء الصلاة، هذا أمر عظيم جدًّا، وهذا الوضع يمكن أن تستفيد منه تمامًا من أجل بناء علاقات اجتماعية، تحدَّث مع إمام مسجدك متى كان ذلك مناسبًا، قف مع بعض المصلين وسلِّم عليهم وتجاذب أطراف الحديث، هنا أنت تكون قد أدخلت نفسك في نوع من النشاط الاجتماعي الآمن، وهذا قطعًا يطور من مهاراتك الاجتماعية.
الإصرار على مشاركة الناس في مناسباتهم، وزيارة المرضى في المستشفيات مثلاً، والترفيه عن النفس بما هو طيب وجميل، والمداومة على برامج مثل هذه سوف تُساعدك كثيرًا، وهي من صميم الحياة، ليست غريبة، وليست مستحيلة التطبيق، وفي متناول اليد تمامًا، فلا بد أن يكون سعيك على هذا النمط، كذلك الرياضة لها فوائد جمَّة لتغيير السلوك الإنساني ليُصبح أكثر إيجابية، ولإزالة الاكتئاب وتحسين المزاج، فاحرص عليها أخِي الكريم.
بالنسبة للعلاجات الدوائية: قطعًا الدواء يُمثِّل جزءًا مهمًّا من العلاج، والأدوية متقاربة في فعاليتها، لكن الناس تختلف في استجابتها نسبة للبناء الجيني لكل إنسان.
عقار (سبرالكس Cipralex) والذي يعرف علميًا باسم (استالوبرام Escitalopram) ممتاز ورائع جدًّا، ويمكن أن تبدأ في تناوله بجرعة خمسةَ مليجرام، ابدأ بدايات بسيطة، والجرعة التمهيدية يجب أن تكون هكذا، استمر على الخمسة مليجرام لمدة أسبوعين، ثم اجعلها عشرة مليجرام يوميًا، وهذه هي بدايات الجرعة العلاجية، استمر عليها لمدة شهرٍ، بعد ذلك اجعلها عشرين مليجرامًا يوميًا، وهذه جرعة علاجية صحيحة، استمر عليها لمدة أربعة أشهر، ثم اجعلها عشرة مليجرام يوميًا لمدة عام مثلاً، وهذه ليست مدة طويلة أبدًا، بعد ذلك خفضها إلى خمسةَ مليجرام يوميًا لمدة شهرٍ، ثم خمسةَ مليجرام يومًا بعد يوم لمدة شهرٍ آخر، ثم توقف عن تناول العلاج الدوائي.
فيا أخِي الكريم: إذا سرت على هذا المنوال الذي يُحتِّم ضرورة الالتزام بالجرعات الدوائية والمراحل العلاجية، وطبقتَ الإرشادات السلوكية التي هي من صميم الواقع، ويمكن تطبيقها بكل سهولة كممارسات يومية، فأعتقد أن ذلك سوف يؤدي إلى تعديل السلوك لديك؛ لتصبح أكثر انشراحًا وتفاؤلًا وإيجابيًا بإذن اللهِ تعالى.
باركَ الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.