أنا أكثر من يحترم أبي من بين أبنائه لكنه لا يقدرني، فماذا أفعل؟
2015-02-08 05:29:57 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله
إن والدي يعقني بدون إخواني، بالرغم أنني أكثر أبنائه له احتراما، وأطيعه بكل شيء ولا أعصي له أمرا، ومنذ فترة حدث موقف بيننا وأصبت بانهيار عصبي، ودخلت المستشفى ولم يرق قلبه لي، حتى أنني أصبحت أكرهه ولا أحب أن أراه، ولكني أخشى أن أغضب الله.
ماذا علي أن أفعل؟ لم يعد الأمر بيدي؛ هو نزع حبه من قلبي.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ saeed حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أهلاً بك في موقعك إسلام ويب، وإنَّا سعداء بتواصلك معنا، ونسأل الله أن يحفظك من كل مكروه، وأن يقدِّر لك الخير حيث كان، وأن يرضيك به.
وبخصوصِ ما تفضلت بالسُّؤال عنه، فإنَّنا نحبُّ أن نجيبك من خلال ما يلي:
أولا: اعلم -أخي الحبيب- أن المستشار مؤتمن، ونحن هنا لا نعرفك ولا نعرف والدك، ونرجو الله أن يتسع صدرك لحديثنا، فنحن -والله يعلم- لا نريد لك إلا الخير، مع أننا نتفهم تماما طبيعة المشكلة حين يكون الفرد طرفا فيها، بالطبع يظنها أكبر وأعقد وأصعب المشاكل، وأن الجميع لا يفهم طبيعتها مثله، وربما يكون له بعض الحق، لكن قطعا لا يعني ذلك أن الحق كله معه.
ثانيا: هناك أمور تسمى: البدهيات القاطعة، مثل ماذا؟: الشمس تسطع نهارا، والقمر يخرج ليلا، والسماء فوقنا، والأرض تحتنا، هذه أمور بدهية، لو أتاك من يقسم لك باكيا شاكيا على أنه رأى الشمس قبل الفجر ساطعة، ماذا تقول له؟ لا ريب أنك لن تصدقه، وأنك ستدرك لأول وهلة أن شيئا ما خطأ عند هذا المتحدث، إما أن يكون مريضا أو متعبا فخيل له، المهم أنك لن تناقش ولو لحظة إمكانية سطوع الشمس ليلا، وإنما ستناقش علة دائه، وهذا -أخي- ما نود منك أن تنظر إليه.
المشكلة ليست مع والدك بقدر ما هي معك -اسمح لنا ونحن نريد لك الخير-، ولن تجد في الكون كله من يحبك كوالديك، لن تجد في الكون أحدا أحرص عليك منهم، لن تجد في الكون كله من يبكي عليك ويتألم لأجلك مثلهم، تلك بدهيات أخي الحبيب، فراجع موقفك جيدا.
ثالثا: إننا نود منك أن تقرأ تلك الواقعة بتأن:
عن جابرٍ -رضِي الله عنه- قال: جاء رجلٌ إلى النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- فقال: يا رسول الله، إنَّ أبي أخَذَ مالي، فقال النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- للرجل: (اذهَبْ فأتِني بأبيك)، فنزل جبريل -عليه السلام- على النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- فقال: إنَّ الله -عزَّ وجلَّ- يُقرِئك السلام ويقول لك: إذا جاءَك الشيخ فسَلْه عن شيءٍ قالَه في نفسه ما سمعَتْه أذناه، فلمَّا جاء الشيخ قال له النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- ما بال ابنك يَشكوك، أتريد أخْذ ماله؟ قال: سَلْهُ يا رسول الله، هل أُنفِقه إلا على إحدى عمَّاته أو خالاته أو على نفسي! فقال النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم-: (إيهٍ! دَعْنا من هذا، أخبِرنا عن شيءٍ قُلتَه في نفسك ما سمعَتْه أذناك)، فقال الشيخ: والله يا رسول الله ما يَزال الله يزيدنا بك يقينًا! لقد قلتُ في نفسي شيئًا ما سمعَتْه أذناي فقال -صلَّى الله عليه وسلَّم-: (قُلْ وأنا أسمع)، قال: قلت:
غَذَوْتُكَ مَوْلُودًا وَمُنْتُكَ يَافِعًا= تُعَلُّ بِمَا أَجْنِي عَلَيْكَ وَتَنْهَلُ
إِذَا لَيْلَةٌ ضَافَتْكَ بِالسُّقْمِ لَمْ أَبِتْ= لِسُقْمِكَ إِلَّا سَاهِرًا أَتَمَلْمَلُ
كَأَنِّي أَنَا الْمَطْرُوقُ دُونَكَ بِالَّذِي= طُرِقْتَ بِهِ دُونِي فَعَيْنَايَ تَهْمُل
تَخَافُ الرَّدَى نَفْسِي عَلَيْكَ وَإِنَّهَا=لَتَعْلَمُ أَنَّ الْمَوْتَ وَقْتٌ مُؤَجَّلُ
فَلَمَّا بَلَغْتَ السِّنَّ وَالْغَايَةَ الَّتِي= إِلَيْهَا مَدَى مَا فِيكَ كُنْتُ أُؤَمِّلُ
جَعَلْتَ جَزَائِي غِلْظَةً وَفَظَاظَةً= كَأَنَّكَ أَنْتَ الْمُنْعِمُ الْمُتَفَضِّلُ
فَلَيْتَكَ إِذْ لَمْ تَرْعَ حَقَّ أُبُوَّتِي= فَعَلْتَ كَمَا الْجَارُ الْمُجَاوِرُ يَفْعَلُ.
قال: فحينئذٍ أخذ النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- بتلابيب ابنه وقال: (أنت ومالُك لأبيك).
رابعا: نحن نقول ذلك ولا ندعي أن والدك معصوم من الخطأ، لا، أبدا، فهناك سلوكيات خاطئة يفعلها الأهل مع الأطفال، نحن ندينها وننكرها عليهم، ولكننا نفصل بين الحقوق والواجبات الشرعية من ناحية، وبين العاطفة والخطأ من ناحية أخرى، فخطأ الوالد لا يدل أبدا على بغضه ولده، مستحيل أن يبغض والد ولده وهو زرعه، كما أن قلة الحقوق من الوالد لا تعني غياب الواجبات تجاهه من ولده، وعليه؛ فالسلوك الخاطئ لا نوافق عليه ولا بد أن يبين للمخطئ، لكنه -الخطأ- نابع عن اجتهاد وليس عن سوء نية.
خامسا: حق والدك عليك قائم حتى ولو كان كافرا، وأنت تعلم قول الله عز وجل: {وإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} أي إن أرادا منعك وإرغامك على الكفر بالله خالق السموات والأرض فلا تطع، ولا تترك مساعدتهما ومصاحبتهما.
سادسا: نريدك أن تحاور والدك وأن تتحدث إليه بنفس طيبة، وأن تعلم أن له قلبا يحن إليك، فابدأ بنفسك، وستجد الخير الكثير من وراء ذلك.
سابعا: نريد منك أن تستمر في رضا الوالد، وأن تلتزم حق الله عليك فيه، واعلم أن البر والعقوق إرث، فكما تدين تدان، وكما تبر يبرك ولدك.
نسأل الله أن يوفقك لكل خير، وأن يسعدك في الدارين، وأن يحفظك من كل مكروه.
والله الموفق.