ما هي أحلام اليقظة؟ هل هي شيء إيجابي أم عبارة عن الشعور بالنقص وعقدة الدونية؟
2015-02-12 00:23:09 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم
شكرا لكم على إتاحة الفرصة لنا، للتعبير عن مشاعرنا، والاستفادة من استشارتكم ونصائحكم، والاستفادة من موقعكم في الثقافة، ومعرفة أشياء جديدة، من خلال متابعاتي للموقع بشكل متكرر.
أنا بعمر 23 سنة، ومن خلال أسئلتي، هل أنا مريض نفسياً أو مجنون أو عندي فصام أو اكتئاب أم ماذا؟
لدي مشكلة كبيرة أمر بها، وذلك أني لا أخرج من المنزل بعد المغرب، منذ نحو ست سنين! مما سبب لي الإحراج، خاصة مع الأهل، فلا أذهب إلى أحد ولا أحد يأتي إلي.
كما أني – والعياذ بالله- لا أصل رحمي، وأشعر بالإحراج الشديد من زيارتهم، وبعض أرحامي لم أزرهم في حياتي! فكيف أبادر وأصلهم؟ أريد حلولاً، وأريد أن أتعرف على الناس وأكون علاقات معهم، فأنا أقابل أشخاصا كثر، لكن لا أعرف كيف أتعامل معهم أو أكسبهم كأصدقاء؟
ما هي أحلام اليقظة؟ هل هي شيء إيجابي أم عبارة عن الشعور بالنقص وعقدة الدونية؟ وهل لحالتي الزواج أفضل؟ فأنا أرغب في الزواج لكن هناك بعض المعوقات، مثل إقناع الأهل والفتاة والبيت؟
شكرا لكم.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عمر حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبا بك -ابننا الفاضل- في موقعك، ونشكر لك الاهتمام والسؤال، وأنت -ولله الحمد- من الناضجين العقال، ونسأل الله أن يقدر لك الخير وأن يصلح الأحوال، وأن يحقق لنا ولكم في طاعته الآمال، ولا شك أن الشعور بالمشكلة أو الخلل هو أول وأهم خطوات التصحيح بعد توفيق الله عز وجل، فاستعن بالله وتوكل عليه، وتجاوز الحدود الوهمية بينك وبين أرحامك أو بينك وبين الناس.
نتمنى أن تكون البداية بالمواظبة على الصلاة في جماعة في المسجد، وخاصة صلاة العشاء، وبذلك يتحقق لك الخروج بعد المغرب، ولأطهر بقعة وأحسن رفقة، والصلاة والتكاليف الشرعية التي تأتي في جماعة هدفها إيجاد التعارف والتبادل والمخالطة.
كلما وجدت شخصا فيه خير فعليك أن تقترب منه، وهكذا كان يفعل الإمام أحمد رحمه الله، فمعرفة الرجال كنز، والتواصل مع الصالحين عون على طاعة رب العالمين، وقد قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم، (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي) و(المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالط ولا يصبر)، ووجود الإنسان مع الناس له ضريبة، ولكن فيه فوائد كثيرة، فاقترب من الأخيار، ونسأل الله أن يحبب الناس إليك ويحبب إليك الصالحين منهم.
أما بالنسبة لمسألة الزواج فهي جزء من الحل، ونؤيد فكرة الزواج مع ضرورة حسن الاختيار للفتاة، ومن المهم والمفيد إشراك أهلك في كل الخطوات، وهذه وصيتنا لك بتقوى الله ثم بكثرة اللجوء إلى الله.
سوف تستفيد من توجيهات الطبيب النفسي المتألق، الدكتور محمد، وكلنا سعداء بكم ونريد لكم الخير.
ونسأل الله أن يوفقك لما يحبه ويرضاه.
++++++++++++++
انتهت إجابة د. أحمد الفرجابي. مستشار الشؤون الأسرية والتربوية
وتليها إجابة د. محمد عبد العليم. استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان
++++++++++++++
أيها الفاضل الكريم: لا نستطيع أن نقول: إنك مريض نفسي، نعم هنالك ظاهرة وهي أنك لا تفضل أن تخرج من المنزل بعد المغرب، ولا تزور أرحامك، وتحسُّ بحرجٍ حول هذا الأمر.
لا يوجد تفسير مُقنع لكل ذلك أيها الفاضل الكريم، هل أنت لا تخرج من المنزل بعد المغرب؟ هل لديك مخاوف؟ هل هو نوع من التطبع الوسواسي النمطي – أي عادة اكتسبتها ولم تتمكن في تغييرها؟ وسؤالك أنك تريد أن تعرف الناس وتكوين علاقات لكن لا تستطيع ذلك.
أيها الفاضل الكريم: كل ما طرحته من تساؤلات علاجه ليس بالصعب أبدًا، ومن الواضح أنك إنسان صاحب مقدرات، رسالتك جميلة، رصينة جدًّا من حيث مكوناتها، ومقدرتك على التعبير، ورغبتك في الزواج هو أمر مُشجع جدًّا.
أخِي الكريم: الإنسان هو أصلاً عبارة عن أفكار ومشاعر وأفعال، هذا المثلث ثلاثي الأضلاع إذا كان يوجد خلل في أحد أضلاعه فنلجأ للضلع الآخر.
أنت لديك مشكلة في المشاعر، لديك مشكلة في الأفكار، هي سلبية، إذًا الجأ وحسِّن من ضلع الأفعال، وهذا مهم جدًّا.
معظم علماء السلوك يتفقون على ذلك، أن المشاعر السلبية يمكن أن تُبدَّل من خلال الأفعال الإيجابية.
أول ما تقوم به – أيها الأخ الكريم – لا بد أن تُجري مراجعات مع نفسك، اعرف عظمة الصلة بالرحم، وأهمية التواصل الاجتماعي، والحمد لله تعالى أنت تعيش في بلدٍ فيه الكثير من التراحم والتواصل بين الناس، اذهب وزر المرضى في المستشفيات، امشِ في الجنائز، اذهب إلى الأعراس، هذه مناسبات تعتبر شبه إلزامية وكثيرة جدًّا في السودان، من خلالها تستطيع أن تبنيَ شيئًا من الألفة مع الآخرين.
الله تبارك وتعالى حباك بالقدرة والطاقات التي يجب أن تُسخِّرها، ويجب أن تستفيد منها، وأنا لا أرى بأسًا أبدًا في أن تتحدث مع أحد الأشخاص الذين تثق بهم، وتوضح له صعوباتك الاجتماعية من النوع الذي تعاني منه، قل له مثلاً: (ايتني بعد صلاة المغرب، دعنا نذهب ونزور فلاناً أو فلاناً) وهكذا، فالأمر يتطلب منك أن تُغيِّر من ذاتك ومن نمط حياتك، وإن كان هناك جانب وسواسي أو جانب مخاوف فاذهب وقابل أحد الأطباء النفسيين في السودان، وهم الحمد لله تعالى كُثر جدًّا.
بالنسبة لأحلام اليقظة: أحلام اليقظة هي أفكار تأتي للإنسان، وفيها ما هو صالح، وفيها ما هو طالح، هي مرتبطة بالمرحلة العمرية وظروف الإنسان الاجتماعية، وكيفية إدارته لوقته، فالذين يعانون من الفراغ المتسع تُملأ عقولهم بأحلام اليقظة، وهكذا.
أحلام اليقظة بدرجة معقولة هو أمر إيجابي، لكن إذا كانت تفكيرًا مُسرفًا ومستحوذًا فهنا قطعًا هي مضيعة للوقت، وقد تُدخل الإنسان في صعوبات نفسية كثيرة، لكن إذا كانت بصورة معقولة يمكن أن يُستفاد منها، ويمكن أن تكون إيجابية.
نظم وقتك، ومارس الرياضة، ونم مبكرًا، واستيقظ مبكرًا، واجعل لحياتك هدفًا ومعنىً، هذا قطعًا يُقلل من أحلام اليقظة، وإن وجدت فسوف تجعلها إيجابية.
الزواج أنا أراه دائمًا ميثاقًا غليظًا، وهو كذلك حيث قال الله تعالى: {وأخذنا منكم ميثاقًا غليظًا} وأراه رحمة ومودة وسكينة مصداقًا لقوله تعالى: {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآياتٍ لقومٍ يتفكرون} فقطعًا هو رابط شرعي اجتماعي، وطيد، وهو تكملة للكيان الإنساني، ولذلك أريدك أن تقدم عليه، ولا تتردد أبدًا.
أريد أن أضيف أمرًا هامًا، وهو ما تشعر به من دونية سوف يختفي تمامًا حين تتزوج تلك المرأة الصالحة، فاسأل الله تعالى أن يرزقك المرأة الصالحة، وأقدِم على ذلك، ولا تشغل نفسك بهواجس النواقص التي ترمي بها نفسك دون أن تكون موجودة، أنت لست أقل من الآخرين.
وبالله التوفيق.