تنتابني أحاسيس حزن كثيرة من مجرد كلمة.. هل هو خوف أم وسواس أم ماذا؟
2015-02-19 00:54:17 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بداية أود أن أشكركم على مجهوداتكم العظيمة في مساعدة الآخرين جعلها الله في موازين حسناتكم، وأعتذر عن الإطالة، حيث بدأت حكايتي مع الوسواس في الخامسة عشر من عمري، عانيت منه فترة طويلة دون أن أدرك أنه مرض حتى أخبرنا بذلك طبيب مخ وأعصاب.
كانت تنتابني أفكار في صورة تهديد لو لم تفعل كذا ربما يحدث كذا، لو لم تراجع الباب سوف يحدث ضرر لأحد من أهلك مثلا.
في هذه الفترة كانت هناك خلافات دائمة ومتكررة بين شقيقي الذي يكبرني بثلاث سنوات، وبين أبي رحمه الله، كنت أخشى دائمًا تكرار هذه الخلافات، فتأتيني الأفكار في صورة تهديد لو لم تفعل الفعل الفلاني سيحدث كذا وكذا.
ذهبت إلى طبيب مخ وأعصاب بعد معاناة طويلة امتدت لحوالي سنة بإرشاد من أحد الأصدقاء، وعرفت بعدها أنه مرض فوصف لي أنافرنيل، وزانكس لفترة لا أتذكرها، ولمدة أيضًا لا أتذكرها، وتعافيت نسبيًا، ثم توقفت عن الذهاب له، وعن تناول الأدوية.
ثم انتقلت للمرحلة الثانوية، والتحقت بكلية الهندسة، وكانت تنتابني مثل هذه الأفكار في فترة الامتحانات؛ مما يجعلني أعيد الحسابات على الحاسبة عدة مرات تخرجت، ووجدت عملاً بصعوبة نظرًا لكوني لا أجتاز المقابلات الشخصية بنجاح نظرًا للتوتر الذي يلحق بي أثناء المقابلة.
منذ فترة عاودت الأفكار في الظهور بشكل ملح، وكبير تأتي في صورة تهديد أيضًا لو لم تفعل كذا سوف تفقد أحد الناس، أو سيقول عنك أناس كذا وكذا، أو سوف يخرج الناس من حياتك، أو يغضب منك أحد، أو يعاملك بشكل سيء، وهكذا فأنا شخصية حساسة للغاية، وهكذا إلى أن ذهبت إلى طبيب مخ، وأعصاب، فأعطاني فافرين بجرعة 100 مللي في اليوم، ومعه بوسبار، وشعرت بتحسن نسبي، ثم رفع جرعة الفافرين إلى 200، ولكن ظل الوضع كما هو، استبدل البوسبار بالأنافرنيل 25، ولكن الوضع كما هو حتى توقفت عن الذهاب له دون قطع للعلاج استبدلت فقط الفافرين بسيتالو بتوصية من طبيب الصدر الذي ذهبت له أشكو ضيق التنفس، فقال لي إن الموضوع نفسي، وليس عضويًا.
أنا مستمر الآن على أنافرانيل بجرعة 75 مللي في اليوم فقط، ولا أعلم هل أتوقف عنه أم أضف إليه شيئا أم ماذا فقد سئمت من العقاقير؟
أخشى الاختلاط بالناس كثيرًا؛ لأنني أخشى رؤياهم لنواقصي رغم أنني متفوق جدًا في عملي -الحمد لله- ولكني اعتدت النجاح والظهور بمظهر مختلف عن الآخرين، فأخشى أن تهتز تلك الصورة كثيرًا، فأنا شخصية حساسة جدًا من أي كلمة، أو عبارة، ولذلك أسعى للظهور بشخصية مثالية.
أسعى للوصول لتلك المثالية، ولكنني أفشل وأعرف أنه لا توجد شخصية مثالية، ولكني أسعى للوصول لها، وأظل أفكر دائمًا في نواقص وعيوب الآخرين، ولماذا هم هكذا.
أخشى الإقدام على الزواج، فإنني أخاف أن أتحمل مسؤولية زوجة وأولاد ثم أفشل، لا أعلم ماذا أفعل فإنني أخاف كثيرًا، وتنتابني أحاسيس حزن كثيرة ربما من مجرد كلمة من أحد، لا أعلم هل هو خوف أم رهاب أم وسواس أم اكتئاب أم ماذا ولا أعرف ماذا أفعل هل أستمر على الدواء أم أستبدله أم ماذا؟
أرشدوني يرحمكم الله.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ كريم حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أولاً التاريخ الطويل للمرض النفسي - والذي ظهر في شكل وساوس، واكتئاب ثانوي بسيط – ليس دليلاً أبدًا على أن حالتك سوف تستمر على هذا النحو، لا، ما مضى قد مضى، والإنسان حين يُصاب بحالات نفسية مشابهة للتي أصابتك يمكن أن يستفيد منها، ويتعلم منها مهارات كثيرة تُفيده في المستقبل وفي الحاضر.
فيا أيها الفاضل الكريم: أريدك أن تستفيد من كل الحيل السلوكية التي تعلمتها خلال المدة السابقة من أجل القضاء على الاكتئاب وكذلك الوساوس، وأنت -الحمد لله تعالى- الآن في مرحلة نضوج، نضوج جيد جدًّا، طاقات الشباب متوفرة لديك، وتستطيع أن توجِّه حياتك بصورة ممتازة جدًّا.
أنت ذكرت أنك شخصية حسَّاسة، وأنك دائمًا تسعى للمثالية: هذا أمر جيد، والحساسية في الشخصية يتم التغلب عليها من خلال إقناع الذات، بأن الإنسان يجب ألا يكون انفعاليًا بصورة سلبية في جميع المواقف، وأن تُعبِّر عن ذاتك أولا بأول، وألا تحتقن؛ لأن التفريغ النفسي هو من أفضل سبل العلاج.
ويا أخِي الكريم: لا تأس على الماضي، ولا تخف من المستقبل؛ لأن ذلك سوف يُضيِّع عليك الحاضر، عش الحاضر بقوة، ولا بد أن يكون لك مخططات واضحة، خطط آنية، خطط وسطية، وخطط بعيدة المدى، هذا هو برنامج العمر الذي يجب أن تتأمل فيه وتتفكر فيه، وتضع الآليات التي تُوصلك إلى ما تسعى إليه.
هذا يُحقق إشباعًا لشخصيتك المثالية، ويُقلل عندك القلق والتوترات، بل يتحول قلقك المصاحب للوساوس إلى قلقٍ إيجابي.
حُسْنِ إدارة الوقت هي البوابة الرئيسية التي يدخل منها الإنسان نحو النجاح والتوفيق، وحسن إدارة الوقت تعني حسن إدارة الحياة.
أخِي الكريم: لا تتردد حول الزواج، هذا هو التاريخ البشري الطبيعي، الإنسان يُولد، يتعلم، يعمل، يتزوج، يعيش -إن شاء الله تعالى- إلى ما شاء الله له، ثم يموت، هذه هي الحياة، فلا تضيع على نفسك أبدًا فرصة الرحمة والمودة والسكينة التي تجدها -إن شاء الله تعالى- مع الزوجة الصالحة.
بالنسبة للعلاجات الدوائية: الأنفرانيل علاج طيب، لا بأس به، لكن إن كنت تضايقت منه – خاصة إذا كانت الجرعة تتكون من ثلاث حبات من فئة خمسة وعشرين مليجرامًا – يمكن أن تنتقل لدواء آخر، دواء يعرف باسم (بروزاك Prozac) أراه دواء رائع جدًّا، ويسمى علميًا باسم (فلوكستين Fluoxetine) بسيط، سهل الاستعمال، آثاره الجانبية قليلة، يُحسِّنُ من دافعية الإنسان، يُزيل الوساوس، ويُحسِّنُ المزاج.
فيا أخِي الكريم: إن مللتَ من الأنفرانيل تناول البروزاك، أما إذا كنت مقتنعًا بالأنفرانيل – وهو دواء جيد، ولا شك في ذلك – فاستمر عليه، استمر عليه لمدة عام مثلاً، ثم خفض الجرعة تدريجيًا، اجعلها خمسين مليجرامًا لمدة عامٍ آخر، ثم خمسة وعشرين مليجرامًا لمدة ستة أشهر، ثم توقف عن تناوله.
أما البروزاك: فئة خمسة وعشرين مليجرامًا من الأنفرانيل تعادل كبسولة واحدة من البروزاك (عشرون مليجرامًا)، ويمكن أن تستعمله لمدة عام أو عامين.
أخِي الكريم: التواصل الاجتماعي يجب أن يكون جزءًا من حياتك، لا تخشى مخالطة الناس، الإنسان بطبعه مخلوق اجتماعي، والتواصل مع الآخرين هو متنفَّس إنساني عظيم جدًّا.
وهنالك نوع من الاختلاط التلقائي والإيجابي والجميل جدًّا: الصلاة مع الجماعة، ممارسة الرياضة الجماعية، الخروج مع الأصدقاء، تناول وجبة طعام في أحد المطاعم معهم، مشاركة الناس في أفراحهم وأتراحهم، وهكذا، هذا هو الاختلاط الجيد والاختلاط المفيد، والذي يُساعد الإنسان على تنمية شخصيته.
أسأل الله لك العافية والشفاء والتوفيق والسداد.