هل تكون الفتاة نصيبه في الجنة إذا تزوجت بغيره؟
2015-05-18 03:27:06 | إسلام ويب
السؤال:
الــســلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
أنا شاب أحب فتاة منذ حداثة عهدي بمرحلة الطفولة، وعند بلوغي مرحلة الدراسة الثانوية فكّرت كثيرًا أن أكلّمها، لكني كنت أستحيي أن أفعل ذلك، ومنعت نفسي من أن أكلّمها كثيرًا، بل من رؤيتها على مقربةٍ منها!
مرت الأيام والأعوام تلو الأعوام وحبها يكبر بقلبي، وأنا أناجي سميع الدعاء أن يكتبها لي خير زوجة في الدنيا والآخرة، وأن يحرسها بعينه التي لا تنام، ولم أقْدِر أن أنساها؛ لدرجة أني قررت أن أتقدم لها أول ما أقدر أن أتقدم لها، وخصوصًا أنها محترمة، وعلى خلق.
أنا الآن أتابع دراستي الجامعية بكل جهد وبدون كلل؛ بغيةَ حصولي على وظيفة يكون مورد رزقها حلالًا، وأنـا بـصدد الـبـحـث عـنـهـا، وأبتغي بذلك التقرب من الله في كل يوم أكثر من اليوم الذي مضى، وأردت التقدم للفتاة التي يحبها قلبي منذ كنت أدرس بالمرحلة الابتدائية، ولكنها خطبت، فهي الآن مخطوبة، وأنا أحبها حبًا شديدًا!
سؤالي: إن لم يقدّر لي ربنا -سبحانه وتعالى- أن أرتبط بها في الدنيا، فهل ينفع أن تكون هي زوجتي في الجنة؟ وأنا -بإذن الله تعالى- لن أرتبط بغيرها ما حييت في هذه الفانية! وسأعمل على تهذيب غريزتي بالإكثار من الصلاة والصوم.
إن وفقني الغني البصير ورزقني مورد الرزق الحلال -إن أطال الله في عمري-، وأصبحتْ لديّ المقدرة على فتح بيت، فقوله حق ووعده حق: {إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملًا}، فإني إذا ارتبطت بغيرها، فلن أستطيع أن أحبها، لن أستطيع، لن أستطيع! ليـس الأمر بـيَـدي؛ وبالتالي سأقصّر في حقها مهما حرصت، فالحب فطرة، وخير الأنام الحبيب المصطفى -صـلى الله عـليه وسلم- قال لربه: (لا تلمني فيما لا أملك)، يقصد قلبه، فما البال بنا نحن عباد الله الضعفاء؟!
أنا أخاف الله، وأخاف أن أؤثم عـلـى تقصيري في حـب غـيـرهـا إن حصل وتـزوجـتها، فأنا أتمنى أن تكون من أحببتها منذ عـهـد الـصّـبـا زوجتي في الجنة، وخصوصًا أن الله -سبحانه وتعالى- يقول عن الجنة: {وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين}، ويقول الرسول -صلى الله عـلـيـه وسـلم-: (المرء مع من أحب).
علمًا أني لسنواتٍ طويلة وأنا أتألم جدًا في صمت يكاد يخنقني بسبب ذلك الأمر، وأرى أنه صعب جدًا أن أُحرم من الفتاة التي أحبها في الله؛ أحرم منها في الدنيا والآخرة! واللهُ هو الوحيد الذي يعلم بما أشعر به وبمدى الصبر الذي أتحمله، فأنا صابر على ما أصابني حتى يحكم الله في أمري فيما كتبه لي من عُمْر؛ فرحمته وسـعـت كل شيء، ورحمته سبقت غضبه –سبحانه- والحمد لله على كل حال.
شكرًا لكم.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ هشام .. حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. وبعد:
مرحبًا بك -ابننا الفاضل- في موقعك، ونشكر لك الاهتمام والسؤال، ونسأل الله أن يقدّر لك الخير، وأن يصلح الأحوال، وأن يحقق في طاعته لنا ولكم الآمال.
نشكر لك الحرص على كتمان ما في نفسك، وعدم السعي إلى الدخول في عالم المخالفات، ونسأل الله أن يعوضك إيمانًا تجد لذته في قلبك، وأن يرفعك عنده درجات.
رغم أنه لم يتضح لنا إن كان الميل المذكور من جهتك فقط، أم كانت تشاركك المشاعر، وهل كانتْ تعلم، أم لا؟
إلا إننا ندعوك لطيّ تلك الصفحات، بل إننا نقترح عليك فتح صفحة جديدة تبحث فيها عن امرأة صالحة تستكمل بها ومعها نصف الدين، ونحن على يقين أن المرأة الصالحة سوف تنسيك الحب الشفهي الذي كنت تعيش عليه، والأهم من كل ذلك أن تعمر قلبك بحب الله، ثم تنطلق في جميع محابك من حبك لله، وتتقيد بشرعه سبحانه.
لا يخفى على أمثالك أن البنات لا ينتظرن بعد بلوغهن؛ حيث يتسابق الخطّاب، والصواب في مثل هذه الأحوال أن يرسل الإنسان والدته أو أخته لتتكلم وتتعرّف حتى لا يكون الانتظار للمجهول.
أما الآخرة: ففيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، وللناس في الجنة ما يشاؤون، وعند الله للأتقى مزيدُ.
وصيتنا لك: بتقوى الله، ثم بكثرة اللجوء إليه، ونسأل الله لنا ولك ولها التوفيق والسداد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
انتهت إجابة الدكتور/ أحمد الفرجابي، مستشار الشؤون الأسرية والتربوية.
وتليها إجابة الشيخ/ أحمد الفودعي، مستشار الشؤون الأسرية والتربوية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مرحبًا بك -أيها الحبيب-، ونسأل الله -تعالى- أن يُقدِّر لك الخير حيث كان، ويرضِّيك به.
استشارتك -أيها الحبيب- تدلُّ دلالة واضحة على أن الله –تعالى- رزقك عقلاً سديدًا وصلاحًا وإيمانًا، ونسأل الله –تعالى- لك المزيد، وأنت بسلوكك هذا -أعني سبيل العفة والوقوف عند حدود الله- تجلب لنفسك كل خير، وتُبعدها عن كل شر، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد أخبر في بعض الأحاديث عن فضل من عشق ثم سلك سبيل العفة حتى مات بسبب عشقه، فقال -عليه الصلاة والسلام-: (من عشق فعفَّ ثم مات، مات شهيدًا)، وإن كان في الحديث ضعف، لكن قوَّاه بعض العلماء، وهذا فيه دلالة على ثواب الله –تعالى- على من أُصيب بهذه المصيبة ثم سلك سبيل العفَّة وابتعد عمَّا يُغضب الله -سبحانه وتعالى-، ونحن نرجو لك الخير بما يُقدِّره الله –تعالى- لك.
اعلم جيدًا أنه ليس بالضرورة أن ما تُحبُّه هو الخير، فإنك تجهل كثيرًا، والله -سبحانه وتعالى- أرحم بك من نفسك، فما يُقدِّره لك ويختاره هو الخير، وقد قال سبحانه: {وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خيرٌ لكم، وعسى أن تُحبوا شيئًا وهو شرٌ لكم، والله يعلم وأنتم لا تعلمون}.
أنا أزيدك هنا -أيها الحبيب- أمورًا على ما سبق ذكره:
إنك مُطالب لأن تنقل نفسك لحال أحسن، أن تأخذ بأسباب الشفاء من العشق، فإن العشق كغيره من الأحوال التي تعتري النفس والقلب، وينبغي للإنسان أن يداوي نفسه منه، ومن أعظم الأدوية ما وصفه ابن القيم -رحمه الله تعالى-، وهو مركب من أمور:
* أن تذكّر نفسك باليأس من هذه الفتاة، وأنه لا يمكن الاجتماع بها في الدنيا ما دامت قد خُطبت وهي في طريقها إلى الزواج، فإن النفس إذا يئستْ من الشيء نَسَتْه واستراحتْ منه ولم تلفت إليه.
* ثم ذكّر نفسك بعد ذلك بما يُقابل محاسن هذه المرأة من المساوئ والمفاسد التي فيها، فلا تسمح للشيطان أبدًا أن يُصورها لك بأنها كاملة المحاسن خالية من المساوئ، وهذا ما يدعو قلبك إلى التعلق بها، فإذا تذكرت ما فيها من المساوئ خفَّ ذلك التعلق، وربما كانت المساوئ أضعاف أضعاف ما تراه أنت وتعتقده من المحاسن.
* ثم الدواء الأكبر والأعظم، وهو اللجوء إلى الله -سبحانه وتعالى-، والاطراح بين يديه تذللاً ودُعاءً، بأن يصرف حب هذه الفتاة عن قلبك، وأن يرزقك حبه -سبحانه وتعالى- والتعلق به وبطاعته وبمرضاته، فهذا الدواء نافع لك -بإذن الله-.
أما ما سألت عنه من أمر الآخرة، فإن الجنة -أيها الحبيب- الأحوال فيها ليست هي أحوال الناس في الدنيا، فالصفات تتبدَّل، والرغبات تتغيَّر، فلا تشغل نفسك بهذا، لكن كن على ثقة من أنك إذا دخلت الجنة -بإذن الله- ستنال ما تهواه وتتمناه، بل يُعطيك الله -تبارك وتعالى- من الأماني ما لم تَتَمنَّاهُ، فيُذكّرك -سبحانه وتعالى- بأماني كنت قد نسيتها حتى تنقطع بك الأماني.
ولكن كن على ثقة أيضًا من أن هذه الفتاة إذا ماتت متزوجة، فإنك لن تتمناها في الآخرة، ولن تتعلق بها نفسك في الجنة؛ لأن الله –سبحانه- حكيم عليم، يضع الأمور في مواضعها، فلا تشغل نفسك في هذه المباحث، ووجِّه همّتك وكدَّك وسعيك نحو الأخذ بالأسباب لدخول الجنة، فذلك هو علامة التوفيق.
إضافة: واعلم أخي الكريم، أنه من المقرر أن المرأة إذا مات عن زوج وقدر الله دخولها الجنة هي وزوجها الذي ماتت عنه؛ فإنها تكون زوجته في الجنة كما كانت زوجته في الدنيا وماتت وهي زوجته، فعقد الزوجية لا ينقطع بالموت.
ونحن لا نوافقك -أيها الحبيب- في أنك لن تُحبَّ امرأة أخرى بعد هذه الفتاة، فهذا وهْمٌ، نحن ننصحك بأن تأخذ بالأسباب في التزوُّج بفتاة أخرى، ولتتخيَّر الفتاة الصالحة التي تُلائمك، والعشرة ستقوِّي بينكما المحبة، وكن على ثقة من أن البيوت لا تُبنى على الحبِّ وحده، فهناك عوامل كثيرة وأمور ومقاصد عديدة يتوخاها الإنسان في زواجه، فإذا وفقك الله –تعالى- لاختيار الفتاة الصالحة، فإنك ستعيش -بإذن الله تعالى- حياةً سعيدةً.
نسأل الله لك التوفيق والسداد.