تقارب العمر بيني وبين والدتي حرمني من حنان الأم، فكيف أتعامل معها؟
2015-06-11 12:46:12 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، كل الشكر والامتنان للقائمين على هذا الموقع، أسأل الله أن يجزيكم خير الجزاء.
مشكلتي لا أعلم كيف أبدأ بها، ابتدأت منذ صغري، وأنا الآن في بداية العشرينات، ولدي 3 أخوات وأخ واحد وأنا أكبرهم، ومشكلتي -للأسف- مع أمي، فهي قاسية معي جدا، تتصيد علي الأخطاء، تعاملني بجفاء، بعكس تعاملها مع أخوتي، فهي تحبهم وتعطف عليهم، وتتحاور معهم، ولا أعرف السبب، لربما تفعل ذلك لأنني السبب في حرمانها من حياة المراهقة والدراسة، حيث ولدتني وهي في 17 من العمر، وربما تكرهني لأن والدي لم يسمح لها بإكمال دراستها الجامعية، وأنا الآن أكمل دراستي الجامعية وعلى وشك التخرج.
أشعر أنها تغار مني، استخرجت بطاقة جامعية بسبب شروط الجامعة، فطلبت من والدي بأن يستخرجها لها، وأن يعطيها مصروفا للمنزل أيضًا، دخلت الجامعة، أصرت أن تكمل دراستها.
لا أنسى ما سببته لي من جروح وضغوط منذ صغري، عندما كنت طفلة إذا أخطأت خطئا تدعوا علي بالموت، كانت تؤنبني بقوة، وتضربني بكل ما آتاها الله من قوة، لا أنسى ذلك الموقف عندما ذهبنا إلى السوق، فقامت بشراء الآيسكريم لجميع أخوتي، ما عداي، أخي قال لها: إن أختي تريد أيضًا، فتعصبت علي، واشترت لي لكن بعد انكسار نفسي، وفي مرحلة المراهقة كنت أتمنى أن أبيت في المدرسة، أكره الرجوع إلى البيت، كانت دائمًا تبكيني فور دخولي المنزل، وقبل تبديل ملابسي المدرسية.
كانت توهمني بأن كل المشاكل بينها وبين أبي أنا سببها، وأن أبي سيتزوج أخرى عليها وأنا السبب، وأن أبي سيطلقها وأنا السبب، وأنا لم أكن أعمل شيئًا، كنت شخصية مكسورة، لا أحب الاحتكاك بأحد، منغلقة بسبب انكساري منها، حتى إن جاءنا ضيوف كانت تنهرني لأساعدها وبقوة، ولا تجعلني أستمتع مع الفتيات اللاتي في نفس عمري، بحجة أن أبي طلب ذلك.
في مرحلة الثانوية أردت أن أكسر حاجز انكساري، وأردت أن أقوي نفسي، و-الحمد لله- نجحت في دراستي بتفوق، ونسبة جدًا عالية، وقبلت في الجامعة، ولكن سرعان ما بدأت تحطمني، وكل ما تفعله دلالة على أنها تغير مني، ماذا أفعل؟
إلى هذا اليوم أسمع منها كلاما جارحا، تقول بأنني أتفلسف ومغرورة في البيت لأنني جامعية، هي تحب أخوتي جدًا، وأنا أتألم، أغار من أختي المراهقة لأنني أراها تعطيها كل شيء أفتقدته أنا، -وللأسف- أشعر بأنني أكره أختي وأغار جدًا منها بسبب حب أمي لها.
أهل أمي في بلد آخر، دائمًا أسمعها تقول عني أشياءً إفتراء وظلما -والله العظيم-، وهم بدورهم أشعر أنهم لا يطيقونني أبدًا.
لهذا اليوم لم يتقدم لي أي خاطب، لأنها تتكلم من ورائي، وفي يوم من الأيام واجهتها، وكان ردها بكل عصبية: لا نريد أن يخطبك أحد، خلاص، جرحتني وآلمتني، أنا لا أفكر في الزواج، لكن ربما هو باب الفرج لي، الكل -والله- يشهد لي بالأخلاق والثقافة وجمال الشكل والأناقة والروح المرحة -والحمد لله رب العالمين-.
لكن حياتي جحيم أفتقد الحنان، أشعر بأنني وحيدة وغريبة، أبدا لم تقل لي كلمة طيبة، لم تحتضني، أذكر مرة قبلت أختي، قلت لها مازحة: وأنا؟ قالت: أختك هي التي تبادر أما انتِ فلا، بادرت وقبلتها وأردتها أن تقبلني، لكنها لم أجد منها إلا الصد والنفور، جرحت فؤادي.
أكتب شكواي اليوم وأنا قد وصلتُ إلى النهاية، ولا أطيق الصبر أكثر ولا أحتمل،، أدعو الله بأن يأخذني إليه إذا كانت حياتي لديه أفضل.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سارة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك – يا بُنيتي - في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يُبارك فيك، وأن يُثبتك على الحق، وأن يُعوضك خيرًا، وأن يشملك بعنايته ورعايته، وأن يجعلك من المتميزات المتفوقات الصالحات القانتات، وأن يُصلح لك أُمِّك، وأن يُعطِّفَ قلبها عليك، وأن يُصلح ما بينكما، وأن يُعينك على بِرِّها وإكرامها والإحسان إليها.
وبخصوص ما ورد برسالتك -ابنتي الكريمة الفاضلة- فحقًّا لقد تأثرتُ برسالتك، وآلمتني جدًّا، لأن التصرفات التي تصدر عن والدتك ممَّا لا شك فيه مُزعجةٌ غاية الإزعاج، ومُؤلمة غاية الإيلام، وأنا حقيقة مثلك حائرٌ لماذا تفعل أُمِّك معك هذا.
إلا أني أقول – يا بُنيتي -: أنت تعلمين مقام الأمومة، وتعلمين أن الله -تبارك وتعالى- لم يُوص الأُمَّهات بالأبناء، وإنما أوصى الأبناء بالأمَّهات والآباء، ولذلك عليك أوَّلُ شيء أن تصبري الصبر الجميل، وأن تلتمسي العذر لأُمِّك، لاحتمال أن يكون لديها عُقدةٌ نفسيةٌ نحن لا نعلمها، لأنه ممَّا لا شك فيه أن كل تصرُّفٍ ورائه دافعٌ، ونحن لا نعرف الدوافع التي تؤدي بِأُمِّك أن تتصرَّف هذا التصرُّفِ غير الشرعي وغير الإنساني، ولكن نقول: لا بد أن يكون هناك شيءٌ في حياة أُمِّك أدَّى بها إلى أن تفعل ما تفعل معك أنت على وجه الخصوص، وقطعًا حسابها على الله عز وجل، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (اتقوا الله وأعدلوا بين أبنائكم) والعدل لا يكون في النفقة فقط، وإنما حتى في العواطف والمشاعر الظاهرة، كذلك حتى في القُبلات والأحضان، إلى غير ذلك.
ولكن أتوقع أن أُمَّك ضحية تربية خاطئة، أو توجيه سيء، أو أن الشيطان قد ضحك عليها فزيَّن لها أن تفعل معك أنت هذا الشيء، الذي لا أعتقد أنها تُقِرُّه، ولا أنها تفعله وهي تتألم أيضًا من داخلها كما تعاملك أنت معاملة خاصة دون بقية إخوانك وأخواتك.
أولا: أوصيك بالصبر الجميل، والصبر ليس سلبيًا، وإنما الصبر إيجابي جدًّا، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (واعلم أن النصر مع الصبر) فبالصبر سينصرك الله -تبارك وتعالى-.
ثانيًا: أوصيك بالاجتهاد في إكرامها والإحسان إليها قدر الاستطاعة، حتى تُخزي شيطانها، لأنها ستُقارنُ بينك وبين أخواتك لترى أنك الأفضل في كل شيءٍ، وحاولي أن تجتهدي قدر الاستطاعة، في الإسراع في تلبية رغباتها، حتى وإن كان على حساب نفسك.
فحاولي – بارك الله فيك – أن تجتهدي في إكرامها، من تقبيل رأسها وتقبيل يدها وتقبيل قدمها، لعلَّك بذلك تُغيرين هذه النظرة نحوك، فنحن نُعالجُ أُمًّا مريضة، والمريض عادةً يحتاج إلى طبيبٍ حنون، يحنو عليه لعلَّه أن يُنقذه ممَّا هو فيه.
كذلك أيضًا إذا طلبت أيُّ شيءٍ حتى ولو لم يكن منك، فكوني أنت المبادرة لإجابة طلبها، لا تطلبي منها حقًّا لك أصلاً، وإن وجدتيها تُقبل على أخواتك فلا تعبئي بهذا ولا تلتفي لها، وإن وجدتيها تعاملك بقسوة فقولي لها: (يا أُمَّاه أنت أمي مهما فعلتِ، فأنتِ روحي ونور عيني) هذا الكلام الطيب لعلَّه أن يُعطِّف قلبها عليك.
توجِّهي إلى الله عز وجل بالدعاء أن يُصلح الله ما بينك وبينها، وقولي: (اللهم عطِّف عليَّ قلب أُمِّي، اللهم عطِّف عليَّ قلب أُمِّي، واملأ قلبها بمحبتي كمحبتها لإخواني وأشد).
ثم عليك بأمرٍ آخر وهو الاجتهاد في المذاكرة والدراسة، وألا تُفوتي هذه الفرصة أبدًا، أتمناك أن تكوني أول طالبة على دفعتك، لأن ظروفك صعبة، وإذا لم تكوني قويَّة فليس مكانك إلا تحت النعال، فكوني قويَّة بالله تعالى بطاعتك لله أولاً والحفاظ على دينك، خاصة المحافظة على أذكار الصباح والمساء، والمحافظة على الصلوات في أوقاتها، حتى تكون علاقتك قويَّة مع الله، واجتهدي في المذاكرة، وفرِّغي كل وقتك بعد أداء حق الله تعالى عليك في المذاكرة، حتى تتخرَّجين بمجموعٍ متميِّزٍ، لعلَّ الله يجعلك أُستاذة في الجامعة، وعندها ستتغيَّر نظرةَ أُمّك لك.
أسأل الله تعالى أن يصلح ذات بينك، وأن يُعطِّف قلب والدتك عليك، وأن يعينك على برها وإكرامها والإحسان إليها.
هذا وبالله التوفيق.