الخوف من الأمراض يطاردني، رغم أن الفحوصات دائمًا سليمة! فهل له مضاعفات؟
2015-10-21 02:46:05 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم
تحية لكم، وشكرًا لجهودكم التي تقدمونها.
أنا شاب، عمري 25 عامًا، أعاني منذ أن كان عمري 12 عامًا قلقًا ووسواسًا من الأمراض، حيث كنت حينها أعاني خوفًا من مرض القلب والدماغ، وكانت تصيبني نوبات هلع، وتم إدخالي وقتها إلى المستشفى لإجراء فحوصات شاملة، لكن تبين لاحقًا أني سليم تمامًا.
استمرت هذه الحالة معي، وتخف حدتها أحيانًا لأشهر، وأحيانًا أكثر من سنة، ودائمًا أشك أن هناك مرضًا أصابني، وأعيش حالة من اليأس؛ ظنًا أني أحمل هذا المرض، فأنا طول هذه السنين شككت بعشرات الأمراض، وكانت تصيبني حالة من الاكتئاب والانعزال عن المجتمع.
لقد زادت هذه الحالة عندي في السنة الأخيرة, أنا سافرت منذ سنة لأدرس في الغربة، ولقد ذهبت في أقل من سنة أكثر من عشر مرات إلى الطوارئ؛ خائفًا من أن يكون أصابني شيء في القلب أو الدماغ! لكن دائمًا يجرون لي جميع الفحوصات، وكلها تكون سليمة.
لقد تراجعت حالتي النفسية كثيرًا في الفترة الأخيرة، وأصابني الاكتئاب، وتصيبني هذه الحالة عادة في المساء وقبل النوم، وفي الصباح أكون أفضل بكثير، وعندي أيضًا رهاب اجتماعي، ويصيبني توتر شديد إذا أردت أن أزور أحدًا أو أن ألقي محاضرة.
مع ملاحظة أن هناك بعض عماتي وأعمامي عندهم هذه الحالة، لكن بوتيرة أقل مني.
لقد تعرضت لصدمة نفسية كبيرة عندما كان عمري 6 سنوات، استمرت 3 سنوات، حيث انفصل أبي عن أمي، وكان يحرمنا أن نراها، لكنْ بعدها أعادها إلينا، ورجعت أمورنا العائلية ممتازة.
هل من الممكن أن يسبب هذا القلق والاكتئاب أمراضًا، كالضغط أو القلب؟ وهل العلاج بالأدوية خطير؟ فقد سمعت عن حالات كثيرة أثّرت الأدوية عليهم سلبيًا.
أنا دائمًا أقرأ الدعاء، وملتزم دينيًا، ووضعي -الحمد لله- ممتاز، فالله أعطاني ما كنت أحلم به, لكني لا أشعر بالفرح، هل ممكن أن يخفف الزواج من هذه الحالة؟
أفيدوني عن حالتي, وأرجو أن أكون قد عرضتها جيدًا، وعذرًا على الإطالة.
شكرًا مجددًا على كل ما تقدمونه للأمة الإسلامية من جهود جبارة، والسلام عليكم.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عمر حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نشكر لك تواصلك مع إسلام ويب.
رسالتك هذه لها علاقة برسائلك السابقة، وحالتك -أيها الفاضل الكريم– أن قلق المخاوف قد بدأ عندك في سِنٍّ مبكرة، وهذا نُشاهده في بعض الحالات، وقلق المخاوف يتولَّد عنه الوسواس، يتولد عنه الشكوك حول الإصابة بالأمراض، وهذا كثيرًا ما يؤدِّي إلى انشغالٍ شديدٍ لبال الإنسان؛ ممَّا يجعله يحسُّ بالاكتئاب وكذلك الانعزال –كما ذكرتَ وتفضلت–.
ليس من الضروري أن تكون لذلك أسباب، لكن بعض الأشخاص لديهم أصلاً استعداد للقلق وللتوتر وللمخاوف، كما أن الضغوط الحياتية والضغوط النفسية والخبرات المكتسبة والتأثير البيئي؛ هذه قد تلعب دورًا في هذه الحالات.
أيها الفاضل الكريم، المهم في علاج الخوف المرضي على وجه الخصوص، هو أن يكون الإنسان أكثر قناعة أنه لن يُصيبه إلَّا ما كتب الله له، وأن يأخذ الإنسان بالأسباب والسببية، ويسعى لأن يعيش حياةً صحيَّة، والحياة الصحية تقوم على مبدأ: أن يكون الإنسان فعّالاً، أن يكون الإنسان منتجًا، مثابرًا، له برامج وآمال وطموحات في الحياة يسعى لتحقيقها، أن ينام الإنسان في الوقت الصحيح، والنوم الليلي ليس له مثيل، أن يمارس الرياضة، أن تكون هنالك نوع من الموازنة الغذائية، أن يحرص الإنسان على أمور دينه، التواصل الاجتماعي، بر الوالدين،... هذه كلها تصُبُّ في مصلحة الإنسان، وتصرف انتباهه كثيرًا عن الخوف من الأمراض.
ومن الضروري جدًّا أن يُحتّم الإنسان على نفسه ألا يتردَّد كثيرًا على الأطباء، يكفي فقط أن يلتزم الإنسان بمراجعة طبيب يثق فيه، يراجعه مرة واحدة كل ثلاثة إلى أربعة أشهر مثلاً؛ من أجل إجراء الفحص والكشوفات الروتينية المعروفة.
أيها الفاضل الكريم، أما أسئلتك، فإجاباتها كالتالي:
هل من الممكن أن يُسبب هذا القلق والاكتئاب أمراضًا، كالضغط والقلب؟
هناك حديث كثير أن الضغط النفسي والقلق قد يؤدِّي إلى الإصابة بأمراض القلب، لكن هذا الكلام اتضح أنه ليس صحيحًا، وضغط الدم كان الناس تتحدث عمَّا يُعرف بارتفاع ضغط الدم العصبي، لكن اتضح الآن أن كل من يرتفع ضغطه عند الانفعالات، هذا يعني أنه أصلاً لديه القابلية للإصابة بمرض ارتفاع الضغط، ولا بد أن يكون حذرًا.
إذًا لا أرى أن هنالك تأثيرًا حقيقيًا للقلق وللاكتئاب على أمراض القلب أو ارتفاع الضغط، وإن كان هنالك أي أثر، فهو أثر بسيط جدًّا.
هل العلاج بالأدوية خطير؟
لا، العلاج بالأدوية المضادة للقلق والمخاوف والاكتئاب والوسواس، هو أمر مرغوب فيه، والآن توجد أدوية سليمة، أدوية فاعلة، فالإنسان يتناول دواء واحدًا فقط بجرعة صحيحة ولمدة صحيحة، وعندها يتخلص من معظم الأعراض التي يُعاني منها.
التزامك الديني -أيها الفاضل الكريم– هو أمر عظيم، والمرض ليس أمرًا متناقضًا مع الالتزام الديني، يعني لا نقول: إن الملتزم بدينه لا تأتيه أمراض، لا، الأمراض هي جزء من حياة الناس، الناس تتساوى في الإنسانية وفي الطبائع البشرية وفي المكونات البيولوجية، والمرض هو من أقدار الله، وهو يُصيب البر والفاجر، لكن المؤمن يتميز بالصبر على الابتلاء، المرض يُمثِّل دافعًا إيمانيًا قويًّا، والمرض أيضًا يفتح للمؤمن باب الدعاء والرجاء والابتهال والاضطرار إلى الله وطلب الشفاء من الله {أمَّن يُجب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء}.
أرجو -أيها الفاضل الكريم- أن تُكثر من الدعاء، وأن تسأل الله –تعالى- أن يعافيك، ونسأله تعالى أن يعافينا جميعًا، وصدرك -إن شاء الله- سوف ينشرح، {رب اشرح لي صدري * ويسِّر لي أمري * واحلل عقدةً من لساني يفقهوا قولي}.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.