نظرة تشاؤمية للحياة واستغراق في الهم والحزن!

2015-11-19 00:56:53 | إسلام ويب

السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تحياتي للجميع، وبعد؛ عمري 30 عاما، تعبت من نفسي كثيرا، أحيانا أرى نفسي طبيعيا، وأحيانا أدرك أن ما أعانيه ورطة وخللا نفسيا يحتاج لعلاج، وأتمنى منكم مساعدتي في تشخيص ما أعانيه، فقد نشأت بين مشاكل عائلية، وعشت بعيداً عن والدتي.

كانت لدي مشكلة صحية دامت أكثر من 20 سنة، ثم اضطررت لجراحة، وتحسنت -ولله الحمد-، من قبل سنتين كنت شخصا شبه طبيعي، محافظاً على صلاتي، وإيجابيا وهادئ الطبع، وراضيا بالحياة مهما كانت سيئة، ومتفائلا.

بدأت أعاني من أعراض بدأت بعدما حان اتخاذ قرار هل أكمل الجامعة أم أبحث عن عمل؟ واخترت الجامعة بحماس، وانطلقت أول سنة رغم صعوبة الحال، وحين موعد الاختبارات بدأت الهمة تنحدر حتى أقنعت نفسي بأنه لا جدوى من الدراسة، ولن أحصل على شيء بعدما أتخرج، مجرد عمر يمضي، وتعب، وخسائر، وانسحبت وجلست بالبيت، وأصبحت شخصا يائسا، وبدأت معي هذه الأعراض.

لا أستطيع إكمال الدراسة رغم حبي للتعليم، صار منهجي الهروب من كل المناسبات والمجتمعات؛ خوفا من سؤال الناس لماذا أنت بهذا العمر ولا زلت عاطلا، صرت أقضي وقتي على أشياء فاضية، مثل النت، والخروج مع بعض الأصدقاء المشابهين لوضعي، كل مدة يكون اهتمامي بشيء معين، أو هواية معينة، لكن سرعان ما أجدني قد استبدلتها، وأحدث نفسي بين الحين والآخر: لماذا لا أكون كالآخرين يسعون لأنفسهم ويحققون أحلامهم؟!

أُسكت هذه الأفكار بأن الرزق مقسوم، ومقدر علي أن أكون كذلك، أقوم بفعل الأشياء اليدوية ولا أكملها، في كل شيء أتحمس له لا بد وأن أعزف عنه بنصف الطريق، وأدعه في مهب الريح، أسخر من كل شيء، انعدمت قيمة الحياة.

كلما أفكر في صعوبة الحياة وضعف حالتي المادية أنا وعائلتي؛ تأتيني مشاعر حزن وشفقة فضيعة فوق العقول، أود أن أنهي حياتي ولم أمتلك الجرأة؛ بسبب إيماني أن هذا ليس الحل، ولكن كلما يحصل لي موقف يشعرني بأن ليس في يدي أدنى قدرة، فأعاود التفكير بالانتحار.

انعزلت عن العالم، وصرت وحيداً، في الغالب أحاول أن أمرر الوقت بأي طريقة دون أن أختلط بالبشر، وأشعر كأني مشوش الفكر، ولا أعلم ما الذي يجب علي فعله، أو ما الشيء المناسب لي!

صعوبة القيام بالمهام اليومية: كسل وخمول، ومعنوية هابطة، وتأجيل لكل شيء، والندم على ذلك بوقت قريب، ما عندي أي رغبة في حضور أي مناسبة، لحظات يأتيني الحماس لنفسي ومستقبلي، ولحظات العكس. عند النوم لا أحب أن أستيقظ، وبعد الاستيقاظ أشعر وكأن هذه الدنيا جمعت على صدري ضيقا واكتئابا فضيعا، لا أستطيع محادثة أحد، وتبقى لنصف ساعه ثم تبدأ تخف بالتدريج.

انتشر مع بعض الأصدقاء علاج للصرع، له مفعول مريح ومهدئ، اسمه (ليريكا) جربته وشعرت بأن الحياة يمكن الاستمتاع بها، ولكن بعد انتهاء مفعوله أعود كما كنت، وقررت الاستمرار عليه تقريبا ستة أشهر فعاد الحماس للدراسة، أحببت الحياة، وصرت شخصا شبه طبيعي بتصرفاتي وتعاملي مع الحياة، ولكن لدي علم بأنه ليس الدواء المناسب، فقررت تركه.

فجأة أول يومين مررت بمشاعر تميل للحزن والسوداوية، وعدت كما كنت بلا همة، ولا أدنى حماس، وانعدام الأمل والصبر، وجربت البروزاك، وفي أول يوم شعرت بشعور غريب جداً، رأيت الأمور بطريقة افتقدتها أيام ما قبل العاشرة من عمري، وثاني يوم كذلك جمعت بين البروزاك واليريكا؛ بسبب افتقادي لما تخلفه من إحساس جيد، ثم تخليت عن البروزاك شهرا، ورجعت أستعمله، لكن لم تأت تلك اللذة الطفولية إن صح التعبير، تركته واستمررت على الليريكا.

اعذروني للإطالة، فهذا ما أمتلكه من تعبير.
شكرا إن كان هناك من مر من هنا، والله لطيف بالعباد.

الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ قندس حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أيها الفاضل الكريم: اطلعتُ على رسالتك، وكل ما ذكرته نُقدِّره جدًّا، ونسأل الله لك العافية.

من الواضح أن المزاج الاكتئابي مُسيطر عليك، وأكثر من ذلك هو الفكر السلبي التشاؤمي الذي استحوذ كثيرًا على أفكارك.

أخِي الكريم: أنا أرى أن تذهب وتواصل مع طبيب نفسي، هذه نصيحتي الأساسية لك، وبعد ذلك أقول لك أخِي الكريم: العلاج له أربع مكونات:

أولاً: يجب أن تقتنع أن الاكتئاب يمكن أن يُعالج.

ثانيًا: أن الإنسان يمكن أن يتغير.

ثالثًا: التغيير يأتي من الإنسان وليس من خلال أي شخصٍ آخر.

رابعًا: الإنسان هو مشاعر وأفكار وأفعال، حين تكون الأفكار سيئة والمشاعر سلبية يجب أن نُفعِّل الأفعال، بأن نكون نافعين لأنفسنا ولغيرنا، وأن نُحسن إدارة وقتنا، وأن نُحدد أهدافًا في هذه الحياة، هذا -يا أخِي- يُمثِّل دفعًا نفسيًا إيجابيًا ومهمًّا جدًّا.

إذًا: أنت محتاج لتغيير طريقة التفكير، وهذا الأمر ليس بالصعب أبدًا، الانتحار قطعًا لا يحل مشكلة، هو مآل قبيح ومآل سيئ جدًّا، والإنسان لا يُحاصر نفسه بالفكر السلبي، ينطلق مثلما ينطلق بقية الناس، والحياة التي لا مُجاهداتٍ فيها ليس فيها فائدة أبدًا، ومَن لا يُجرِّب الألم والشدة لا يحسّ بالطعم الجميل واللذيذ.

إذًا: التغيير الفكري وتغيير نمط الحياة علاجٌ أساسي، وهذا هو العلاج السلوكي.

العلاج الثاني هو العلاج الاجتماعي: أن تُكثر من التواصل الاجتماعي، أن تكون عضوًا فاعلاً في أسرتك، أن تسعى دائمًا للخير لنفسك ولغيرك، أن تُشارك الناس في أفراحهم وأتراحهم، أن تُرفِّه عن نفسك بما هو جميل وطيب، والذهاب إلى المتنزِّهات، والجلوس مع الأصدقاء، هذا كله مطلوب ومطلوب جدًّا.

العلاج الثالث وهو العلاج الديني: هذا النوع من العلاج أصبح الآن ضرورة، حتى في الغرب أصبحوا يتكلمون عمَّا يُسمَّى بالعلاج الروحي، فأنا أدعوك وأذكرك وأذكّر نفسي بالحرص التام والالتزام التام بأمور الدين، خاصة الصلاة يجب أن تكون في وقتها ومع الجماعة.

العلاج الرابع هو العلاج الدوائي، وهذا قطعًا يُقرره الطبيب النفسي، هنالك دواء يعرف تجاريًا باسم (فالدوكسان valdoxan)، والذي يسمى علميًا (اجوميلاتين agomelatine) من الأدوية الجديدة التي تُحسِّنُ المزاج بصورة واضحة جدًّا، ربما يكون هو الأنسب في حالتك، لكن هذا الدواء يجب أن يتم تناوله تحت إشراف الطبيب، لأنه في عددٍ قليلٍ جدًّا من الناس ربما يرفع من أنزيمات الكبد.

أخِي الكريم: بالنسبة لعقار (لاريكا Lyrica) والذي يعرف علميًا باسم (بريجابانيل pregabalin): أصبح الآن يُشكل مشكلة كبيرة جدًّا وسط الشباب، أصلاً أتتْ به شركة (فايزر Pfizer) ليساعد الأشخاص الذين يعانون من آلام طرفية عصبية ناتجة من مرض السكر مثلاً، لكن اتضح أن هذا الدواء يعطي شعورًا باليقظة النفسية، يعطي شعورًا بالارتياح النفسي، يزيل القلق والتوتر، لذا أصبح الكثير من الناس يتناولونه، لكن بكل أسف اتضح بعد ذلك أنه عقار إدماني، يعني أن الإنسان لا يستفيد من فعاليته إلَّا إذا رفع جرعته، وأنا أقول لك -وبدون أي مبالغة- أعرف أن هناك وفيات قد حدثتْ من الاستعمال المتصاعد لجرعات اللاريكا، فيا أخِي الكريم: لا أراه علاجًا مناسبًا على المدى البعيد.

باركَ الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

www.islamweb.net