نظرة المسلم إلى الابتلاء... نعمة ورفع في الدرجات
2015-12-05 23:18:17 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
أشكركم على هذا الموقع الأكثر من رائع.
سيدي: أرجو أن تسمح لي بشرح موقفي، وإعطائي الحل الأمثل؛ لأني والله سأختنق من حياتي.
أنا أبلغ من العمر 22 سنة، أدرس الطب في إحدى الدول العربية، بعيدا عن أهلي، مشكلتي في الحياة أن كل الأبواب مغلقة في وجهي، دراستي لست موفقا بها، ولا أستطيع التراجع الآن وتغيير التخصص، يشهد الله أني أدرس مثلي ومثل باقي الزملاء، ولا تأتي دراستي بنتيجة.
علما بأن الذي يدرس أقل مني، ولا ينهي المادة كاملة ويأتي بنتيجة أفضل مني، لقد بليت منذ الصغر بحرق صغير في الوجه، ولم أستطع علاجه بشتى الوسائل الممكنة، وعند أكثر من طبيب، أشعر بأن الناس تنظر إلي نظرة الوحش، أشعر بأني مكروه بسبب هذا الحرق.
أبذل الجهد الكافي في أمور الدنيا ولكن الله لا يوفقني، أنا أعترف بأني مقصر في صلاتي، ولكن يشهد الله بأني إنسان طيب القلب، ولا أتمنى للبشر إلا كل خير، يشهد الله يا سيدي بأن طموحي أن أساعد البشر من الفقراء، ولكن أرى بالوجه الآخر يا سيدي بأن زملائي أو أغلب المقربين في مجال دراستي يمارسون الفواحش، ويحتسون الخمر، وحياتهم ممتازة، ومن أحسن إلى أحسن.
سامحني على هذه الجملة، ولكن أين عدل الله؟ الله يعلم بكل نوايا الإنسان، ويعلم الخير الذي بقلبي، فلماذا يغلق جميع الأبواب في وجهي؟!
أحلم يا شيخي بأن يرزقني الله بفتاة بالحلال تقبل بي بغض النظر عن الحرق الذي بوجهي، أريد أن أشعر بأني إنسان، لا أريد أن أكون محتقرا بسبب لا ذنب لي به، أريد أن يوفقني الله بدراستي، وهو يعلم بجهدي الذي أبذله، أريد السعادة.
في النهاية: شكرا لكم.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ ahmed حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فنسأل الله أن يفرج الكرب، وأن ينفس ما تعسر على البشر تنفيسه، وأن ييسر بقدرته ما كان عسيرا على خلقه، وأن يلهمك طريق الصواب، وأن يرشدك إلى الحق، وأن يأخذ بناصيتك إليه، وأما بخصوص ما تفضلت به فإنا نحب أن نقسم سؤالك إلى ثلاثة أمور:
أولا: الاجتهاد بلا جدوى.
ثانيا: نظرة الناس إليك.
ثالثا: طيب حياة أهل المعاصي.
أما أولا -أخي الحبيب- فاعلم -بارك الله فيك- أن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا، فالله حكم عدل يعطي المجتهد ولو كان ملحدا، ما دام قد اجتهد وبذل غاية وسعه؛ فإن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا، وعليه فإننا نرجو أن تعرض طريقة مذاكرتك على بعض أهل التخصص؛ لأن من الطلبة من يستخدم طرقا مجهدة مع أنها ليست مثمرة.
كما أني أتمنى عليك أن تتبع ما يلي:
1- حاول أن تجتمع من بعض أقرانك، وأن تذاكر معهم مذاكرة جماعية.
2- اجتهد أن تضع على كل فقرة فهمتها بعض الأسئلة، ولا تتجاوز فقرة إلا بعد إتمام فهمها جيدا.
3- تدرب على تمارين الاسترخاء، واحرص على اقتناص أوقات تخلو فيها بنفسك من غير ضغوط عليك، فأنت تعلم أن الأمور بيد الله عز وجل، وأن الله يختار الخير للعبد، وإن كان لا يدري أن فيه الخير.
4- اهتم بالجوانب الغذائية بشكل متوازنٍ، ومارس نوعا من أنواع الرياضة.
ثانيا: قد ذكرت أخي مسألة الحرق الذي أصابك صغيرا، وذكرت أن الناس ينظرون إليك من خلاله، وهذا وهم أخي الحبيب، بل نكاد نجزم أن كثيرا ممن تقابلهم لا يلتفتون إلى هذا الأمر مطلقا، إنما لعظمه في نفسك ومتابعتك له؛ ظننت أن جميع الناس يهتم به، اترك هذا الأمر وانسه، وعلى قدر إهمالك له تكون الراحة.
ثالثا: مسألة بعض أصحابك الذين يفعلون المعاصي، وهم في نعيم كما تقول، نود أن نبين عدة أمور:
1- النعيم الحقيقي ليس نعيم المعصية، بل نعيم الطاعة، وما تراه من بعض أصحابك إنما هو نعيم مزيف، وعواقبه وخيمة، نسأل الله لهم الهدية، هب أن أحدهم توفاه الله وهو على المعصية، هل تدري كيف يكون حاله؟ هل تدري أن المرء يبعث على ما مات عليه؟ إنه أمر جد خطير فاحمد الله على العافية.
2- الله يمهل أخي الحبيب ولا يهمل، ولعلك تلاحظ أن بعض غير المسلمين يعيشون في نعيم أكثر من بعض الموحدين، وترى أن بعض من يتطاولون على دين الله، وينكرون وجوده جل وعز ربي سبحانه ومع ذلك تجدهم في نعيم، والله قد وسع عليهم، هذا أخي لحكمة، وفي قول الله عن هؤلاء المكذبين الغنية والشفاء، قال تعالى: {فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا} يقول ابن كثير رحمه الله: "يَقُول الله لِنَبِيِّهِ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَذَرْ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الْمُهْطِعِينَ عَنِ الْيَمِين وَعَنِ الشِّمَال عِزِين, يَخُوضُوا فِي بَاطِلهمْ, وَيَلْعَبُون فِي هَذِهِ الدُّنْيَا؛ حَتَّى يُلَاقُوا عَذَاب يَوْم الْقِيَامَة الَّذِي يُوعَدُونَهُ، وتلك هي علة من العلل أخي الفاضل، بل قال الله عنهم في كتابه (والذين كذبوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون وأملي لهم إن كيدي متين).
يقول الفخر الرازي رحمه الله: اعلم أنه تعالى لما ذكر حال الأمة الهادية العادلة، أعاد ذكر المكذبين بآيات الله تعالى، وما عليهم من الوعيد، فقال:(والذين كذبوا بآياتنا) وهذا يتناول جميع المكذبين: (سنستدرجهم) أي سنقربهم إلى ما يهلكهم، ونضاعف عقابهم من حيث لا يعلمون ما يراد بهم، وذلك لأنهم كلما أتوا بجرم أو أقدموا على ذنب فتح الله عليهم بابا من أبواب النعمة والخير في الدنيا، فيزدادوا بطرا وانهماكا في الفساد وتماديا في الغي، ويتدرجوا في المعاصي بسبب ترادف تلك النعم، ثم يأخذهم الله دفعة واحدة على غرتهم أغفل ما يكون.
ولهذا قال عمر -رضي الله عنه- لما حمل إليه كنوز كسرى: اللهم إني أعوذ بك أن أكون مستدرجا فإني سمعتك تقول: (سنستدرجهم من حيث لا يعلمون)، وقد قال أهل العلم: إذا وجدت النعم عليك تترى مع تقصيرك في حق الله؛ فاحذر واعلم أنك مستدرج، نسأل الله السلامة والعافية.
3- البلاء وإن كان ظاهره النقمة إلا أن حقيقته نعمة، فالله يبتلي أهل الطاعة إما لمغفرة ذنوبهم أو رفعا لدرجاتهم، وفي كلا الأمرين خير للإنسان لو عقل.
رابعا: قد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه" وقد ذكرت أخي أنك مقصر في الصلاة، ولعل هذه رسالة من الله أن تعود إليه، واعلم أخي أن العبد الصالح إذا وقع في المعصية ابتلاه الله ليكفر عنه ما ألم به، واستمع إلى هذا القول من الحسن البصري رحمه الله يتحدث عن أحوال أهل المعاصي، وكيف أن الله يمهلهم، قال رحمه الله مبينا إحدى العلل: هانوا على الله فعصوه، ولو عزوا عليه لعصمهم.
وعليه فاحمد الله أن الله يخلصك ويطهرك، فبلاء الدنيا مهما عظم لا يساوي شيئا من بلاء يوم القيامة.
خامسا: قولك أخي كل الأبواب مغلقة قد يكون فيه مدخل للشيطان؛ فاحذر منه، فإن الشيطان يجتهد في أن يصرف العبد عن الخير، وعن ربه، فيقبح له كل شيء حتى لا يتذكر نعم الله عليه، أنت أخي مبتلى بكسر أوشك على التضميد والحمد لله، غيرك ولد مشلولا، أصبت بحرق صغير وغيرك مبتلى في جسده كله، مبتلى بنقص الدرجة، وغيرك محروم من نعمة التعلم والتعليم، لو لم تكن عندك نعمة إلا الإسلام لكفاها نعمة تستحق الشكر، قلب ناظريك أخي ستجد أن الله أنعم عليك نعما كثيرة، لكن غيبها الشيطان عنك.
نسأل الله أن يحفظك، وأن يسترك، وأن يقدر لك الخير، وأن يرضيك به.