بسبب ضيق في التنفس بعد التدخين.. أصبت بالخوف من الموت، فما الذي حدث؟

2016-11-01 06:03:48 | إسلام ويب

السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا شاب جامعي في العشرين من العمر، قبل سبعة أشهر أصبت بضربات قلب سريعة وصعوبة في التنفس، بعد تدخين المدواخ بعد سحور رمضان، مما سبب لي خوفا شديدا، وازدادت معي هذه الحالة فذهبت إلى الطوارئ، واستمرت معي هذه الحالة لمدة ساعتين، فاضطروا إلى تحويلي لطبيب القلب، ولكني لم أذهب، وفضلت الذهاب للسكن الجامعي للنوم.

في اليوم التالي بعد الظهر رجعت الحالة مرة أخرى، وكانت مفاجئة بدون أن أدخن المدواخ، فذهبت للسرير لأرتاح، فارتحت ونمت، فقمت فجأة من النوم على نفس الحالة، ولكني قاومت ونمت مرة أخرى، وبعدها ذهبت لبيت أهلي الذي هو في إمارة أخرى؛ لأقضي إجازة الصيف بعد انتهاء الجامعة، وقررت أن أتوقف عن فعل أي شيء يغضب ربي، ولأني أخاف أن أموت على معصية، لأني كنت أفعل المحرمات، ولم أكن أصل، وكنت كثير المشاكل مع والدي، وأضعت سنة ونصف من حياتي الجامعية، ولكني -الحمد الله- الآن أصلي كل الصلوات، وتوقفت عن المعاصي، وأخاف ربي، وأبر والدي.

ولكن الحالة مستمرة معي إلى الآن، وفي تزايد، فأنا طوال فترة الإجازة لم أكن أخرج من غرفتي، ولا أكلم أحدا إلا قليلا، وكنت دائم الهرب من الحالة بالنوم ؛خوفا من تجربتها مرة أخرى، وأصبحت أخاف من الموت، وبدأت الأعراض في تزايد، والشك أيضا في تزايد، فتارة أقول لنفسي أني مصاب بالسرطان، وتارة أخرى أني مصاب بأمراض القلب، وأصبح قلبي ضعيفا جدا، وأخاف على نفسي من أي شيء، وأخاف من الميتة الفجأة، وبسبب هذه الحالة لا أستطيع العيش حياة طبيعة، بل دائم الخوف والقلق، لا أحس بالأمان إلا مع أمي وأبي، فلا أخاف عندما تأتيني الحالة وأنا معهما.

أنا لا أحس أبدا بالراحة، وأريد الاستمتاع بحياتي، وممارستها بشكل طبيعي، ولكن لا أعرف ماذا أفعل غير حمد الله ورجاء رحمته وغفرانه.

علما أني ذهبت للطبيبة، وأجريت تحليلا للدم، وتحليلا للغدة الدرقية، ورسما للقلب، وقياسا للضغط، وكانت النتائج سليمة جدا، وكانت نسبة الهيموجلوبين 12 ونصف، أو 14 ونصف -لا أذكر تماما-، وهذا الكلام أشعرني بالراحة، ولكن لفترة قصيرة، وسرعان ما عادت الحالة.

الأعراض التي أشعر بها: ضيق في التنفس، ضربات قلب سريعة، عدم اتزان، نغز ووخز شديد في وسط ويمين ويسار الصدر، وخز ونغز في القلب، وخز ونغز في الظهر، إحساس كسكين في الظهر جهة القلب، التعرق، الإحساس بالبرودة أو السخونة، فقدان الإحساس بالجسم لوهلة، آلام في الكتف واليدين خصوصا الجهة اليسرى، كحة عند التنفس، إحساس بسقوط أو هبوط القلب لوهلة، سخونة القلب، قوة ضربات القلب لدرجة أني أحس بها، جسمي يهتز مع ضربات القلب، ألم في عظم القفص الصدري، الإحساس بشوك في البطن عند التنفس.

هذه الأعراض أعاني منها يوميا، وجعلتني أقرأ عن كل الأمراض، وأوهم نفسي بها، وأنا لا أعلم إن كانت نفسية أو عضوية، ولكن كل ما أعلمه هو أنني أريد أن أرتاح؛ لأنها أعراض جدا مؤلمة، لدرجة تمني الموت للراحة.


الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ karim حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أرحب بك في الشبكة الإسلامية.
أعراضك بالفعل مؤلمة ومزعجة، لكن ليس هنالك ما يدعوك لتمنّي الموت، والمسلم لا يتمنى الموت، لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَا يَتَمنَّيَنَّ أَحَدُكُمْ الموتَ لضُرٍّ نَزَلَ بِهِ، فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ مُتَمنِّياً لِلْمَوْتِ فَلْيَقُلْ: اللهُمَّ أَحْيني مَا كَانَتْ الحيَاةُ خَيْراً لِي، وَتَوفَّنِي إِذَا كَانَتْ الوَفَاةُ خَيراً لِي) والآجال بيد الله تعالى أيها الفاضل الكريم.

النوبة التي بدأت عندك نسميها نوبة الفزع أو الهرع أو الهلع، وهو نوع من القلق النفسي الحاد، وغير المبرر، والذي قد يأتي دون أي مقدمات أو أسباب، وهذه النوبات مخيفة جدًّا لصاحبها؛ لأنها تعطي شعورًا بالكارثية، أو كأنك سوف تقع، أو الشعور بدنو المنية، والخوف الشديد، والشعور بأنك سوف تفقد السيطرة على الموقف، نعم هي تجربة ليست بالسهلة، لكن أؤكد لك أنها ليست بالخطيرة، ولا علاقة لها بأمراض القلب، ولا علاقة لها بأمر الموت، لا من قريب ولا من بعيد، فأمر الموت أمرٌ محسوم، وهو أن الخوف من الموت لا ينقص في عمر الإنسان ولا يزيد فيه لحظة، والإنسان يجب ألا يخاف من الموت خوفًا مرضيًا، إنما يخاف الموت خوفًا شرعيًا، وأنت -جزاك الله خيرًا- أقدمتَ على صلاتك وتصحيح مسارك بعد هذه التجربة، وهذا أمرٌ جميل، فالطاعات هي سبيل الرشاد وسبيل الفلاح في الدنيا والآخرة، وهي المخرج من كل خوف.

والذي حدث لك هو نوع من التنبيه العظيم والإيجابي؛ لأن تضع نفسك في مسارك وطريقك الشرعي الصحيح، فاسأل الله تعالى أن يثبتك على المحجة البيضاء.

أيها الفاضل الكريم: كل أعراضك التي ذكرتها وذكرتها بدقة ممتازة – وهذا أعجبني كثيرًا – وكل ما مررت به من تجربة هو ناتج ممَّا نسميه بنوبات الفزع، والتي أدَّتْ إلى ما يُعرف بقلق المخاوف الوسواسي؛ فهنالك قلق، وهنالك مخاوف، وهنالك وساوس.

إذًا الحالة هي حالة نفسية صرفة، لكن مصحوبة بأعراض عضوية جسدية، وهذه الأعراض لا تعني أي خلل في جسدك أبدًا.

سيكون من المستحسن أن تذهب إلى طبيب نفسي، هذا لا يعني أن الحالة معقدة، لكن قطعًا سوف تُقدّم لك خدمة طبية نفسية ممتازة، وأحذِّرك من التجوّل والتنقل بين الأطباء، قد تسمع هنالك طبيب للقلب أو طبيبب للسرطان – أو خلافه – وتعتقد أنه سوف يكون هو الأفضل لك، لا، الأفضل لك هو الطبيب النفسي.

وإن لم تستطع أن تذهب إلى الطبيب النفسي، إذا كان عمرك أكثر من عشرين عامًا، فهنالك أدوية فاعلة جدًّا، مضادة لقلق المخاوف الوسواسي، هنالك دواءين: الدواء الأساسي يُعرف تجاريًا باسم (زولفت) ويعرف علميًا باسم (سيرترالين) تبدأ في تناوله بجرعة نصف حبة – أي خمسة وعشرين مليجرامًا – ليلاً، تتناولها لمدة عشرة أيام، بعد ذلك تجعلها حبة واحدة ليلاً – أي خمسين مليجرامًا – تستمر عليها لمدة شهرٍ، هذه هي الجرعة التمهيدية – أي جرعة البداية – بعدها تنتقل لجرعة العلاجية، وهي حبتان ليلاً – أي مائة مليجرام – تستمر عليها لمدة أربعة أشهر، ثم تنتقل إلى الجرعة الوقائية، وهي أن تجعل الدواء حبة واحدة ليلاً لمدة ستة أشهر، ثم تجعله نصف حبة ليلاً لمدة شهرٍ، ثم نصف حبة يومًا بعد يومٍ لمدة شهرٍ آخر، ثم تتوقف عن تناوله، وهذه هي جرعة التوقف التدريجي. الدواء سليم، فاعل، ممتاز.

ويُدعم هذا الدواء (سيرترالين) بدواء آخر يُعرف تجاريًا باسم (دوجماتيل) ويعرف علميًا باسم (سلبرايد)، وهناك منتج تجاري سعودي ممتاز يُعرف باسم (جنبريد) الجرعة هي أن تبدأ بكبسولة واحدة في الصباح – أي خمسين مليجرامًا – تتناولها يوميًا لمدة شهرٍ، ثم تجعلها كبسولة صباحًا ومساءً لمدة شهرين، ثم كبسولة صباحًا لمدة شهرٍ واحد، ثم تتوقف عن تناول الدواء، هذه الأدوية أدوية طيبة وجيدة، وأسأل الله أن ينفعك بها.

الجوانب الأخرى في العلاج، وربما تكون أهمّ جدًّا من الدواء، وأفضل مثال للنموذج العلاجي الناجح هو أن يُطبق الإنسان الإرشادات السلوكية والنفسية والاجتماعية، ويتناول الدواء في نفس الوقت، كلها تُكمِّل بعضها البعض، هذه الجوانب الأخرى في العلاج هي:
- أن تمارس الرياضة والتمارين الاسترخائية، ولا بد أن تكون ممارسة الرياضة بفعالية، هذا مهم جدًّا.
- ومن المهم أن تُحقّر الأعراض التي تعاني منها، وتحقير الأعراض يتم من خلال عدم الخوض في تفاصيلها أو نقاشها أو تحليلها، إنما الإغلاق عليها.
- وأن تعيش حياة إيجابية، والحياة الإيجابية حياة واضحة جدًّا، متطلباتها يأتي على رأسها الالتزام الديني. الإنسان بدون عقيدة صحيحة تُزوده بالطاقات النفسية الإيجابية، لا أعتقد أنه يمكن أن يعيش حياة سعيدة أو إيجابية.
- ممارسة الرياضة ذكرناها كنوع من المتطلبات الحياة الإيجابية.
- تنظيم الوقت، لا بد أن تُدير وقتك إدارة ممتازة وتستفيد منه حسب الفعاليات الحياتية اليومية.
- أن تكون لك خُططًا لإدارة المستقبل: ما هي أهدافك على المدى القريب؟ وما هي أهدافك على المدى البعيد؟ وما هي أهدافك على المدى المتوسط؟ وما هي الآليات والطرق والسبل التي تُوصلك لهذه الأهداف والإيجابيات؟
- من المتطلبات الضرورية أيضًا: الفاعلية الاجتماعية؛ التواصل الإيجابي على مستوى الأسرة، وعلى مستوى الأصدقاء، وعلى مستوى الأرحام، وعلى مستوى الجيران، أصدقاء آخرين في مكان العمل أو في مكان الدراسة، فإذًا النسيج الاجتماعي الصالح دائمًا يُحفِّز الإنسان ويجد من خلاله النماذج والقدوات والأسوة الحسنة، التي من خلالها يستنير بها ويسير على طريقها.
- التنظيم الغذائي أيضًا يُعتبر أمرًا مهمًّا جدًّا فيما يتعلق بالصحة النفسية الإيجابية.
- الانخراط في أي عمل ثقافي أو تطوعي أو اجتماعي أو دعوي، هذا أيضًا يزود الإنسان بطاقات إيجابية جدًّا، وهكذا.

فهذه الخطوات خذها خطوة خطوة، ولا تستعجل، لأن إنجازها لن يتم ما بين يومٍ وليلةٍ، هو تغيير نموذجي كاملاً في حياتنا، نبدأ بخطواتٍ بسيطة لكنّها قوية وثابتة وبعزيمة صادقة، وفي نهاية الأمر سوف تجد أنك بالفعل قد أهّلتَ نفسك التأهيل الصحيح الذي يؤدي إلى اختفاء الأعراض النفسية السلبية، ويؤدي إلى ظهور بوادر وعلامات وأفكار ونفسية إيجابية.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

www.islamweb.net