فقدت لذة كل شيء وأتمنى الانتحار، فماذا أفعل ليعود شغفي بالحياة؟
2017-01-30 04:16:43 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا فتاة عمري 23 سنة، تخرجت في الجامعة منذ أقل من سنة، ودرست الهندسة المعمارية -والحمد لله-، كنت متفوقة جداً وموهوبة في تخصصي، كنت سعيدة واجتماعية جداً، والجميع يحبني.
لكن مشكلتي بدأت بعد تخرجي من الجامعة، أصبحت أعاني من تغيير كبير لا أستطيع فهمه في شخصيتي ونفسيتي لا أستطيع فهمه، لم أعد أستطيع السيطرة على نفسي، أصبحت منعزلة بشكل لا يوصف، إلا عن شخص أو شخصين تعبوا من شكوتي، ولم يعد لي أحد، لا أطيق أن استمر في مكالمة أحد أو أجيب على مكالمات أو رسائل صديقاتي على الفيسبوك أو الهاتف أو غيره، حتى لو كانوا أعز أصدقائي، أتجاهلهم تماما، ولا أعرف لماذا؟ أتجاهل أهلي وأبتعد عن مجالستهم، أشعر دائما أنني متضايقة وحزينة، وأرغب بالبكاء، ودائما لدي مشاكل، أشعر بضعف التركيز بشكل غير طبيعي، أشعر أن روحي انطفأت ولا أرغب في أي شيء.
أنا خائفة جداً من تدمير مستقبلي إذا استمرت حالتي وخوفي الداخلي، دائما لا يعجبني شيء، وهذا أمر غير طبيعي، كنت طموحة جداً، والجميع يتأملون بي خيراً، كنت أحب الرسم وأقرأ دائماً، الآن يدي ترتجف قبل أن أبدأ برسم أي شيء، وأخاف وأمزق الورقة، ولا أطيق حمل أي كتاب.
لا أعرف ما بي، أنا غير طبيعية، وقد تعبت من هذه الحالة، تسعة شهور لم أنجز شيئاً في حياتي، ولم أرح نفسي يوما.
كنت أعشق الموضة والأزياء، الآن فقدت اهتماماتي ولا أشعر بأي متعة، حتى وأنا أرتدي أغلى الثياب، أشعر بأنني لا أريد أن أفعل شيئاً إلا النوم والبقاء في السرير فقط، أصبحت فتاة كئيبة، خسرت صحتي منذ فترة، وحاليا أخسر تركيزي وشغفي بالحياة، وحياتي الاجتماعية والعملية تتدهور والسبب مجهول، أريد الرجوع إلى نفسي القديمة، أشعر بحزن مستمر وعميق ولا شيء في الوجود يستطيع تبريره، مع تشاؤم يمتد أثره إلى كل شيء في حياتي.
كل شيء يعتبر موضع حزن عندي حتى الأحداث السارة، يمتد تشاؤمي إلى كل شيء بشكل غير منطقي، حتى تطورت حالتي فأصبح لدي برود شديد جداً في المشاعر، كأنني جثة لا توجد فيها روح، لا أشعر بشيء، لا أستطيع الراحة وأنا أشعر بالفشل، أصبحت أكره العيش في هذه الحياة، أصبح كل شيء لا معنى له، حتى آلامي ذاتها، فكل صباح هو ألم جديد.
الاختفاء أمنيتي الوحيدة، فقدت إرادتي بالكلية، يقتلني الشعور بالذنب حتى بالأشياء التي لا تخصني، وأتهم نفسي دائما بالسوء، أجبر نفسي على تناول الطعام، وأتمنى الانتحار لكنني أعلم بأنه حرام، وتدخُل بقضاء الله، لم تعد تعني لي الدنيا بما فيها، ولا أجد فيها أية متعة، مع العلم بأنني أحافظ على صلاتي في وقتها ولا أهملها أبدا، وأقرأ القرآن بشكل شبه يومي، فماذا أفعل لكي يرجع شغفي بالحياة؟
أفيدوني جزاكم الله خيراً.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Wafaa حفظها الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
نرحب بك في الشبكة الإسلامية.
رسالتك واضحة جدًّا، والذي يظهر لي أن طاقاتك في أيام الدراسة كانت موجّهة نحو التحصيل العلمي، وهذا جعل طاقاتك النفسية يتمُّ استيعابها والاستفادة منها بصورة إيجابية، وبعد التخرُّج -وهذه ظاهرة نشاهدها لدى بعض الناس خاصة الفتيات-، يحدث هنالك نوع من الركود والاحتقان النفسي السلبي، وهذا سببه أن الطاقات التي كانت تستهلك في الدراسة، لم تجد المخارج أو المنافذ الصحيحة، ممَّا جعلها تتراكم سلبيًا على مستوى العقل الباطني، وحتى العقل الظاهري، لتؤدي إلى حالة اكتئابية، وهذا هو الذي حدث لك من وجهة نظري التحليلية السلوكية، فكل ما ذكرته من أعراض وبصورة دقيقة جدًّا ومثالية تُشير إلى أنك تعانين من درجة بسيطة إلى متوسطة من الاكتئاب النفسي، والاكتئاب مرض مثل الأمراض الأخرى، يأتي ويذهب، وتوجد الآن وسائل طيبة جدًّا لعلاجه.
أول ما أنصحك به هو الذهاب لمقابلة طبيب نفسي، -والحمدُ لله تعالى- الأردن بها أطباء ممتازون ومتميزون، والعلاج له أربعة مكونات: العلاج السلوكي، والعلاج الاجتماعي والعلاج الإسلامي، والعلاج الدوائي:
• العلاج الإسلامي معروف، -والحمد لله تعالى- أنت حريصة على صلاتك، فاحرصي على الأذكار وعلى تلاوة القرآن، واسأل الله تعالى الشفاء.
• العلاج على النطاق الاجتماعي نقول: مهما كانت المشاعر ومهما كانت الأفكار سلبية يجب على الإنسان أن يفعل، أن يعمل، أن يُطبِّق، ألا يُعطِّل حياته، نعم هذا يحتاج لجهد وعزيمة وإصرار، وعقد نيَّة صادقة، والنية أصلاً هي القصد والعزم، ولتساعدي نفسك ضعي برنامجًا يوميًا يُكتب وتقنعي نفسك بضرورة تنفيذه، هذه هي الإدارة الاجتماعية للوقت، وهي تفيد في حالة الاكتئاب جدًّا، ألْزمي نفسك بتطبيق ما تودين القيام به.
وكما تعلمين: شيء من القراءة، التواصل الاجتماعي، الأنشطة المنزلية، الترفيه على النفس بما هو طيب وجميل، العبادة، ممارسة شيء من الرياضة، هذا كله يُمثِّلُ مكوّنًا علاجيًا رئيسيًا لهزيمة الاكتئاب.
• العلاج السلوكي يتمثل في تغيير الأفكار. تدارسي أفكارك هذه ومشاعرك، -وإن شاء الله تعالى- تصلي لنقطة الخيار ما بين هو إيجابي وما هو سلبي، وتتخيّرين ما هو إيجابي، كل شيءٍ في الدنيا سلبي يُوجد له مقابل إيجابي، فتخيَّري الإيجابيات وأصرِّي عليها خاصة من الناحية الفكرية.
• العلاج الدوائي: -الحمد لله تعالى- توجد أدوية فاعلة، أدوية ممتازة، وأنا متأكد أن استجابتك سوف تكون جيدة جدًّا لأحد هذه الأدوية، ولا تحتاجين لأكثر من ذلك.
اذهبي إلى الطبيب، وخذي بالمكونات الأربعة للعلاج، لأنها متكاملة فعلاً، وأسأل الله أن ينفعك بها.
أما تمنّي الانتحار فيجب ألا يطرأ على عقل مسلم أبدًا، ألم يعلم أن الله تعالى قال: {ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيمًا * ومن يفعل ذلك عدوانًا وظلمًا فسوف نُصليه نارًا وكان ذلك على الله يسيرًا}، وقال: {ولا تُلقوا بأيديكم إلى التهلكة}، وأخبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن رجلٍ فقال: (كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ بِهِ جُرْحٌ، فَجَزِعَ، فَأَخَذَ سِكِّينًا، فَحَزَّ بِهَا يَدَهُ، فَمَا رَقَأَ الدَّمُ حَتَّى مَاتَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: بَادَرَنِي عَبْدِي بِنَفْسِهِ، حَرَّمْتُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ)، وتوعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من قتل نفسه في أحاديثَ كثيرةٍ، ففي مسلم قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ عُذِّبَ بِهِ فِي النَّارِ)، وفي رواية: (مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ عُذِّبَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)، وفي أخرى: (مَنْ ذَبَحَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ ذُبِحَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)، هذه كلها نصوص تُحرِّم على الإنسان أن يُبادر بنفسه فيقتلها، وإذا فعل فقد خسر الدنيا والآخرة.
بارك الله فيك وجزاك خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.