أعاني شدة الشوق لزوجتي التي اغتربت عنها، فما الحل؟
2024-03-14 02:54:18 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا شاب متزوج منذ 10 أشهر؛ بعد أربعة أشهر من الزواج سافرت للعمل، وعقد العمل مدته سنة، وقد مرت ستة أشهر.
أعاني من الشوق الشديد إلى زوجتي، فبعد أن كنت مستقيمًا، وأحضر حلقات تحفيظ القرآن في المسجد النبوي، وكل أموري جيدة؛ جعل الشوق حياتي جحيمًا، فلا أنام ولا آكل، ولا أشعر بسعادة، ولا أستحمل حضور حلقات التحفيظ، ولا قيام الليل، ولا العمل، وفقدت الخشوع في الصلاة، فكل تفكيري بزوجتي، كذلك أتعرض لمغريات وفتن كثيرة في مجال عملي كبائع للعطور، مما جعلني أخاف على ديني.
أيامي كلها صارت حزنًا وبكاءً، وكذلك هي حالة زوجتي، لذلك فكرت أن أرجع لبلدي، لكن للأسف لا أستطيع؛ فأنا أعول أسرة كاملة من أب وأم وأخوة، وفي بلدي حرب ودمار، ولا توجد فرص عمل.
ما رأي الشرع في هذا؟ وهل توجد طريقة للتخلص من هذا الشوق؟
جزاكم الله خير الجزاء.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبدالحكيم حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أحزنتني رسالتك -أخي العزيز- وما تضمنتها من التعبير عن شديد لوعتك، وحرقتك من ألم الغربة، وفراق الزوجة، ولا غرابة في ذلك؛ فقديما عبر الأدباء والشعراء عن مدى شوقهم لأهلهم وأرضهم وزوجاتهم، بما يدل على تفجر بركان الشوق، وذرف الدموع، وعجز الروح عن النسيان.
وكلنا -ولدي الحبيب- قد انتابتنا -بل سيطرت علينا أحيانا- هذه المشاعر الفياضة، وهي مشاعر طبيعية وعاطفية، ولا شك مؤلمة ومحزنة، يصعب -كما ذكرت- البوح بها والتعبير عنها.
لا يعرف الشوق إلا من يكابده ولا الصبابة إلا من يعانيها
لا يسهر الليل إلا من به ألـــم لا تحرق النار إلا رجل واطيها
روح المحب على الأحكام صابرة لعل مسقمها يوما مداويها
إلا أن الواجب على العاقل أن يتوازن ويعتدل في ضبط مشاعره وأحاسيسه، وأن يقتصد ولا يسرف، ولا يجاوز الحد في الحب والبغض؛ لما لا يخفى عليك من ذم الشرع لكل من الإفراط والتفريط -الغلو والجفاء- في كل شيء، ومنه المحبة والبغض، فقد صح عند مسلم قوله صلى الله عليه وسلم: (قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيفما يشاء)، كما صح موقوفاً عن علي -رضي الله عنه-: (أحبب حبيبك هوناً ما عسى أن يكون بغيضك يوماً ما، وأبغض بغيضك هوناً ما عسى أن يكون حبيبك يوماً ما).
واعلم بأن هذه المشاعر -الرقيقة المؤرقة- مؤقتة لا تلبث حتى تزول -بإذن الله- بعامل الزمن، والانهماك في العمل شأن غيرك، بل إن بعض المهاجرين ربما أحبوا دار هجرتهم وغربتهم مع عامل الزمن أكثر من ديارهم الأصلية مسقط رأسهم؛ ذلك أن وطن الإنسان -في الحقيقة- حيث سلامة دينه ومصلحته، وما أجمل قول بعضهم:
دخلنا مكرهين لها فلما ألفناها، خرجنا مكرهينا
وما حب الديار بنا، ولكن أمرُّ العيش فرقة من هوينا
ولك أسوة حسنة في الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه من المهاجرين والمجاهدين الذين ألزمتهم ضرورة الأذى، أو واجب الجهاد بالهجرة والاغتراب، وكان من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم يخاطب مكة: (والله إنك لأحب البقاع إلى الله، وإنك لأحب البقاع إلي، ولولا أن قومك أخرجوني منك ما خرجت) رواه مسـلم.
وكذا في أبناء الجاليات والمهاجرين والمغتربين في الأرض الذين لهم حنين كحنينك، وآلام كآلامك، الذين ألجأتهم الحروب أو الظروف المادية ونحوها من البعد عن الأهل، والأرض، والزوجات، والأولاد، وتحمل آلام الغربة المضنية.
نعم فإن الغربة ممنوعة في الأصل لما تتضمنها وتستلزمها من مفاسد في النفس والأهل لا تخفى؛ لكنها تشرع عند شدة الحاجات التي تنزل منزلة الضرورات، أو عند الضرورات التي تبيح المحظورات دفعاً لمفاسد أكبر كمفاسد الجهل، والمرض، والفقر، كما قال الإمام الشافعي -رحمه الله-:
تغرب عن الأوطان في طلب العلا وسافر ففي الأسفار خمس فوائد
تفريج هم واكتساب معيشة وعلم وآداب وصحبة ماجد
ولذا فإني أوصيك بلزوم الصبر، والتحمل؛ حتى يكتب الله لك فرجًا ومخرجًا (من يستغن يغنه الله، ومن يستعفف يعفه الله، ومن يتصبر يصبره الله، وما أعطي أحد عطاء خيرًا ولا أوسع من الصبر) رواه الترمذي، وأبو داود، وصححه الألباني.
والبعد عن الفراغ القاتل؛ وصحبة السوء، وشغل النفس بما ينفعها في دينها ودنياها؛ فإن الوقت والنفس إن لم تشغلهما بالحق شغلتك بالباطل.
إن الشباب والفراغ والجدة مفسدة للمرء أي مفسدة
عليك بلزوم الدعاء، والذكر، والعبادة، وقراءة القرآن، وطلب العلم (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)، والحرص على الجد في العمل؛ وبعض النزهة والرياضة، واحتساب ثواب الغربة، واستحضار مقاصدها الشرعية، والاقتصاد في المعيشة، لتوفير المال اللازم للأسرة، إما لجلب الإقامة لهم ما أمكن، أو لنية الاستقرار في بلدك بعد رفع حالة الضرورة الملجئة لغربتك.
هذا، وأسأل الله تعالى أن يفرج همك؛ ويرزقك الصبر، والاحتساب والأجر، ويجمع شملك مع أهلك قريباً وعلى خير.