ولدت بعملية قيصرية وبعدها تمزق الرحم
2019-04-04 08:39:26 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم
أنا سيدة بعمر 36 سنة، ولدت قيصرياً المرة الأولى، وفي حملي الثاني أخبرتني الطبيبة بضرورة إجراء عملية قيصرية، لكني لم أسمع كلامها وانتظرت المخاض وحدث لي تمزق في الرحم، ولا يمكن لي الحمل مجدداً لأنه خطر على حياتي.
أنا الآن لدي طفلان فقط، وأشعر بالذنب كثيراً، فهل ما وقع لي أنا المسؤولة عنه؟ وأنه كان سيكون لي أبناء آخرون لولا تصرفي هذا أم أنه قضاء وقدر؟ أنا لا أنام، أشعر بالضياع وأني ضيعت عائلتي معي.
أرجو منكم الإجابة على سؤالي.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سعاد حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
في البدء أقول لك: الحمد لله على سلامتك وسلامة المولود، جعله الله عز وجل من أبناء السعادة في الدارين.
أتفهم مشاعرك - يا ابنتي- فما حدث لك ليس بالأمر البسيط؛ لأن تمزق الرحم هو من أخطر الحالات الإسعافية التي قد تتعرض لها السيدة خلال الولادة، والحقيقة التي أريد أن أؤكد لك عليها هي أن تمزق الرحم قد يحدث حتى لو كانت كل ولادات السيدة طبيعية، وقد يحدث عند الحامل البكر أيضاً، وهو من الحالات التي لا يمكن التنبؤ بتوقيت حدوثها فقد يحدث خلال الولادة، وقد يحدث في الشهر التاسع أو حتى في الثامن، وكقاعدة عامة نقول: إن الحمل والولادة وعلى الرغم من أنها أحداث فيزيولوجية طبيعية إلا أنها قد تنقلب إلى حالة إسعافية في خلال لحظات قليلة فقط، ولذلك فإننا ننصح كل الحوامل (حتى من كانت كل ولادتها طبيعية أو اعتادت أن تلد في البيت) بالمتابعة والولادة في المستشفى.
إذاً - يا عزيزتي- إن ما حدث لك كان من الممكن أن يحدث في الشهر التاسع، وقبل بدء المخاض أو حتى خلال فترة انتظارك لموعد العملية القيصرية لو كنت قد وافقت عليها.
كل هذه الاحتمالات كانت واردة ليس عندك فقط بل عند أي سيدة حامل.
ما أود أن أوضحه أيضاً هو أنه كثيراً ما نضطر إلى استئصال الرحم، (سواءً بعد الولادة القيصرية أو بعد الولادة الطبيعية)، وذلك في حال حدث نزف شديد لا يمكن السيطرة عليه من أجل إنقاذ حياة السيدة، (ولهذا السبب يتم إخبار بنك الدم في المستشفى لتحضير بضع وحدات من فصيلة دم السيدة، وذلك بمجرد دخول السيدة المستشفى).
هنالك أسباب أخرى طارئة وغير متوقعة، قد تضطر الطبيب أو الطبيبة إلى استئصال الرحم، سواء كانت الولادة طبيعية أو بعملية قيصرية، مما يؤدي إلى عدم قدرة السيدة على الإنجاب بعد ذلك، ومنها حالات قد لا نتمكن من إنقاذ حياة الأم أو الجنين، ولعلك سمعت بقصص من هذا القبيل.
بالنسبة لك؛ فقد كان من الممكن أن تكون الأمور أسوأ من ذلك- لا قدر الله- فعلى الرغم من حدوث تمزق في الرحم وهي حالة إسعافية وخطيرة، إلا أنك لم تحتاجي إلى عملية استئصال للرحم، وأمكن إنقاذ حياتك وحياة الجنين، إن شاء الله تعالى.
هذا من الناحية الطبية يعتبر نجاحاً كبيراً، لا يحدث دائماً في حالات تمزق الرحم، ومن الواضح أن الطبيبة -جزاها الله كل خير-كانت ذات خبرة ومستعدة لكل الاحتمالات، فاحمدي الله عز وجل على هذا التسهيل، وانظري إلى النصف المملوء من الكوب، فأنت بخير، لديك طفلان جميلان، (ما شاء الله تبارك الله)، وقد يكون هذا ما كتبه الله لك من ذرية، فالذرية رزق مثل بقية الأرزاق، ونحن نؤمن بأننا لن نال إلا ما كتبه الله عز وجل لنا من رزق.
لذلك - يا عزيزتي- خففي عن نفسك ولا تؤنبيها، فأنت لست المسؤولة عما حدث، بل هو قضاء الله وقد نفذ، وتذكري كلامي بأنه حتى لو تم عمل عملية قيصرية فهذا لم يكن ليضمن لك عدم حدوث طارئ يمنعك من الحمل مستقبلاً، أو يودي بحياتك أو حياة الجنين – لا قدر الله -لا قبل ولا خلال ولا بعد العملية، ولا حتى في فترة النفاس.
لقد أردت أن أطلعك على بعض الحقائق، وأؤكد لك على أنه ومهما كانت طريقة الولادة فإن هنالك دوماً احتمالاً لأن تخسر السيدة قدرتها على الحمل ثانية.
إن ما حدث معك يعتبر من الناحية الطبية (صدمة نفسية) كفقدان عزيز أو الإصابة بمرض عضال أو التعرض لحوادث مؤلمة كالحروب والكوارث الطبيعية وغير ذلك.
الإنسان في مثل هذه الحالات يمر بمراحل تسمى مراحل ما بعد الصدمة، وهي مراحل تبدأ بعدم استيعاب الحادثة أو بالإنكار لما حدث، ثم تأتي مرحلة الغضب والبحث عن سبب لما حدث، وهنا يبدأ الإنسان بإلقاء اللوم إما على نفسه أو على الآخرين، ثم ينتقل إلى مرحلة الحزن والانطواء، وقد تحدث هنا درجة ما من الاكتئاب، ثم تأتي مرحلة الرضا والتقبل لما حدث، ويعود الإنسان قادراً على ممارسة حياته الطبيعية من جديد، هذه المراحل كلها تعتبر مراحل طبيعية لكن إن عاشها الإنسان ولم يعلق في أي مرحلة من المراحل الأربع الأولى.
بالنسبة لك فأنت الآن في مرحلة الغضب وإلقاء اللوم على نفسك وتأنيبها، وهذه المرحلة مؤلمة جداً، ويغلب عليها التفكير الغير منطقي.
يختلف طول كل مرحلة من مراحل ما بعد الصدمة، وقد تتداخل مع بعضها أحياناً، وهذا كله يتبع شخصية الإنسان، وظروفه الاجتماعية والصحية والمادية والدعم المعنوي والنفسي الذي يجده.
بكل تأكيد - يا عزيزتي- أنا لا أقلل أبداً من معاناتك مع تلك التجربة، ولا من شعور الألم والحزن الذي تعيشينه، لكنني أردت أن أطلعك على بعض الحقائق الطبية، وقصدت أن أوضح لك أيضاً بأنك تمرين بمراحل طبيعية من الناحية النفسية، فلعل معرفتك بذلك تساعدك في تجاوز مرحلة اللوم والندم، وأن لا تكون مرحلة الحزن والاكتئاب طويلة حتى تعودي إلى حياتك الطبيعية بأسرع ما يمكن فتستمتعي بصحتك وعافيتك مع عائلتك الجميلة، إن شاء الله تعالى.
أسأله عز وجل، أن يوفقك إلى الخير دائماً.