ما إن أستيقظ حتى يبدأ عندي ضيق الصدر والخوف
2019-09-10 04:52:36 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم
أولاً أود الثناء على هذا الموقع الأكثر من رائع، وجزاكم الله كل الخير، وجعله في ميزان حسناتكم.
يا جماعة أنا حالتي ما أعرف أوصفها، من مدة شهرين إلى الآن أقسم بالله إني أعيش في جحيم مع نفسي! رغبة بالبكاء دائمة، ضيق في الصدر والتنفس، اكتئاب، حزن.
لما أُقدم على أي فرصة تأتي لي أخاف من المستقبل، وعلى إحساس دائم أن هناك مصيبة سوف تحدث لي!
أنا -والحمد لله- من المصلين والذاكرين لله تعالى على الدوام، ومداوم على قيام الليل كل فترة، وأذكار الصباح والمساء دائماً.
أسأل الله دائماً أن يشرح لي صدري، لكن والله كل ما إن أستيقظ حتى يبدأ عندي ضيق الصدر والتفجير السلبي، سوف تقولون لي: حاول ألا تفكر، والله حاولت لكن دون جدوى، وأمارس الرياضة لكن دون جدوى، ومن شدة خوفي من المستقبل والمصائب أصبحت أرفض أي فرصة عمل أو دراسة.
علماً أنه حدثت معي مصائب في السنوات الماضية، ومن بعدها بدأ عندي هذا الخوف.
لا أستطيع ذكر المصائب لكن والله إني مدمر من الداخل، وأحاول ألا أظهر هذا لكن لا جدوى.
أنا في ألمانيا، وغريب، وأرغب دائماً بالعودة إلى بلدي سوريا.
أفيدوني، جزاكم الله خيراً.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ حسن حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحباً بك -أخي الكريم- ورداً على استشارتك أقول:
قد يتعرض الإنسان لضعف في إيمانه خاصة إذا كان عنده جهل في أمور العقيدة، فيحدث عنده مثل هذا الخوف أو ضيق الصدر أو الاكتئاب، وهذه نتيجة حتمية لمن ضعف إيمانه، وخاصة إذا عاش في بيئة سيئة أو بيئة تكرست على الماديات وابتعدت عن العناية بالروح.
أخي الكريم: عليك أن توقن أن كل ما يحدث في هذا الكون لا يحدث عبثاً أو مصادفة كما يقال، وإنما يتم ذلك وفق ما قضاه الله وقدره، سواء كان ذلك الحدث عظيماً أو حقيراً، يقول سبحانه وتعالى: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ) وقال عليه الصلاة والسلام: (قدر الله مقادير الخلق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء)، ولما خلق الله القلم قال له: اكتب قال وما أكتب؟ قال: (اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة) وقال عليه الصلاة والسلام: (كل شيء بقضاء وقدر حتى العجز والكيس) والكيس الفطنة.
عليك أن تكون قوي التوكل على الله تعالى، فمن توكل على الله كفاه الله ما أهمه، يقول تعالى: (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) ومعنى فهو حسبه: أي كافيه.
لا ينبغي أن تشغل عقلك بالمستقبل لأنه من أمور الغيب التي لا يعلمها إلا الله، وعليك أن تعمل بالأسباب التي توصلك إلى مبتغاك، لأن العمل بالأسباب واجب، ولهذا قال الله عن ذي القرنين: (إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا فَأَتْبَعَ سَبَبًا) ومعنى ذلك: إنا مكَّنَّا له في الأرض، وآتيناه من كل شيء أسبابًا وطرقًا، يتوصل بها إلى ما يريد مِن فَتْح المدائن وقهر الأعداء وغير ذلك، فأخذ بتلك الأسباب والطرق بجد واجتهاد.
إن حصل خلاف ما تريد بعد العمل بالأسباب فعليك أن ترضى بقضاء الله وقدره، ولتكن على يقين أن في ذلك خيراً لك، كما قال عليه الصلاة والسلام: (عَجَبًا لأمرِ المؤمنِ إِنَّ أمْرَه كُلَّهُ لهُ خَيرٌ وليسَ ذلكَ لأحَدٍ إلا للمُؤْمنِ إِنْ أصَابتهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فكانتْ خَيرًا لهُ وإنْ أصَابتهُ ضَرَّاءُ صَبرَ فكانتْ خَيرًا لهُ).
ما يحل بالعبد من محن ومصائب مرده إلى الذنوب التي يقع فيها العبد وهذه الذنوب قد تكون خفية غير ظاهرة وقد يكون العبد مستصغراً لها، كالغيبة والنميمة والحسد والكبر، قال تعالى: (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ).
هذه المصائب والنكبات فيها خير للعبد، وإن كان ظاهر الأمر غير ذلك، فمن هذا الخير أنها تكفر ذنوبه وتجعله دائم التضرع بين يدي الله تعالى مكثراً من الطاعات، يقول صلى الله عليه وسلم: (ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب، ولا هم ولا حزن، ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه).
التخويف من المستقبل من عمل الشيطان ووساوسه لأنه لا يريد للمؤمن أن يعيش في طمأنينة بل يريد أن يبعده عن العمل بالأسباب ويحصره في زاوية وينفرد به بوساوسه وخواطره السلبية، كما يفعل الذئب مع الغنم.
المؤمن الفطن هو الذي يدفع الشيطان ووساوسه بكثرة الاستعاذة بالله منه، يقول تعالى: (إِنَّمَا ذَٰلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) ويقول تعالى: (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ ۖ وَاللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلًا ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ).
في نظري أنك تعاني من نوع من الرهاب وهو الرهاب من المستقبل والخوف من الوقوع في المشاكل أو وقوع المصائب، وهذا كله ناتج عن استسلامك للخواطر والوساوس الشيطانية وعلاج ذلك يسير إن صادف عزماً عندك وإصراراً لمقاومة الشيطان ووساوسه، وهو بكل تأكيد ضعيف لا يستطيع مواجهة الإنسان، ولذلك يلجأ إلى الوسوسة، قال تعالى: (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا).
أوصيك أن تختلط بالصالحين من المسلمين المقيمين عندك وألا تبقى منعزلاً، فالانعزال يعمق الوساوس ويجعل الشيطان قريباً منك.
لو نظرت إلى من حولك لما وجدت عندهم هذه المعاناة التي تعاني منها، فهلا سألت نفسك لم أنت تعاني منها دون غيرك؟! والجواب الذي يتبادر للذهن أنهم متوكلون على الله ولا يصغون لتلك الخواطر السلبية وإن جاءتهم استعاذوا بالله منها.
أكثر من الاستغفار، ففي ذلك فوائد كثيرة، منها أنها من أسباب إكساب الجسم القوة الحسية والمعنوية، وأنها من أسباب تفريج الهموم، قال هود لقومه: (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ)، وقال عليه الصلاة والسلام: (مَنْ لَزِمَ الِاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ).
أكثر من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فذلك من أسباب كفاية الهموم وغفران الذنوب، قال عليه الصلاة والسلام لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: (إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ).
أكثر من تلاوة القرآن الكريم وذكر الله تعالى، ففي الذكر طمأنينة للقلب، قال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ).
إن عجزت عن تطبيق ما ذكرت لك فأنصحك أن تعرض نفسك على طبيب نفساني حاذق فالعلاج بالعقاقير الطبية مفيد في هذا الجانب، وما أنزل الله من داء إلا وأنزل له دواء علمه من علمه وجهله من جهله.
نسعد بتواصلك ونسأل الله تعالى أن يوفقك للعمل بهذه الموجهات وأن يذهب عنك ما تجد إنه سميع مجيب.