لماذا يبتلى الصالحون أكثر من غيرهم؟

2020-06-16 21:03:30 | إسلام ويب

السؤال:
السلام عليكم

أنا إنسانة مؤدية لكل فروضي -الحمد لله-، وبكل ما أستطيع، وبأي فرصة أحاول التقرب لخالقي، وأتفكر وأتعمق في ديني، -وبحمد الله- مررت في رمضان بتجربة روحانية جميلة جعلتني أشعر بقربي من ربي، وشعرت بسكينة واطمئنان الإيمان الذي أدعو لكل المسلمين أن يتذقوا حلاوته.

لكن لطالما علمت أن الابتلاء هو في الذين يحبهم الله، وأن المتقين هم أكثر الناس ابتلاء بعد النبيين والصالحين، لحديث الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله تعالى إذا أحب قوما ابتلاهم فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فعليه السخط"، وحديث: أي الناس أشد بلاء؟ قال: الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلابة زيد صلابة، وإن كان في دينه رقة خفف عنه، ولا يزال البلاء بالعبد حتى يمشي على الأرض ما له خطيئة".

التقرب لله -عز وجل- لطالما كان أقصى أمنياتي، ولطالما كان دعائي أن أصل إليه ولكنني أصبحت أخاف أن تقربي منه -سبحانه- سيجعلني من أهل الابتلاء، أخاف أن حبه لي يجعله يبتليني.

أقرأ آية: (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص ‏من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين)، وخصوصا كلمة "الأنفس"، وأفكر بابني الوحيد وزوجي وكل من أحب، ويوسوس لي الشيطان أن تقربي من الله هو الذي سيجعلني من المبتلين، وكلما اتقيت الله أكثر زاد ابتلاؤه لي، وأن الابتعاد عنه ولو قليلا يقل ابتلائي.

أرجو من حضرتكم إجابة تغلب شيطاني، ويطمئن قلبي الذي يتوق لربه ويريد قربه، ولكن خوفه من الابتلاء يرده.

الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ فاتن حفظها الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

بداية نرحب بك اختي الكريمة في موقعنا، وأسأل الله أن يتولاك بحفظه، والجواب على ما ذكرت:

- نحمد الله تعالى الذي وفقك إلى العمل الصالح وأعانك على طاعته، وأحيا فيك أنك تشكرين الله على هذه النعمة، وهذا فيه بشرى لك بدوامها واستمرارك على طاعة الله.

- وأما كون أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، فهذا حق أخبر به نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، حيث قال "إن عِظَم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قومًا ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومِن سخِط فله السخط" رواه ابن ماجه، وسبب هذا البلاء لهم مع أنهم من خيرة عباد الله محبة الله لهم، وهذه بشرى للمؤمن، إذا ابتُلِي بالمصيبة فلا يظن أن الله سبحانه يبغضه، بل قد يكون هذا من علامة محبة الله للعبد، يبتليه سبحانه بالمصائب، فإذا رضي الإنسان وصبر واحتسب فله الرضا، وإن سخِط فله السخط، وفي هذا حثٌّ على أن الإنسان يصبر على المصائب؛ حتى يُكتَب له الرضا من الله -عز وجل-"، قال ابن القيم: "ابتلاءُ المؤمن كالدواء له، يستخرج منه الأدواء التى لو بقِيت فيه أهلكَتْه، أو نقصت ثوابه، وأنزلت درجته، فيستخرج الابتلاء والامتحان منه تلك الأدواء، ويستعد به لتمام الأجر، وعلو المنزلة. ومعلوم أن وجود هذا خير للمؤمن من عدمه؛ كما قال النبي -صلى الله تعالى عليه وآله وسلم-: "والذي نفسي بيده، لا يقضي الله للمؤمن قضاءً إلا كان خيرًا له، وليس ذلك إلا للمؤمن، إن أصابته سرَّاء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له".

- ومن جانب آخر نحن مأمورون شرعا بأن نسأل الله العافية في ديننا ودنيانا، وفي أهلنا ومالنا صباحا ومساء، فلا أحد يحب البلاء ينزل به، فينبغي عليك أن تستمري في الطاعة والتقرب إلى الله، وأحسني الظن بالله وفوضي الأمر إليه، فالله رحيم لطيف بعباده، ولا ينبغي أن يطرأ في بالك أبدا أن الله سيحرمك من ابنك وزوجك ومن تحبين، فهذا أمر في الغيب ولم تطلعي عليه.

- ومن جانب ثالث فإن المؤمن المبتلى إذا حصل له ذلك، وقد لا ينزل به، فإن بلاءه في أمر الدنيا وليس في الدين، وعندما يصبر ويحتسب يرفع عنه البلاء ويعوضه الله خيرا منه، وغير المؤمن من الكفار والعصاة، إذا وقع عليهم البلاء فإنه يمحقهم ويهلكهم ويكون البلاء في دينهم، ويزدادون بعدا من الله ويحصل عليهم السخط من الله تعالى.

- وأخيراً وكما ذكرت فإن هذا التفكير الذي طرأ في الخوف من الابتلاء إنما هو من وسوسة الشيطان، وهذا يحتاج منك إلى مزيد من القراءة وطلب العلم الشرعي بأي طريق ممكن، كما أن عليك كثرة ذكر الله تعالى، والاستعاذة بالله من شر الشيطان وما يوسوس به، واقطعي سلسلة التفكير في هذا الأمر، ولا تلتفتي لما يقول لك، واعرضي عنه، وأكثري من قول آمنت بالله ورسوله كما أوصى بذلك نبينا -صلى الله عليه وسلم- فقال لمن أصابه الوسواس "فلينته وليستعذ بالله وليقل آمنت بالله ورسوله" رواه مسلم.

وفقك الله لمرضاته.

www.islamweb.net