كيف أتوقف عن استحضار المواقف السلبية الماضية؟

2020-07-12 03:14:01 | إسلام ويب

السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

أعاني منذ فترة من استرجاع ذكريات سابقة: من التنمر الذي كنت ألاقيه طوال عمري، وخصوصا من خالي وبدون سبب، فقد كان يسبني ويهينني ويسيء معاملتي في كل لقاء، وكانت ردة فعل أمي دائما سلبية للأسف؛ بحجة أنها لا تريد أن تقطع صلتها مع أخيها.

وهذا من بين عدة مواقف سيئة بحياتي مع أشخاص ثانية لم أستطع أن أرد فيها أو آخذ حقي، مما جعلني شخصية ضعيفة، مهزوزة، أخاف المواجهة، فاقدة للثقة بنفسي وبمهاراتي.

مرت الأعوام، وتخرجت، وتزوجت، والآن وبعد كل هذه السنوات، وخلال الأشهر الأربع الماضية بدأت باسترجاع المواقف السيئة، فأبدأ باستحضار الأشخاص، وينتابني الغضب، ويزيد خفقان قلبي، ثم أقوم بالرد عليهم وأخذ حقي منهم.

هذا الموضوع أصبح متكررا خلال اليوم، أتشاجر بمخيلتي مع كل الأشخاص الذين أساءوا لي في طفولتي، أو حتى بعد زواجي، ولم أستطع أن آخذ حقي أو أن أرد الإساءة.

للعلم فقد تعرضت للتحرش (بدون فض) في سن الخامسة، لم أستطع فيها كذلك أن أقول كلمة لا،
لا أستطيع تصنيف طفولتي بالسعيدة من كثرة المشاكل الأسرية التي عشتها، ومعاملة أمي -حفظها الله- السيئة لي خلال طفولتي ومراهقتي، ولكن الآن علاقتنا جيدة، هذا باختصار.

وجزاكم الله خيرا .


الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أم غالية حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

يوجد لدى الإنسان الكثير من الدوافع اللاشعورية الدفينة، وهي دوافع لا يشعر بها الإنسان أثناء قيامه بالسلوك، ولكنها فعلياً قد تكون هي المحرك لهذا السلوك وتتحكم به.

والدوافع اللاشعورية هي الدوافع القديمة المكبوتة التي لا يستطيع الإنسان أن يميط اللثام عنها دائماً، فنحن أحياناً لا نبادر بالسلام على شخص مقرب منا ونحاول ألا يرانا في مناسبة معينة، مع العلم أنه في حينها لا يوجد بيننا وبينه خلاف، بل نكتفي بهز الرأس أو السلام بالكلام فقط من بعيد، وحسب التحليل النفسي لهذا الموقف، هذا يعني أن لدينا خبرة أليمة مكبوتة مع هذا الشخص عبرنا عنها بهذه الطريقة، وهذه الخبرة قد تكون إساءة، أو موقف محرج تعرضنا له مع هذا الشخص، وغيرها من الأسباب المكبوتة القديمة التي ما زالت تتحكم بسلوكنا.

بعد التقديم أعلاه، إن ما يحدث معك هو وجود خبرات أليمة مكبوتة في حيز اللاشعور "العقل الباطن"، تظهر بين الحين والآخر إلى حيز "الشعور" عندما تمرين بموقف يحركها، أو ذكرى، أو حديث عن طفولتك، أو تسمعين أو تقرئين عن مشكلة تتشابه مع مشكلتك.

ونحن نلجأ إلى كبت الخبرات المؤلمة؛ لأن "الكبت" يمثل وسيلة وقائية مما تكرهه أنفسنا، أو يسبب لنا الضيق والقلق، وبالتالي يصبح "الكبت" وسيلة لخفض التوتر النفسي.

ومن أخطر الصراعات اللاشعورية وأبقاها أثراً في شخصية الفرد تلك الصراعات الأساسية أو الجذرية التي تتكون في مرحلة الطفولة المبكرة حول الصدمات الانفعالية التي تعرض لها الطفل في تلك المرحلة، والتي تعتبر من العوامل المُمَهِدة لاضطراب الشخصية في عهد الكِبر وتحول دون تكامل الشخصيّة واتزانها. ومن الأمثلة على هذه الصراعات مثلاً حبك لخالك "وهو شعور يُعبر عنه الآن" وبنفس الوقت كرهك له "وهو كره لا شعوري مكبوت في داخلك جراء مواقف طفولية مؤلمة). وبالطبع أن الخطورة تكمن فيما هو في اللاشعور، لأن ما هو في "الشعور" بإمكانك التحكم فيه بالمجاملة بالابتسام وغيرها أما ما هو في " اللاشعور" فإنك تكبتينه بداخلك كخبرة مؤلمة تُنغص عليك حياتك، وتلاحقك وتمنعك من العيش بشكل مُطمئن.

أختي الكريمة، الآن وبعد ما سبق من توضيح، فيما يلي مجموعة من الأساليب العلاجية العملية التي قد تساعدك في التخلص من المشاعر المؤلمة:

1- بالنسبة للمواقف المكبوتة في عقلك:
(أ‌) فكري بطريقة تتناقض مع الموضوع الذي يجلب لك القلق والتأزم، وذلك يتلخص في تحويل تفكيرك من الماضي وآلامه إلى الواقع الحالي، فإذا تذكرت ما كان يفعله خالك بك فلا تطلقي العنان للغوص في آلام الماضي بل فكري بأي موضوع حالي أو مستقبلي يهمك أنت شخصياً ولا يهم غيرك.

(ب‌) صممي جدوّل يتكوّن من عمودين، العمود الأول يمثل (الأشياء الإيجابية في حياتي) والعمود الثاني يُمثل (الأشياء السلبية في حياتي) وتذكري كل شيء في حياتك بدءاً من طفولتك وأحداثها حتى وقتك الحالي ودوني ذلك في العمودين. وهذا قد يكون على أكثر من مرة. واحتفظي بالجدوّل وابدئي بتسجيل المواقف السلبية والإيجابية الجديدة التي تحدث معك.

2- بالنسبة لعدم الثقة في النفس:
(أ‌) صممي أيضاً جدوّلا يتكوّن من عمودين: العمود الأول يمثل (نقاط قوتي)، والثاني يُمثل (نقاط ضعفي)، وبعد أن تكتبي نقاط ضعفك جميعها ضعي بجانبها أرقام حسب الأولوية، يعني، إذا كان لديك نقاط مثل: أتردد عند الرد على الآخرين، أشعر بالفشل في كل عمل أقوم به، أرتبك في المواقف الاجتماعية، هنا ضعي رقم (1) مثلا على أرتبك في المواقف الاجتماعية باعتبارها تؤثر في شخصيتك وفي علاقاتك، وضعي (2) على أتردد عند الرد على الآخرين، باعتبارها أقل أولوية أو تأثيراً بك من فقرة رقم (1)

(ب‌) اهتمِي بنفسك واحرصي على ألا تضعي ذاتك في مواقف تقلل من شأنك، وكما تقول المقولة: (عِز نفسك تَجِدُها).

(ت‌) أقدمي على العمل الذي تنوين القيام به، ولا تترددي، فالتردد يغرس في النفس صفة الفشل المُعمم، بمعنى، أن الشخصية المترددة تخاف من معظم المواقف التي تحتاج إلى اتخاذ قرار مما ينعكس سلباً على حياة الشخص وتطوره وتربيته لأبنائه وعلاقته مع شريك حياته ومع الآخرين.

(ث‌) احرصي على أن يكون مركز ضبط تصرفاتك "داخلياً" وليس "خارجياً": ومركز الضبط هو المصدر الذي تنطلق منه مسببات السلوك التي يعتقد الفرد أنها مسؤولة عن نجاحه أو فشله، وهناك أفراد ذوي مصدر ضبط داخلي (وهم الذين يفسرون نتائج أعمالهم وانجازاتهم الناجحة منها والفاشلة كنتيجة منطقية لذواتهم وقدراتهم الخاصة). وأفراد ذوي مركز ضبط خارجي (وهم الذين يفسرون النتائج الإيجابية والسلبية التي تحدث في حياتهم كنتيجة للعوامل والظروف الخارجية كالحظ والصدفة والسلطة، ويصعب السيطرة عليها).

إن ذوي مركز الضبط الداخلي يتميزون بأنهم أكثر قدرة على خلق انطباع إيجابي، وينشغلون بكيفية التأثير في الآخرين، وتأثر الآخرين بهم، وهم أكثر اقداماً ومغامرة، وينظرون للمستقبل نظرة مُتفائلة.

وبالمقابل نجد أن ذوي الضبط الخارجي ينقصهم الانسجام مع بيئتهم، وذلك نتيجة عجزهم عن تحقيق التوافق بين رغباتهم وأوضاع حياتهم ومعيشتهم، ونقص فاعليتهم الذاتية

وفقك الله لما يحبه ويرضاه.

www.islamweb.net