أعاني من الضغوط والتوتر ولا أشعر بأي مشاعر
2020-11-26 02:50:55 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم.
لا أستطيع الشعور بأي شيء منذ اكثر من 6 أشهر، لا أشعر بحزن و لا فرح لا خوف ولا غضب، في عمر 18 اضطرت للاعتماد على نفسي وبدأت العمل بمجال الطيران منذ سنتين، وفي بلدنا مجال الطيران كالسباق مع الزمن، وكنت أعمل لساعات طويلة، وأدرس في كلية الاقتصاد.
لذا تعرضت للكثير من الضغوط والتوتر، ومضت أشهر أنام فيها ساعتين فقط في اليوم، حتى تفوقت في مجال عملي، ودراستي كنت الأولى في عملي، ومن الأوائل العشرة في جامعتي، كنت كلما شعرت بالضعف أو الرغبة بالبكاء، أمنع نفسي بجرح في يدي أو قدمي، حتى أتخطى شعور الحزن بالألم.
منذ أكثر من 6 أشهر لم أعد أشعر بشيء، لا حزن ولا فرح، ولا غضب ولا توتر، لم يكن الأمر يزعجني حتى تمت خطبتي، ولم أشعر بالسعادة ولم أشعر بشيء اتجاهه!
لذا كان علي الالتفات للعلاج، وحاولت أن أعالج نفسي سلوكياً، أذهب برحلة في الصيف أزور أقاربي أو أمثل على نفسي السعادة، لكن دون فائدة، ولم يحدث ذلك فرقاً.
بحثت على الإنترنت ووجدت أن الأعراض تشبه (الإنهيدونيا) وبدأت بالعلاج الدوائي، وبدأت بتناول البروزياك منذ 11 يوم، لكني لا أشعر بفرق يذكر، ماذا يجب علي أن أفعل؟ هل أنتقل لدواء آخر؟
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ عائشة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أرحب بك في الشبكة الإسلامية، وأسأل الله لك العافية والشفاء والتوفيق والسداد.
لا أريدك أبدًا أن تتأثري بالتشخيصات التي تجدينها أو تقرئين عنها في الإنترنت، الـ (إنهيدونيا Anhedonia) هو عرض نشاهده في بعض الحالات النفسية كأمراض الفصام ذو الطابع السلبي، وأحيانًا في بعض أمراض الاكتئاب الشديدة.
لا أرى أنك تعانين من هذه العلة أبدًا، نعم قد يكون عندك شيء من الحيادية في المشاعر، أو عدم استشعار ما هو طيب وجميل، والسبب في ذلك من وجهة نظري أنه كان لديك فيما مضى طاقات عظيمة، طاقات أكسبتك الكثير من المهارات وأنت في سِنٍّ صغيرة، وقفزت قفزات كثيرة جدًّا، والإنسان حين يقفز قفزات وظيفية كبيرة ويجتهد في السنوات الأولى من عمره ربما بعد ذلك يأتيه شيء من الجمود أو شيءٍ من الاضمحلال في المشاعر، حيث إن توقعاته تتصادم مع الواقع، إنسان كان مُنجزًا جدًّا مثلاً في عمر الـ 16، 17 سنة، وحين يصل لعمر العشرين يتصور أنه من المفترض أن يُنجز أكثر، ويصطدم بجدار الحياة. هذا قد يؤدي إلى شيء من الإحباط الداخلي.
أعتقد أن شيء من هذا قد حدث لك.
أولاً: أريدك أن تتذكري أنك صاحبة مهارات، وأنك الحمد لله تعالى اكتسبت الكثير ممَّا يجعلك تواجهين صعوبات الحياة، هذا في حد ذاته أمرٌ ممتاز جدًّا، كل الذي تحتاجينه الآن هو: أن تستشعري المشاعر الإيجابية، وتُدركي أن الإنسان يمكن أن يُغيّر نفسه، ويمكن أن يطور نفسه، وكل شيء سلبي في هذه الدنيا يُوجد ما يُقابله ممَّا هو إيجابي، فلماذا لا نتخير الإيجابي، ولماذا لا نكون في جانب التفاؤل، حتى وإن سيطرت علينا المشاعر السلبية؟!
أيتها الفاضلة الكريمة: السعادة تُصنع، فيجب أن تثقي في الله أولا، ثم ركزي على مقدراتك، يجب أن تكوني متفائلة، أريدك أن تكتبي على ورقة كل مشاعرك السلبية، ضعيها في لستة واضحة جدًّا، وبعد ذلك ابحثي عن المقابل الإيجابي لكل فكرة سلبية، ويُوجد مقابل إيجابي، لأن الله تعالى قد خلق الكون في ثنائية عجيبة، كلُّ شيء هنالك ما يُقابله، وحاولي أن تُعززي حقيقة ما هو إيجابي، والإيجابي دائمًا ينتصر على السلبي، وقوّة الحاضر دائمًا تنتصر على ضعف الماضي وعلى مخاوف المستقبل.
أرجو أن تدخلي في هذا الحوار الفكري مع نفسك، وسوف تجدين إن شاء الله تعالى أن الأمور قد بدأت في التغيير.
الرياضة ممارستها مهمة، الرياضة مهمة جدًّا لبعث الطاقات النفسية الإيجابية، وهذا الكلام قد أثبت، حتى كيمياء الدماغ – أو ما يُعرف بالموصِّلات العصبية – مثل الـ (النورأدرينالين Noradrenaline) الـ (ميلاتونين Melatonin) والـ (سيروتونين Serotonin) ومادة تُسمَّى الـ (أوكسيتوسين Oxytocin) أو ما يُسمَّى بـ (هرمون السعادة)، والمادة (ب)، وهذه كلها لها علاقة بالمزاج عند الإنسان، وُجد أن الرياضة تُبدِّلها وتجعلها إيجابية جدًّا.
أيتها الفاضلة الكريمة: التواصل الاجتماعي الإيجابي مهم، انخرطي في عمل طوعي، في عمل خيري، انضمي لأحد مراكز تحفيظ القرآن، كوني إنسانة صاحبة مشاركات إيجابية داخل أسرتك، بر الوالدين يُحفّز الإنسان ويعطي الإنسان المردود النفسي الإيجابي الداخلي، وهذا هو الذي تفتقدينه الآن، أقصد أنك تفتقدين المردود الإيجابي، فمن خلال بر الوالدين يأتي الكثير والكثير جدًّا إن شاء الله تعالى في هذا السياق.
بالنسبة للعلاج الدوائي: لا مانع من تناول الـ (بروزاك) وإن كنتُ أرى أن الأدوية قد لا تكون حقيقة أساسية في علاجك، لكنَّ البروزاك سوف يُساهم، والبناء الكيميائي يتطلب أربع أسابيع، وربما لمدة أطول في بعض الناس، فاصبري على الدواء لتبدأ فعاليته إن شاء الله تعالى، وتغيير نمط الحياة هو العلاج والوسيلة التأهيلية الأساسية، والدواء يُساعد فقط.
إذًا خذي كل النصائح والإرشادات كأمر موضوعي ومتكامل، وهذا إن شاء الله تعالى يجعلك تعيشين في صحة نفسية ممتازة، خذي بجانب التدرّج في الأمور، والإصرار على التحسن، هذا مهمٌّ جدًّا، لأن المزاج العلاجي عند الإنسان يؤثّر تأثيرًا مباشرًا على نتائج العلاج.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.