أفكار ووساوس غريبة تقودني للحلف بالأيمان، فكيف أتخلص منها؟
2021-01-17 03:35:05 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم.
في بداية الأمر أنا أعاني من بعض الأوهام والأفكار التي تضايقني وتسيطر علي، ووساوس غريبة تنغص علي حياتي وتشل تفكيري، لدرجة أنني أحس بالاكتئاب والضيق، وأتحدث بها مع نفسي، وأتمتم بكلمات بيني وبين نفسي، ومن ضمن الأمور أنني كنت أعتقد أن هناك من يسمعني وأنا أتمتم، حتى عندما يتصل بي أي شخص كنت أسجل لنفسي حتى أتأكد أن صوتي سينسمع أم لا.
أنا مصاب بالوسواس القهري في مواضيع كثيرة والشك، لدرجة أنه يصيبني بالهم والحزن، وأحس كأني مجنونا، وبدأت أقوم بأفعال، وعندما أراجع نفسي أقول كيف فعلتها، ومن تكرار الأفعال بدأت أقوم بالحلف بعلي اليمين وعلي الطلاق لكي أتوقف عن هذه الأفعال، وحتى لا أرجع إليها، مع أنني ضد الحلف بالطلاق أو اليمين، ولكني كنت أفعل هذا لمنع نفسي، ولأؤكد لنفسي أشياء، ولكنني أتضايق من حلفي هذا، وقمت بحنث هذا الحلفان أكثر من مرة، مرة بسبب الوسواس، ومرة اعتقدت أنني حنثت ناسيا، فقمت فاعتقدت أن حلفي انتهى، فقمت بالفعل الذي حلفت عليه أيضا بسبب الوسواس.
أنا الآن لا أعلم أن كنت فعلت هذا الأمر بسبب أن الحلف انتهى بسبب نسياني، أو فعلت تحت تأثير الوسواس، كما رأيت أنني في حالة سيئة جدا، وأخشى أنني خسرت حياتي الزوجية بسبب كثرة الحلف الذي ذكرته في أول الرسالة، والله أنا لا أتمنى الحلف، ولكن بسبب هذا الوسواس، لأنني كنت متضايق، ولأنني أريد أن أبعد عني هذه الأمور لكي لا أفعلها مرة أخرى.
نقطة ثانية: هناك أمر حلفت عليه ولكن بعيد عن الوسواس، ولكني متناسي أن كنت حلفت بالله، أو باليمين، أو بالطلاق، وأقسم لك أنني فعلا غير متذكر، وأحس في كل فترة أنني أقسمت بأي قسم منهم ولكني مرتاح أكثر أني حلفت بالله، فما حكم ذلك؟
أرجو منك أن تقرأ رسالتي جيدا وتفيدني، فهل أنا وقعت في الطلاق أو علي كفارة؟ وهذا الحلف أو ما مضي منه أنا محاسب عليه أم لا؟ فأنا في عذاب.
وشكرا لكم.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نرحب بك في الشبكة الإسلامية، ونسأل الله لك التوفيق والسداد، ونشكرك على ثقتك في هذا الموقع.
بالنسبة للجوانب الشرعية حول الحلف سوف يفيدك الشيخ عقيل المقطري حفظه الله. أمَّا من الناحية النفسية فأنا أقول لك أن الوساوس الفكرية علاجها ليس صعبًا، خاصة عن طريق الأدوية، وبالنسبة لموضوع الحلف الذي تُكرره كثيرًا والذي اتخذتَه وسيلة دفاعية لتقاوم بها الوساوس، أعتقد أن هذه وسيلة خاطئة – أيها الفاضل الكريم – ويجب أن تُحقّر الوسواس في أصله وفي ذاته، وتُقاومه، ولا تخوض فيه أبدًا.
عدم حوار الوسواس يؤدي إلى تحقيره، ويمكن أيضًا أن تلجأ إلى علاجات تنفيرية، مثلاً تربط الفكرة الوسواسية بحادث يؤدي إلى شعور مخالف تمامًا للوسواس، مثلاً: تذكّر حادثًا مؤلمًا، تصادم سيارة أو احتراق طائرة، واستجلب الفكرة الوسواسية، واربط ما بين الاثنين، كرر هذا التمرين.
يمكنك أيضًا أن تُطبق التمارين بطريقة أخرى، وذلك بأن تشمَّ رائحة كريهة – إذا وجدتّها – وفي نفس الوقت تستجلب الفكرة الوسواسية، وتُكرر هذا التمرين أيضًا عدة مرات، وهذه من التمارين المنفرة الجيدة جدًّا.
أيضًا من التمارين إيقاع الألم بالنفس، بأن تقوم مثلاً بضرب يدك بشدة وقوة على سطح صلب كسطح طاولة حتى تحس بالألم، وفي ذات الوقت تستجلب الفكرة الوسواسية أو الخاطرة الوسواسية، لأننا لا نريدها أن تصل لمرحلة التفكير وتكوين الصورة الذهنية، نُريدها أن تتفتت وأن تتضاءل وأن تضمحل في بدايتها كخاطرة.
فإذًا – أخي الكريم – هذه حيل وتمارين سلوكية ممتازة، وسوف يظلُّ مبدأ تحقير الوسواس وعدم الخوض فيه وعدم تحليله هو الشيء الأساسي والرئيسي، وحتى مَن اشتكى من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن هذه الوساوس نصحهم الرسول صلى الله عليه وسلم أن يقول مَن أصابه ذلك: (آمنت بالله) وأمره بالاستعاذة وبالانتهاء فقال: (فليستعذ بالله ولينتهِ)، وقلَّل من شأن هذه الوساوس بقوله: (الحمد لله الذي ردَّ كيده إلى الوسوسة)، والانتهاء معناه ألَّا يحاور الوسواس ولا يناقش الوسواس ولا يسترسل مع الوسواس، ولا يتمسّك بمحتوى الوساوس أبدًا.
فإذًا أكثر من ذكر الله، واستعذ بالله من الشيطان، وقل: (آمنت بالله)، وهذا إن شاء الله فيه نفع كبير لك.
البشارة الكبرى التي أريد أن أزفّها إليك أن العلاجات الدوائية تُساعد كثيرًا في علاج هذه الوساوس، وأنت أضفت إضافة أيضًا مهمّة، وهذه الإضافة تُوضِّح أن وساوسك تحمل أيضًا الجانب الشكوكي الظِّناني، وفي هذه الحالة لابد أن نصف لك دوائين:
الدواء الأول يُسمَّى تجاريًا (بروزاك) واسمه العلمي (فلوفكستين) تبدأ في تناوله بجرعة كبسولة واحدة يوميًا، لمدة أسبوعين، ثم تجعلها كبسولتين يوميًا – أي أربعين مليجرامًا – وبعد شهرٍ تجعلها ثلاث كبسولات – أي ستين مليجرامًا – يوميًا، وهذه الجرعة جرعة كافية جدًّا، علمًا بأن الجرعة القصوى هي ثمانين مليجرامًا في اليوم، لكنك لن تحتاج لها.
استمر على هذه الجرعة العلاجية – أي ثلاث كبسولات في اليوم – لمدة ثلاثة أشهر، ثم خفضها إلى كبسولتين يوميًا لمدة ثلاثة أشهر أخرى، ثم كبسولة واحدة يوميًا لمدة ثلاثة أشهر أيضًا، ثم كبسولة يومًا بعد يومٍ لمدة شهرٍ، ثم توقف عن تناول الدواء.
أمَّا الدواء الآخر والدواء الداعم للجانب الظناني والشكوكي فهو (رزبريادون)، أريدك أن تتناوله بجرعة واحد مليجرام ليلاً لمدة أسبوعين، ثم تجعلها اثنين مليجرام ليلاً لمدة شهرين، ثم واحد مليجرام ليلاً لمدة شهرين آخرين، ثم تتوقف عن تناول الدواء، كِلا الدوائين من الأدوية السليمة والأدوية الفاعلة، وغير الإدمانية.
أخي الكريم: بالنسبة للبروزاك: له أثر جانبي بسيط، حيث إنه قد يُؤخّر القذف المنوي قليلاً عند المعاشرة الزوجية، لكنه لا يُؤثّر على هرمون الذكورة أو الصحة الإنجابية.
بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.
--------------------------------------------------------------------------
انتهت إجابة د/ محمد عبد العليم.....استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان.
وتليها إجابة د/ عقيل المقطري ........ مستشار العلاقات الأسرية والتربوية.
--------------------------------------------------------------------------
مرحبا بك في الشبكة الإسلامية وردا على استشارتك أقول:
فأنت تعاني من الوسواس، وهذا الوسواس يأتيك أحيانا على أنك معافى في تلك الحالة، ولكن الصواب أن تلك الصورة إنما هي صورة من صور الوسواس، فكونك تحلف الأيمان من باب منع النفس من فعل أمر ما هو من الوسواس، ولذلك تحدث لك الإرباكات الكثيرة ما يؤدي إلى وقوعك بخلاف ما تريد.
الأيمان التي تصدر منك لا معنى لها كونك شخص موسوس، ولا كفارة عليك فيها؛ لأنك لن تتوقف هنا بل ستستمر في الأيمان.
لا يقع الطلاق في هذه الحال كون اليمين أتت بغير إرادتك، ولا عبرة بأي يمين صدر منك، فلا داعي أن تشغل فكرك بذلك، وعليك أن تبدأ بمعالجة الوسواس.
اعلم أن الوسواس لا يكاد يستثني أحدا، ولكن الناس تجاهه على قسمين القسم الأول: يحتقر تلك الأفكار الوسواسية ولا يسمح لها بالدخول إلى عقله، ولا يسترسل أو يتحاور معها، ويبادر بالاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم منها، فهذا الصنف ينجو منها، ويخنس الشيطان منه.
وأما القسم الثاني: فهو الذي يتقبلها ويسمح لها بالدخول إلى عقله، ويبدأ بالإصغاء لها، ويتحاور ويسترسل معها، فهذا الصنف هم الذين يفترسهم الشيطان ويعبث بهم وبحياتهم، ولعلك من هذا الصنف.
يجب أن يكون عندك الرغبة القوية الأكيدة للخروج من هذا المأزق والمزلق الخطر، ويجب أن تجاهد نفسك من أجل مواجهة الشيطان ووساوسه، فأنت أقوى منه وهو لا يستطيع المواجهة، ولذلك لجأ إلى الوسوسة.
أول خطوة في علاج الوساوس احتقارها وعدم تقبلها أو السماح لها في الدخول إلى عقلك، وكذلك عدم التحاور معها، مع الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم فور ورودها، والنهوض من المكان الذي أتتك فيه، وإشغال نفسك بأي عمل يلهيك عنها.
من العلاج أيضا كثرة ذكر الله تعالى، فإن الشيطان ينفر من الشخص الذي يديم ذكر الله تعالى، يقول سيدنا ابن عباس رضي الله عنهما: (الشَّيْطَاْنُ جَاْثِمٌ عَلَىْ قَلْبِ اْبْنِ آدَمَ، فَإِذَاْ ذَكَرَ اللهَ خَنَسَ، وإِذَا غَفَلَ وَسْوَسَ).
احذر من الاختلاء بنفسك فإنها من أسباب توارد الوساوس، والشيطان يفرح بذلك كونه يختلي بك، فاجعل حياتك مع أفراد أسرتك، وانشغل في التعليم والتوجيه، وتجاذب أطراف الحديث معهم، ولا تبتعد عنهم.
المحافظة على أذكار اليوم والليلة، ومنها أذكار الخروج من البيت والدخول فيه، فإن الرجل إذا دخل بيته وسمى الله تعالى وسلم على أهله قال الشيطان لا مبيت لكم، فإن سمى الله على الطعام قال الشيطان لا مبيت لكم ولا طعام.
ينبغي المداومة على أذكار الطعام والشراب، وأذكار الدخول والخروج من الحمام، فإن الحمام هو مسكن الشياطين فإن أتيت بالذكر تنحوا عنك.
من المهم جدا المحافظة على أذكار النوم والاستيقاظ منه، ففي ذلك حرز من الشيطان الرجيم، وكذلك أذكار دخول المسجد والخروج منه، ففي أذكار دخول المسجد دعاء: (أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم) فمن قال ذلك قال الشيطان عصم مني سائر اليوم.
حافظ على أداء الصلوات في أول أوقاتها، وتضرع بالدعاء بين يدي الله تعالى وأنت ساجد، وسل ربك أن يصرف عنك الشيطان الرجيم ووساوسه، وادع الله بقلب حاضر وبيقين تام أن الله تعالى سيستجيب لك، ولا تستعجل، ولا تقطع الدعاء، وعليك أن تأتي بآداب الدعاء، وأكثر من دعاء ذي النون (لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَاْنَكَ إِنِّيْ كُنْتُ مِنَ الْظَّاْلِمِيْنَ)، فما دعا به أحد في شيء إلا استجاب الله له، يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الحُوتِ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ).
الزم الاستغفار، وأكثر من الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- فذلك من أسباب تفريج الهموم، وتنفيس الكروب، ففي الحديث: (مَنْ لَزِمَ الِاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: (إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ).
لا بد من المبادرة بالعمل بهذه الموجهات، فإن عجزت فلا بد أن تذهب لطبيب نفساني، ففي العلاج بالعقاقير نفع بإذن الله تعالى، لكني أنصحك أن تجتهد نفسك للعمل بالموجهات السابقة؛ لأن العقاقير لها تبعات.
نسعد بتواصلك، ونسأل الله تعالى لنا ولك التوفيق.