مرض الفصام... أعراضه وعلاجه
2006-01-23 23:49:08 | إسلام ويب
السؤال:
بسم الله الرحمن الرحيم
نأمل منكم التكرم بعرض هذه الحالة على الدكتور طارق الحبيب ليجيب عليها بنفسه، والحالة تتلخص بالآتي:
عندي ولد متدين، عمره 22 عاماً، وقد كتبت عنه الروضة في صغره بأنه يميل إلى الانطواء، وقد سجل في كلية الجبيل الصناعية ونجح في السنة الأولى، وتعدّى مادة الإنجليزي، ولقد كان زملاؤه في الفصل يحثونه على الخروج معهم إلى خارج سكن الكلية من أجل تناول العشاء معهم ولكنه يرفض بحجة أنه يريد المذاكرة فيبقى وحده بالغرفة، وسرعان ما ينام مبكراً، ثم قد يستيقظ مبكراً في الليل، ويظل يفكر ولا يستطيع أن ينام نوماً عميقاً، الأمر الذي يترتب عليه أنه إذا بدأت الدراسة في الصباح فإنه يهجم عليه النعاس، وإضافة على ذلك فإنه يقول أنه لا يستطيع التركيز في فهم المحاضرة التي يتم إلقاؤها في الفصل.
وقد حاولت أن أزرع ثقته بنفسه -بعد التوكل على الله- فاشتريت له سيارة قبل أن يسجل في الكلية، وكنت أرسله ليشتري أغراض البيت، وأرسله لينوب عني في مراجعة الدوائر الحكومية، ولكن الولد لا يذاكر دروسه، وعندما أحثه على ذلك يقول إنه لا يستطيع التركيز بسبب التفكير والصداع؛ فذهبت به إلى طبيب أخصائي الباطنية ففحصه وطلب له أشعة مقطعية، وكانت النتيجة سليمة، ونصحه وبين له خطورة التفكير وضرره ونصحه بالتركيز في دراسته، ولكن الولد استمر على التفكير واستمر في شكواه من الصداع وأن أذنيه يخرج منها صوت أحياناً بصفة متكررة في فترات متباعدة.
ثم ذهبت به بعد ذلك إلى الأخصائي النفسي وفحصه وأثنى الولد على حسن تعامل الطبيب معه وأخلاقه، وأعطاه الطبيب حبة يومياً أظنها مسكنة ومهدئة، ولكن الولد ظل على تفكيره وشكواه من الصداع، ثم ذهبت به إلى أخصائي الأذن والحنجرة وتم إعطاؤه حبوب مضاد حيوي، ولم تتغير حالة الولد.
ثم ذهبت به إلى طبيب الأسنان لفحص سبب الصداع الذي يشتكي منه فلم يجد في أسنانه شيئاً، والولد ينام في المجلس بحجة أنه يساعده على النوم دون تفكير بسبب كبره وسعته، والولد يكره الذهاب للمعالجة عند الطبيب كأنه يستحي أو يتكاسل إلا إذا أصريت ولحيت عليه بالذهاب.
والآن الولد رسب بجميع المواد فأشرت عليه بترك الكلية قبل أن يطرد منها؛ لأنه يقول أنه لا يذاكر بسبب عدم استطاعته للتركيز، فلما جلس عندنا في البيت جعل يفكر ويتململ فيقول عن نفسه أنا فاشل، اجعلوني أسكن مع الهندي راعي الغنم في البر، فقلت له حاول أن تسجل في كلية الشريعة في الأحساء فذهب وسجل، وقلت له لا يمكن أن تنجح أيضاً في الشريعة إلا إذا ذاكرت دروسك وركزت مع المحاضر، فقال سأحاول وأظن أنني لا أستطيع التركيز بسبب التفكير، فحثيته على أن أزوجه لعله يرتاح نفسياً ولكنه يرفض الزواج بشدة كأنه يستصعب مقابلة الزوجة، فالولد يشعر بخجل، وإذا سمع كلاماً يظن أنه هو المعني به وأنه انتقاد له، وإذا سمعني أتكلم مع أمه أو أتكلم مع نفسي بصوت لا يسمعه فإنه يسألني ماذا أقول، كأنه يشك بنفسه كأنه غير واثق بنفسه.
وهو أحياناً كثيرة يمتنع عن الطعام ويقول أنه يريد يعمل رجيم؛ لأنني إذا صمت أو امتنعت عن الأكل كأن التفكير أو الصداع يقل، وهو لا يهتم بهندامه وأحياناً أضغط عليه بأن يلبس ثوباً ومنديلاً مكوياً وأن يعتني بذلك ولكنه لا يعير ذلك اهتماماً ألبتة، فهو يبخل على نفسه وليس له رغبة أو هدف، ويحاول أن يدرس أو أن يحصل على وظيفة دون رغبة ولكن مجاراة للناس، نأمل إفادتنا عن علاج حالته؟
وجزاكم الله خيراً.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أبو عبد الرحمن حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
من السرد الذي ورد في رسالتك أستطيع أن أتلمس أربع أعراض أساسية:
العرض الأول هو التدهور الأكاديمي الواضح وعدم الإنجاز.
العرض الثاني: ابنك ربما يكون عرضةً لسماع بعض الأصوات الغير موجودة.
العرض الثالث: هو أنه يلجأ في بعض المرات إلى الظنان أو الاعتقاد، وأقصد الاعتقاد الخاطئ بأن الناس تقصده وذلك من خلال سوء التأويل.
العرض الرابع: عدم اهتمامه بمظهره وهندامه كما ذكرت.
نحن -يا أخي- نقول لك وبكل أمانة علمية: هذه الأعراض الأربعة تمثل أعراضاً مرضية أساسية، وكنت أتمنى أن يعرض هذا الابن الفاضل على أحد الإخوة الأطباء النفسيين الاستشاريين؛ لأن ذلك سوف يكون أكثر دقة؛ لأن المريض يتطلب محاورة الطبيب ومحادثته وملاحظة حركاته وسكناته، ثم تقصي الطبيب لبعض المعلومات التي يريدها عن طريق الأهل، ومن خلال ما زودتنا به أرى أن هذا الابن -نسأل الله له الشفاء- يُعاني من علةٍ نفسية ربما تكون علةً رئيسية تتمثل في إصابته ببعض أعراض مرض الفصام.
ومرض الفصام من الأمراض الموجودة الآن، وهو عدة أنواع، منها الخفيف ومنها الشديد، وأحسب أن ابنك يُعاني من النوع الخفيف إلى المتوسط، وهو بالطبع يتطلب العلاج، والعلاج في مثل هذه الحالات يقوم على العلاج الدوائي في المقام الأول، والدواء يتطلب الالتزام والانتظام في الجرعات، وبفضل الله تعالى توجد الآن أدوية قوية وفعالة لعلاج مثل هذا المرض.
الدواء الذي يوصف وينصح به في مثل هذه الحالة يُعرف باسم (ولانزبين) أو (زبركسا) وهذا هو الاسم التجاري، والجرعة التي نبدأ بها هي 5 مليجرام ليلاً لمدة أسبوعين، ثم ترفع إلى 10مليجرام ليلاً، وبعد شهر من بداية العلاج إذا لم تتحسن حالته يمكن أن تُرفع الجرعة إلى 15مليجرام يومياً، ومدة العلاج لا تقل عن عام وربما تزيد عن ذلك.
(الزبركسا) من الأدوية الممتازة والفعالة، ولكن يُعاب عليه أنه مكلف مادياً بعض الشيء، كما أنه ربما يؤدي إلى زيادةٍ في الوزن لدى بعض الناس، وهذه طبعاً يمكن التخلص منها عن طريق التحكم في الطعام.
من الأدوية الأخرى الجيدة والممتازة لعلاج مرض الفصام العقار الذي يُعرف باسم (رزبريدول)، والجرعة 2 مليجرام ليلاً، ثم بعد أسبوعين يمكن أن ترفع الجرعة إلى 4 مليجرام ويستمر عليها، وإذا لم يتحسن بعد شهر لا مانع أن ترفع إلى 6 مليجرام يتم تناولها بمعدل 2 مليجرام في الصباح ثم 4 مليجرام ليلاً.
هذه -يا أخي- هي خطوط العلاج الأساسية من الناحية الدوائية، وتوجد أدوية أخرى كثيرة.
والجانب الآخر في العلاج هو العلاج التأهيلي، وأنت والحمد لله متفهم لذلك تماماً، وقد حاولت بكل الطرق والسبل، فأرجو أن تواصل، وأهم شيء لتأهيل هذا الابن هو أن يشعر بمكانته في الأسرة وبأهميته، وأن يشارك في قرارات الأسرة، وأن تتاح له فرصة تعليم معقول، بمعنى أنه ربما لا يستطيع المواصلة في الكليات التي تتطلب الجهد العلمي الكبير.
ختاماً: لا زلت أرى أنه سيكون من مصلحة هذا الابن عرضه على أحد الأطباء النفسيين، وبفضل الله تعالى المملكة العربية السعودية يوجد بها عدة أطباء، وكما تعلم الأخ الدكتور الطارق الحبيب موجود في الرياض في جامعة الملك سعود ولديه أيضاً عيادة خاصة تُعرف بعيادات النخبة.
أسأل الله التوفيق والشفاء لابنك، وبارك الله فيك.