كيف أتخلص من الوساوس القهرية التي تصيبني بالشك؟

2021-02-25 02:14:46 | إسلام ويب

السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله.

أنا فتاة عمري 12 سنة، بدأت معي الوساوس هذا العام، حيث كنت أعاني من نوبات الهلع، ثم أصبت بوساوس قهرية في الانتحار وإيذاء الغير، وبعدها أصبت باضطراب الأنية، ثم بدأت تأتيني وساوس الشك في وجود الله مما أصابني برعب شديد، وأصبحت أشك في يقيني، علما أنني زرت طبيبا، فأنا خائفة جدا من هذه الوساوس الكفرية.

الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ مارية حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أرحب بك في الشبكة الإسلامية، وأسأل الله لك العافية والشفاء والتوفيق والسداد.

أنا أطمئنك تمامًا – وأنت في عمر اليفاعة هذا – الوساوس قد تأتي، خاصة الوساوس الدينية أو وساوس العنف، هذه كثيرًا ما نُشاهدها في مثل عمرك، لكن أطمئنك تمامًا هي دائمًا تكون لحظية، ووقتية، وعابرة، ولن تستمر معك.

أولاً: الوسواس يجب أن يتم تجاهله، يجب ألَّا تقومي بمناقشة هذه الأفكار مطلقًا، وأريدك أن تكتبي هذه الأفكار الوسواسية، وبعد ذلك تأخذي الفكرة الأولى وتُخاطبيها قائلة: (قف، قف، قف، أنتَ وسواس حقير، أنا لن أهتمّ بك)، تُكرِّري هذه المقولة عدة مرات، مائة مرة مثلاً، وبعد الانتهاء من ذلك تنتقلين إلى الفكرة التي تليها، ودائمًا ابدئي بالأفكار الأقلَّ شدة، وانتهي بالأفكار الأكثر شدة. وبنفس المفهوم تخاطبي الفكرة (قف، قف، قف، أنت وسواس حقير، ...) وهكذا، هذا يُسمَّى بتمرين (وقف الأفكار)، وهو تمرين جيد إذا طبَّقه الإنسان بصورة صحيحة.

وأهم شيء ألَّا تدخلي في حوارات مع الوسواس، الخطأ الجسيم الذي يقع فيه الناس هو أن الفكرة الوسواسية حين تبدأ وتثير الفضول عند الإنسان يبدأ الإنسان في التفكُّر فيها وتشريحها، وطبعًا محاولة صدَّها، وحين يفشل الإنسان يعتقد أن هذه الفكرة هي جزء من حياته، ويحاول أن يجد تفسيرات لها، ومن ثمَّ يدخلُ في هذا الحوار الوسواسي، لا، أنا لا أريدك أبدًا أن تدخلي في هذه الحوارات الوسواسية، وأن تُعالجي الوسواس من خلال إيقاف الأفكار.

وتمرين آخر تمرين جيد نُسمِّيه (تمرين التنفير) وهو: أن تربطي الفكرة الوسواسية – حسب الجدول الذي قمت بإعداده – تأخذين الفكرة الأولى، وفي نفس اللحظة مثلاً تتخيّلين حدثا كارثيا، مثلاً كاحتراق طائرة، أو حادث تصادم سيارة، وفي نفس الوقت واللحظة تفكّرين أيضًا في الفكرة الوسواسية. العلماء وجدوا أننا حين نقرن الفكرة الوسواسية بفكرة أخرى لا تُحبها النفس سوف تضعف الفكرة الوسواسية. هذا أيضًا تمرين يتطلب التكرار.

أو يمكن أن تطبقي هذا التمرين بصورة أخرى: اجلسي مثلاً أمام طاولة في مكان هادئ، واستجلبي الفكرة الأولى، وفي نفس اللحظة قومي بالضرب على يدك بقوة وشدة. كرِّري هذا التمرين عدة مرات. علماء السلوك أيضًا وجدوا أن إيقاع الألم على النفس والتفكير في الفكرة الوسواسية في ذات إيقاع الألم على النفس يُضعف الوسواس.

هذه التمارين في ظاهرها ليست جِدِّية، لكنّها جِدِّية جدًّا وعلمية جدًّا وممتازة جدًّا.

أيضًا من الأمور الجيدة تغيير نمط الحياة، اجعلي نمط حياتك فيها حيويَّة، وزّعي وقتك بصورة جيدة، احرصي على صلواتك في وقتها، احرصي على الأذكار، تلاوة القرآن، اجتهدي في دراستك، مارسي أي رياضة تناسب الفتاة المسلمة، اجلسي مع أخواتك ووالدتك، وناقشي معهم المواضيع الحياتية المختلفة، تواصلي مع صديقاتك، تجنّبي السهر، وتجنبي النوم بالنهار، ونامي مبكّرًا، واستيقظي مبكّرًا، وافعلي الخير، وكوني نافعة لنفسك ولغيرك.

إذًا أن تستفيدي من الوقت هذا في حد ذاته علاج.

هذه هي الأشياء التي أودُّ أن أنصحك بها، وإن لم تتحسّني في ظرف شهرٍ يجب أن تذهبي إلى الطبيب ليصف لك أحد الأدوية المضادة للوساوس، وفي مثل عمرك هذا عقار مثل الـ (بروزاك) أو عقار (فافرين) كلاهما سيكون مناسبًا، وأنت تحتاجين لدواء واحد، إذا لم تتوقف هذه الأفكار الوسواسية.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.
----------------------------------------------------------
انتهت إجابة : د. محمد عبدالعليم -استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان-،
وتليها إجابة: د. عقيل المقطري -مستشار الشؤون الأسرية-.
-----------------------------------------------------------

مرحبا بك -ابنتي الكريمة- وردا على استشارتك أقول:
- فإن مصدر الوساوس هو الشيطان الرجيم الذي توعد بإغواء بني آدم، وخاصة أولئك الذين يظهرون ضعفهم أمامه كونهم يقبلون تلك الوساوس ويتحاورون معها، ويسمحون لها بالدخول إلى عقولهم، لأنه يريد تكثير حزبه ليكونوا من أصحاب النار والعياذ بالله تعالى.

- اعلمي أن الشيطان ضعيف جدا ولا يقوى على مواجهة الإنسان، ولذلك يلجأ إلى الوسوسة، فأنت أقوى منه، المطلوب منك فقط أن تحتقري وساوسه وتوقني أنه كذاب يريد إضلالك ويعكر حياتك.

- الأمر الثاني المطلوب منك أن تقطعي الوسواس فور وروده، وألا تتركي له يكمل وسواسه، وكذلك لا تسمحي له أن يدخل كلامه إلى عقلك، ولا تتحاوري معه أبدا مع الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم والنهوض من المكان الذي أتتك وأنت فيه، وتشغلي نفسك بأي عمل يلهيك عن ذلك الوسواس.

- احذري من الخلوة؛ لأن ذلك يحبه الشيطان حيث يختلي بك ويورد عليك وساوسه، وعليك أن تختلطي بأسرتك وتعيشي مثلهم.

- اجتهدي في تقوية إيمانك من خلال كثرة العمل الصالح، فذلك سيعينك على الانتصار على الشيطان الرجيم وسيجلب لك الحياة الطيبة كما قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).

- يجب أن تصري على الانتصار على الشيطان الرجيم، وأن تجاهدي نفسك في هذا الباب، فمن جاهد نفسه أوصله الله إلى مراده كما قال تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ).

- أكثري من ذكر الله تعالى فإن الذكر مما ينفر الشيطان الرجيم، كما قال ابن عباس رضي الله عنه: (الشَّيْطَاْنُ جَاْثِمٌ عَلَىْ قَلْبِ اْبْنِ آدَمَ، فَإِذَاْ ذَكَرَ اللهَ خَنَسَ، وإِذَا غَفَلَ وَسْوَسَ).

- أكثري من تلاوة القرآن الكريم واستماعه، فذلك سيعينك على طرد الشيطان وسيجلب لقلبك الطمأنينة كما قال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ).

- حافظي على أذكار اليوم والليلة كاملة، واستعيني بكتاب حصن المسلم للقحطاني أو تطبيق أذكار المسلم، واجعلي لسانك رطبا من ذكر الله تعالى.

- اعلمي أن الشيطان الرجيم يعترف بوجود الله ولا يشك فيه، فكيف يوحي إليك ويشكك بالله تعالى؟ أليس هو كذاب في وسواسه ولا يريد لك الخير؟ بل يريد أن يفسد حياتك واسمعي له وهو يقول ينادي ربه فيقول: ( رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ) فقال الله له: (فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ إِلَىٰ يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ) فقال الشيطان: (رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ).

- حافظي على أداء الصلاة في أول وقتها، واحرصي على عدم تأخيرها واحذري من أن تطيعي الوسواس في إعادة أي شي منها أو من الوضوء.

- تضرعي بالدعاء بين يدي الله تعالى وأنت ساجدة، فإن أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، وسلي الله تعالى أن يصرف عنك الشيطان ووساوسه وأن ينصرك عليه، وأكثري من دعاء ذي النون (لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَاْنَكَ إِنِّيْ كُنْتُ مِنَ الْظَّاْلِمِيْنَ) فما دعا به أحد في شيء إلا استجاب الله له، يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (دَعْوَةُ ذِي النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِي بَطْنِ الحُوتِ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ).

- الزمي الاستغفار وأكثري من الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-، فذلك من أسباب تفريج الهموم وتنفيس الكروب ففي الحديث: (مَنْ لَزِمَ الِاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) وقال لمن قال له أجعل لك صلاتي كلها: (إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ).

- نفذي ما سبق من الموجهات واستمري في ذلك، فسوف يخنس الشيطان الرجيم بإذن الله تعالى، واستعيني بالله ولا تعجزي فإن من استعان بالله أعانه ومن توكل عليه كفاه، فإن عجزت فلا بد من الذهاب إلى طبيب نفساني مع اتباع تعليماته بدقة في استعمال الدواء فإن إنقاص الجرعة أو توقيفها دون إذنه له آثار سيئة.

نسعد بتواصلك، ونسأل الله تعالى أن يصرف عنا وعنك الشيطان الرجيم ووساوسه، إنه سميع مجيب.

www.islamweb.net