لماذا الأذى ينزل بالأخيار أكثر من الأشرار؟

2021-09-22 02:07:00 | إسلام ويب

السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

لماذا الطيبون في هذا العالم هم من يموتون ويقتلون ويعذبون صغاراً وكباراً من المسلمين وغير المسلمين؟ لماذا يكون قدر أطيب الطيبين من جميع الأجناس والأديان في أنحاء العالم هم من يعانون ويعذبون ويقتلون؟ لماذا هم وليس الأشرار من الذين يمكرون ويسرقون ويغتصبون ولا يشعرون بأي أسى أو حزن أو ندم؟ وسؤالي ليس فقط عن المسلمين، وإنما عن جميع البشر أجمعين.

وأسأل الله أن يرفع قدركم في الدنيا والآخرة، ويجمعنا في جناته جنات النعيم يا رب العالمين.

ولكم جزيل الشكر والتقدير.

الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد المحسن حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبًا بك -ابننا الفاضل- في الموقع، ونشكر لك هذا السؤال الرائع الذي ذكّرني بموقفٍ رائعٍ لأحد كبار السّن، الذي قال لمَّا سُئل مثل هذا السؤال لبعض العلماء، حكى قصة أقولها مختصرة، قال: كانت امرأة لا تُنجب، ثم أنجبت طفلاً في وقتٍ متأخّر، طبعًا يُصبح الطفل غاليا جدًّا عند والديه، لكن هذا الطفل كان مختلفًا، لا يأتي لأُمّه، ولا يقول (يا أُمّي) ولا يُعانقها، ولا ... يعني: ليس عنده هذه الجوانب. خرجَ يومًا فضربه أبناء الجيران، فجاء يبكي وقال: (أُمّي، أُمّي، أُمّي)، فخرجت الأُمّ وأعطتْ أبناء الجيران حلوى وقالت: (اضربوه كل يوم، لأني أريد أن أسمع: يا أُمّي، يا أُمّي، يا أُمّي).

قال لي أحد الظرفاء: هل تجد في هذا تفسيرًا لما يحدث للمسلمين والطيبين من آلام وأحزان؟ قلتُ له: أجل، لقد قال الإمام ابن القيم كلامًا جميلاً عند قوله تعالى: {فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يضرّعون}، {لعلهم يتضرعون}، {لعلهم يرجعون}، وأن البلاء ينقسم على الناس فينقسموا إلى طوائف ثلاثة: طائفة كانت غافلة لاهية، تعودُ إلى الله تبارك وتعالى، فتتضرّع وترجع إلى الله.

وطائفة كانت على الخير، فيأتي هذا البلاء لترتفع عند الله درجات، فإن الله يُعدُّ لأوليائه درجات لا ينالونها إلَّا بصبرٍ على البلاء، و{إنما يوفّى الصابرون أجرهم بغير حساب}، ثم يرتفعوا بصبرهم على البلاء لينالوا منازل ما كانوا لينالوها إلَّا بالصبر على البلاء.

أمَّا الطائفة الثالثة والعياذ بالله فهي التي لا تتعظ ولا تهتم، وهذا كما قال الحسن البصري: مثل الحمار الذي لا يدري فيما ربطه أهله ولا فيما أرسلوه، ولكن قستْ قلوبهم، فلم يستفيدوا من الموعظة، {وزيّن لهم الشيطان ما كانوا يعملون}، فخُدعوا ببهارج أعمالهم، وهؤلاء والعياذ بالله على خطرٍ كبير.

ولذلك أنا أريد أن أقول: الدنيا من أوّلِها لآخرها لا تزن عند الله جناح بعوضة، ولو كانت كذلك ما سُقي كافرٌ منها جرعة -شربة- ماءٍ، وهي سجن المؤمن، وهي جنة الكافر. ولذلك أهل الإيمان وأهل الخير عندما يبتليهم الله تبارك وتعالى يرتفعوا درجات، وينالوا بصبرهم، ويعدلوا طريقهم، ويتوبوا إلى الله، ويلجئوا إلى الله، ويتضرعوا إلى الله، وكلُّ ذلك من الخير، والإنسان لا يدري من أين يأتي الخير، {وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خيرٌ لكم}.

ونحبُّ أن نكرر ونقول: البلاء ينزل على الجميع، لكن الناس فيه ينقسمون – كما قلنا – إلى طوائف ثلاثة:
1. طائفة كانت على الخير، فارتفعتْ وزادتْ أجرًا وثوابًا عند الله.

2. طائفة كانت غافلة فرجعت، {لعلهم يرجعون}، يتضرّعوا إلى الله، {فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا} هذا هو المفترض من الناس، أن يرفعوا أكفَّ الضراعة إلى الله إذا نزل بهم البلاء، أولئك كما قال الله فيهم: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.

3. طائفة كانت غافلة واستمرتْ في غفلتها، فأولئك والعياذ بالله {فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا} لكنهم لم يفعلوا {وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ}، وهم في شرِّ المنازل.

نسأل الله أن يرفع الغمّة عن الأُمّة، وأن يجعلنا ممَّن إذا أُعطي شكر، وإذا ابتُلي صبر، وإذا أذنب استغفر، و(عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحدٍ إلَّا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، أو أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له).

وفقك الله للخير، وجمع كلمة المسلمين وألَّف بين قلوبهم، وأصلح أحوالهم بفضله ومَنِّه، وجزاك الله خيرا.

www.islamweb.net