لماذا ننجب الأطفال ونعرضهم لفتن ومصاعب الحياة؟
2021-10-19 03:04:12 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم.
لدي سؤال يرهقني كثيراً وأبحث له عن إجابة، إن كان لدينا الاختيار، لماذا ننجب أطفالا في الدنيا وهي كل مدى تزداد صعوبة وفتن؟ ألسنا بذلك نصَّعب عليهم الحياة؟ ومن ناحية إعمار الأرض والأجر والثواب، أليس من الممكن فعل هذا عن طريق أعمال صالحة أخرى غير تربية الأبناء؟ فأنا أعلم أن الأبناء نعمة ومتعة عظيمة للأبوين، ولكن سؤالي هنا من ناحية الأبناء أنفسهم، أليس من الأفضل لهم عدم إيجادهم في الدنيا؟
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ صبا حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبًا بك ابنتنا الكريمة في استشارات إسلام ويب.
وجود الإنسان – أيتها البنت الكريمة – في هذه الحياة هي أعظم نعمة يُنعم الله تعالى بها عليه إنْ هو أحسن استغلال هذه النعمة، فهذا الوجود القصير الذي نُمضيه في هذه الحياة يُؤهِّلُنا للبقاء الدائم السرمدي الذي لا ينقطع، ونسأل الله تعالى أن يجعلنا جميعًا من السعداء أهل الخُلد في جنّات النعيم.
والله تعالى يمُنُّ على عباده في كتابه الكريم في آياتٍ عديدة بنعمة الإيجاد، بأنه خلقهم سبحانه وتعالى، وأوجب عليهم عبادته شُكرًا له على هذه النعمة، نعمة الوجود أولاً، وثانيًا: ليأخذوا بالأسباب التي تُؤهلهم للعيش الرغيد والحياة السعيدة الدائمة التي لا تنقطع في الدّار الآخرة.
ومن رحمة الله تعالى بنا نحن المسلمين أن سهّل لنا أسباب الهداية والدلالة على الله تعالى وعلى دينه الحق، ومن ذلك أن أوجدنا سبحانه وتعالى في بيئة مسلمة، من آباء وأمهات مسلمين، فسَهُل علينا معرفة هذا الحق والاهتداء إليه ومتابعته، وهذه نعمة أُخرى جزيلة أنعم الله تعالى بها علينا، فقد أوجدنا ثم هيأ لنا أسباب الهداية والعمل الذي يُوصلنا إلى جنّات النعيم، فنسأل الله تعالى أن يختم لنا بالإسلام، وأن يتوفَّانا وهو راضٍ عنَّا.
وما ذكرته من المشاق والمصاعب التي يعيشُها الإنسان المسلم في هذه الحياة، فهذه سُنّة الله تعالى وحكمته في هذه الدّار، أنها حياة للابتلاء وللامتحان، ولكن امتحان سهل ويسير، بقليلٍ من الصبر يجتازه المسلم، ويظفر ويفوز الفوز الذي لا شقاء بعده، فالله تعالى بحكمته وعدله أراد سبحانه وتعالى أن ينال كلّ أحدٍ جزاء عمله، وأقام هذه الحياة ميدانًا للاختبار، ثم أعدَّ الجوائز لمن فازوا في هذا الاختبار، فإنهم يفوزون الفوز الكامل الحقيقي بعد مماتهم بالعيش الهنيء الرغيد الذي لا ينقطع.
وفي هذا الاختبار القصير في هذه الحياة أمدّنا الله تعالى بكثير من الإمدادات التي تُعينُنا على هذا الاختبار، فإنه أرسل الرسل، وأنزل الكتب، ودلَّنا على الطريق، ويعوضنُا سبحانه وتعالى في كثيرٍ من الأحيان عن بعض المصائب التي تنزل بنا عِوضًا عاجلاً في هذه الدُّنيا، ويُخبرنا في كتابه الكريم على ألسنة الرسل أن مَن ابتُلي بشيءٍ في هذه الحياة فإن الله تعالى إنما يبتليه بذلك ليعوضه ما هو أعظم وأكثر أجرًا وأكثر سعادةً إنْ هو صبر واحتسب. والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة جدًّا.
فهذه هي طبيعة الحياة إذًا، وهذا هو المقصود منها، فإذا توجّه الإنسان إلى الغاية التي من أجلها خلقه الله تعالى وأوجده، وهي الصبر على ما يُريده الله تعالى منه من الطاعات واجتناب المعاصي، والصبر على ما يُقدّره الله تعالى عليه من الآلام والأقدار المكروهة، إذا توجَّه الإنسان إلى هذا وعمل به فإن الله تعالى يُهيأ له من أمره رشدًا، ويُسهّل عليه هذه الحياة، ويفوزُ بعدها بالجائزة العظيمة والحياة السعيدة التي لا تنقطع، فكيف يُتصوّر بعد هذا كلِّه أن يتمنّى الإنسان أنه لم يُوجد في هذه الحياة؟ أو يعتقد أن تسبُّب والديه في إيجاده كان إساءةً له، بل الأمر على خلاف ذلك، ولهذا جعل الله تعالى أولى الناس بالشكر وأحق الناس وأعظم الناس حقًّا على الإنسان بعد الله تعالى الوالدان، الوالدان لأنهما سبب لهذه النعمة الكبيرة، وهي نعمة الوجود التي تُؤهلُه للحياة الخالدة السعيدة التي لا تنقطع.
نرجو -إن شاء الله- أن تكون الصورة قد اتضحتْ لديك وزال عنك هذا الإشكال الذي هو في حقيقته ليس إشكالاً، وإنما غفلة عن مقدار هذه الحياة ونتائجها والثمار التي يجنيها الإنسان بعد انقطاع هذه الحياة مهما تكدّرتْ هذه الحياة بأنواع المنغصات.
نسأل الله تعالى أن يُوفقنا وإياك لأرشد الأمور.