قلق وعدم ثقة بالنفس واتخاذ القرار لسوء العلاقة بين البنت وأبيها
2006-03-21 13:01:09 | إسلام ويب
السؤال:
دكتوري الفاضل:
أود منك إيجاد حل لمشكلتي التي تؤرقني ليل نهار، وهي خوفي من والدي، الذي أدّى إلى شعوري بالكراهية له، وكأنه شبح بالنسبة لي، مع أنه في الفترة الأخيرة تحسنت معاملته معنا وأصبح يحترمنا، ولكن بعد ماذا؟ بعد فوات الأوان، فكيف يطالبني الآن -بعد أن تجاوزت العشرين من عمري، وتأصلت فكرة الخوف لدي، وبعد أن تغيرت حالته ونفسيته بعد تقاعده- يطالبني بالمحبة له والكلام معه وعدم الحياء منه.
فأنا في كثير من الأحيان أتجنب الجلوس معه، وأشعر بخوف شديد طول مدة جلوسي معه، وإذا ركبت معه في السيارة وحدي، أشعر بهلع وخوف وارتباك شديد، وأشعر كأنه شخص غريب، فأنا أتحدث مع خالي والرجال الغرباء الذين لا أعرفهم أكثر منه، ولا أشعر بذلك الشعور الذي أشعره عند تعاملي معه، ومع أنه يفرح إذا جلسنا معه، لكن إذا جلست معه لا أتحدث أبداً، وإذا استلزم الأمر رددت على أسئلته بنعم أو لا فقط.
وهو يسأل أمي دائماً: لماذا لايتحدثون معي؟ لماذا يصمتون بمجرد دخولي عليهم؟ لماذا يقومون من المجلس إذا أتيت؟ لماذا يتركون الأكل إذا كانو يأكلون إذا دخلت عليهم؟ لماذا ولماذا، أسئلة كثيرة يتساءل عنها ولا يجد إجابتها، وما علم أن إجابتها بيده.
فبعد أن كبر به السن واحتاج لأبنائه أن يقفوا معه ويساندوه، وجدهم على العكس مبتعدين عنه، وبيننا وبينه فجوة كبيرة لا يمكن أن أصفها، فهو كالشبح بالنسبة لي، وليس بوالد لي، مع العلم أنه لم يضربني في حياتي، إلا أني أخشى غضبه وسبه وصراخه، فأنا إذا سمعت أي صوت عالٍ ينتابني شعور بالخوف، مما تولّد عنه أزمة نفسية تنتابني دائماً، فلم أشعر بمشاعر الأمان لا مع أبي ولا مع أمي.
وأعتقد أن من الأسباب التي أدّت إلى ذلك، إهماله لي في صغري، وإبتعاده عنا، والوقت القصير الذي يمكثه معنا يكون ممزوجاً بالصراخ والعصبية والسب والشتم والتهكم والسخرية، ولكن والحمد لله الآن ذهبت عصبيته قليلاً، وأصبح قريباً من الله أكثر من قبل، وقريبا من أمي كذلك أكثر من قبل.
ومن الأضرار التي سببها والدي لي، عدم ثقتي بنفسي، وشعوري بالقلق دائماً، وعدم قدرتي على اتخاذ القرار، فأشعر أني محطمة نفسياً، فحاولت كثيراً في علاج ما أنا فيه، ولكن لم أستطع، فقرأت العديد من الكتب عن الثقة بالنفس، واستمعت إلى العديد من البرامج النفسية، ولكن دون جدوى، فالمشكلة راسخة في أعماقي، ولا أجد حلاً لها.
لذا أتردد كثيراً من الإقدام على الحياة الزوجية، خوفاً من أن أفشل فيها، لأني محطمة نفسياً، فكيف أعطي شخصاً آخر الأمان وأنا أفتقده؟ وكيف أعطي أبنائي الأمان والحب وأنا أفتقده؟ وفاقد الشيء لا يعطيه، فأنا أتعذب بصورة شبه يومية.
فأرجو منكم المسارعة بحل مشكلتي التي حطمت حياتي، ولا أريد منكم أن تقولوا لي: اذهبي إلى عيادة نفسية، لأنني لا أستطيع من ناحية المواصلات، ولا من الناحية المادية، ولا من ظروفي العائلية، ولا أريد كلاماً نظرياً لا يفيدني بشيء، فلولا ثقتي بالله ثم فيكم لما كتبت مشكلتي، ولا بحت لكم عما في خاطري من هموم لا يعلمها إلا الله سبحانه ثم أنتم، فكم ترددت بالكتابة لكم، ولكن عقدت العزم وكتبت، والله المستعان.
معذرة على الإطالة والركاكة في الأسلوب، واضطراب الأفكار، وشكر الله سعيكم.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ القلب الجريح حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
لن نقول لك كلاماً نظرياً لا يفيدك، ولكن سنقول لك كلاماً بسيطاً، وسوف يفيدك إن شاء الله إذا طبقتيه واتبعتيه.
ومجمل هذا الكلام أنه ليس من حقك أبداً أن تضخمي وتجسدي وتعملي على استمرار الخصومة بينك وبين والدك، قلت: إنه في الماضي كان قاسياً وصعباً، ولكنه الآن أصبح يتقرب إليكم بمنطق أنه أصبح أكثر حاجة إليكم.
الوالدان لا يمكن حسابهم بهذه الطريقة من جانب الأبناء، فهم لهم حقوق حتى ولو ابتعدوا عنا، حتى ولو تخيلنا أنهم قساة علينا، يجب أن لا نبتعد عنهم، ويجب أن لا نقسوا عليهم، ويجب أن نبرهم، ويجب أن نعطيهم حقهم، لا يجوز مطلقاً لا من الناحية الدينية ولا من الناحية التربوية والنفسية أن تعمقي الجراح بينك وبين والدك، وعفا الله عما سلف.
فهذا الأب الكريم الآن يريد أن يتحدث معكم، يريد أن يجالسكم، يريد أن يعطيكم شيئاً من الحب، فلماذا ترفضون ذلك؟! وحتى منهجه الأول في التربية وإن كان قاسياً، فلا أعتقد أنه قصد أن يلحق الأذى بكم، فحب الآباء لأبنائهم هو أمر جبلي وفطري، ولكن حبنا لآبائنا ليس فطرياً، ولذا انظري أن في القرآن الكريم معظم الآيات التي تحدد العلاقة مع الوالدين، كانت فيها توصية من الله تعالى للأبناء ببر والديهم، دائماً؛ لأن الحق عز وجل هو الذي يعلم أن الآباء سيحبون أبناءهم ويقدرونهم؛ لأن هذا شيء غريزي وفطري فيهم، فهم ليسوا بحاجة لأي توصية أو شد انتباه، حتى يقوموا بهذا الواجب.
صدقيني أن تغيير منهجك ومشاعرك نحو والدك سيكون هو المفتاح لكل صعوباتك، ولكل مخاوفك وعدم اطمئنانك من المستقبل ومن الزواج وخلافه.
أعط لوالدك حباً واحتراماً وستجدين أن حياته قد ازدهرت.
إذا تقدم نحوك خطوة يجب أن تتقدمي عشر خطوات، هذا هو المبدأ، فقد يعذر الوالد إذا أخطأ في حق أبنائه، ولكن لا يعذر الأبناء أبداً أذا أخطأوا في حقه.
لقد ذكرت أن والدك لم يضربك أبداً في حياته، وهذا شيء عظيم، فقد شاهدنا الكثير من الأبناء الذين كانوا يضربونهم آباؤهم، وبالرغم من ذلك فهم مثال في الحب والبر لآبائهم.
ماذا تريدين أكثر من أن يقول هذا الوالد لأمك: لماذا يصمتون لمجرد دخولي عليهم؟ لماذا يقومون من المجلس إذا أتيت؟ لماذا يتركون الأكل إذا كانوا يأكلون ودخلت عليهم؟ ماذا نريد منه أكثر من ذلك؟ في نظري لا شيء.
هذا أب كان ينتهج منهجاً تربوياً، ربما لم يكن كله صحيحاً، ولكن موقفه الآن صحيح، فأرجو مخلصاً أن تعيدي كل حساباتك، وأن تفتحي قنوات جديدة مع والدك، وأن تكوني أكثر براً له، وهذا هو الذي سيؤدي إلى حل كل الصعوبات الأخرى التي تعانين منها، وأرجو أن لا تضعي أو تفسري كل صعوباتك البسيطة الحالية بما حدث لك في الصغر.
المنهج النفسي السليم هو أن يعيش الإنسان حاضره بقوة ومستقبله بأمل، وأن ينظر في الماضي، ولكن ليس بهذه السلبية، لقد شاهدنا الكثيرين من الذين عاشوا حياة صعبة في طفولتهم، وبالرغم من ذلك لهم نجاحات كبيرة من الناحية النفسية والتربوية والاجتماعية؛ لأن النظرية التي تقول: إن صعوبات التربية تنعكس دائماً على الإنسان في مستقبل أيامه، هذه النظرية سقطت إلى درجة كبيرة، وهي ليست بالدقة المطلوبة، فقد أسقطتها المدرسة السلوكية التي ترى أن الإنسان يمكن أن يستفيد من مصادره ومن طاقاته ومن وجدانه ومن قواه المعرفية في أي لحظة، ويسخرها بصورة إيجابية إن أراد ذلك.
أرجو أن تغيري منهجك نحو والدك، انظري كم مرة وردت (يا أبت) على لسان سيدنا إبراهيم حين يخاطب والده، بالرغم من شقة الخلاف الكبيرة، وكانت حول العقيدة، ولكن بالرغم من ذلك كان يخاطبه بهذه الكلمة الطيبة الودودة.
أرجو أن تكوني أكثر براً بوالدك، فهذا إن شاء الله يشكل انطلاقة نفسية كبيرة بالنسبة لك.
وبالله التوفيق.