رغم العلاج لا زلت أعاني من الاكتئاب وانعدام رغبة التعامل!

2023-11-29 00:22:17 | إسلام ويب

السؤال:
السلام عليكم.

أعاني من صدمات تربوية منذ الطفولة، سببت لي الاكتئاب، وفقدان الشغف لسنوات طويلة، كنت أعاني من الانعزال والصمت والخوف من الناس، وعدم التفاعل، وانقلب الوضع لعصبية مفرطة، وغضب شديد بعد الزواج والإنجاب، فأصبحت معاملتي سيئةً للجميع، لزوجي وابنتي ومن حولي، رغم أنني أندم على ذلك كثيراً، وإنما شعورٌ دفينٌ بالحزن والقهر والظلم يدفعني لذلك.

أنا حافظةٌ لكتاب الله، وأحافظ على ديني قدر استطاعتي -الحمد لله-، لكن شعور الحزن والألم لا يفارقني داخلياً مهما حاربته، أنا في جهاد للتغيير منذ سنوات، ولكن دون جدوى عند الاصطدام بأرض الواقع!

ذهبت مؤخراً لطبيبة، ونصحتني بالذهاب للعلاج المعرفي السلوكي، ووصفت لي اللوسترال نصف حبة لمدة أربعة أيام، ثم حبةً كاملةً.

الآن وبعد شهر من العلاج أشعر بتحسن من الجهة العصبية والتوتر، حيث انخفضت كثيراً، كما أن أعراض الرعشة والتوتر، وزيادة ضربات القلب عند معاملة الناس، أشعر بالتحسن منها أيضاً، ولكن جانب الاكتئاب وانعدام الرغبة في التعامل، والحزن الدائم، لم تتحسن نهائياً، فما هي نصيحتكم؟ هل أستمر في العلاج، أم أرفع الجرعة، أم أغير العلاج بنوع أقوى؟ علماً أني لا أقدر على مراجعة الطبيبة مرةً أخرى حالياً.

وجزاكم الله خيراً.


الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Heba حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أرحب بك في موقع استشارات إسلام ويب، وأسأل الله لك العافية والشفاء والتوفيق والسداد.

حقيقة رسالتك رسالة منسّقة جدًّا، وقد قمتِ بعرض الأعراض التي تعانين منها بطريقة مرتبة جدًّا، والذي لديك -أيتها الفاضلة الكريمة- هو نوعٌ من القلق الاكتئابي الذي أحسب -إن شاء الله تعالى- أنه من الدرجة البسيطة، وطبعًا العصبية قد تكون سمةً من سمات الشخصية، الناس تختلف في البناء النفسي والأبعاد النفسية لشخصياتها، لكن -الحمد لله- الإنسان مع مرور الزمن يتحرّر من هذه الأعراض.

والذي أعجبني في رسالتك حقيقة هو الإدراك العالي لكل ما تعانين منه، ومن الواضح أنك مستبصرة استبصارًا كاملاً، ومرتبطة بالواقع، وهذا محفّزٌ علاجيٌ كبيرٌ، لدينا إشكالات كبيرة مع بعض الإخوة والأخوات الذين يطلبون مِنَّا الاستشارة؛ أن الواحد منهم تجده إمَّا أن يُضخّم مَّا يُعاني منه، أو يُقلّل منه كثيرًا، مع افتقادٍ في البصيرة والارتباط بالواقع، أمَّا في حالتك: فأعتقد أن الأمور إيجابية جدًّا من هذا السياق، والأمر الآخر أنك تحفظين كتاب الله تعالى، وهذا زادٌ عظيمٌ لك، أسأل الله تعالى أن يتقبّل منك.

أيتها الفاضلة الكريمة: أنا أنصحك بأن تنظري للجوانب الإيجابية في حياتك، وهي كثيرة -الحمد لله- لديك الزوج، لديك الذرية، تحفظين كتاب الله، وأنت في بدايات سِنِّ الشباب، الله تعالى حباك بالقدرة المعرفية والقدرة الجسدية، لديك الكثير من المهارات، فيجب أن يكون ذلك دافعًا لك لتحسين أفكارك ومشاعرك، هذا هو المبدأ السلوكي الصحيح، والإنسان حين يُحقّر ما هو سلبيٌ، ويُعظّم ويستشعر ما هو إيجابيٌ، ويسعى لتطوير ذاته، أعتقد أن ذلك أمر فاعل جدًّا.

أنا أنصحك بتجنُّب السهر، هذه خطوة علاجية أولى، مهمّة جدًّا، النوم المبكّر ليلاً يؤدي إلى إفرازات هرمونية إيجابية على مستوى الدماغ والموصِّلات العصبية، وهذه كلها عائد إيجابي كبير جدًّا في علاج العصبية والتوتر وتحسين المزاج، وأنت تعلمين وتعرفين قيمة الصلاة على وقتها، حين يُؤدي الإنسان صلاة الفجر، وبعد ذلك تبدئين يومك، البكور فيه بركة عظيمة، والذي ينام مبكّرًا يكون نشطًا ومُقبلاً على الحياة.

أنصحك أيضًا بالانخراط في برنامج للاسترخاء، هنالك تمارين للاسترخاء، تمارين التنفس المتدرجة، الشهيق بقوة وبطء عن طريق الأنف، ثم حصر الهواء في الصدر، ثم بعد ذلك إخراج الهواء عن طريق الفم، وهذا هو الزفير، ويجب أن يكون بقوة وعمق أيضًا.

طبعًا تمارين الاسترخاء ليست تمارين آلية ميكانيكية -كما يتصور بعض الناس-، لا، يجب أن تكون على مستوى العقل، وعلى مستوى الوجدان، وعلى مستوى القوة المعرفية لدى الإنسان، إذًا التأمُّل والتدبُّر فيها مطلوب تمامًا.

يا حبذا لو اطلعت على أحد البرامج الجيدة الموجودة على اليوتيوب، والتي توضح كيفية تطبيق تمارين الاسترخاء،؛ فسوف تفيد كثيرًا في حالتك.

من المهم جدًّا أيضًا أن تمارسي الرياضة، كرياضة المشي مثلاً، فيها خير كثير لك، هذا كله يمتصّ الطاقات القلقية السلبية، وسوف يُقلّل من اندفاعاتك وانفعالاتك السلبية، خاصة العصبية.

طبعاً معاملتك لزوجك والتي وصفتيها بأنها سيئة؛ هذا حقيقة آلمني كثيرًا، لا أريدك أن تحسّي بالذنب حيال كلامي، لكن هذا الأمر يجب أن يُعدّل ويُعدّل بسرعة، يجب أن تكوني أنت مساهمة مساهمة كبيرة وإيجابية لجلب السعادة لأسرتك ولزوجك ولابنتك، وهذا الأمر يجب ألَّا يخفى عليك، المرأة الذكية تحافظ على زواجها، وتجعل بيتها بيتًا سعيدًا، وذلك من خلال الآليات التي تعرفها وتفهمها هي، فكل إنسان وكل امرأة وكل رجل لديه خصوصياته في هذا السياق.

أيتها الفاضلة الكريمة: أرجو أن تعبري عن ذاتك؛ لأن السكوت أو عدم الإفراغ النفسي عن الأشياء التي لا تُرضي الإنسان تؤدي بالفعل إلى انفعاليات سلبية، فعبّري عن ذاتك أولاً بأول، وطبعًا جميعنا يجب أن نعبّر عن ذواتنا في حدود الذوق والأدب، هذا أمرٌ مطلوبٌ.

ويا أيتها الفاضلة الكريمة: ما لا تقبلينه ولا ترضينه لنفسك يجب ألَّا تقبليه ولا ترضيه للآخرين، هذا أمرٌ مهمٌّ جدًّا، ويجب أن تعاملي الناس كما تحبين أن يُعاملوك.

هذه الأشياء يمكن أن ننزلها لأرض الواقع، ليست نظريات فقط، إنما هي حقائق، ويمكن للإنسان أن ينزل لأرض الواقع.

أنا أنصحك أيضًا بأن تقرئي عن علم الذكاء الوجداني أو ما يُسمَّى بالذكاء العاطفي، هذا علم من العلوم الراقية جدًّا؛ لأنه يعلمنا كيف نفهم أنفسنا ونتعامل معها بإيجابية، وكيف نفهم الآخرين ونتعامل معهم إيجابيًا، توجد الكثير من الكتب التي صدرت حول الذكاء العاطفي، وأولها هو الكتاب الذي كتبه دانييل جولمان عام 1995، وتوجد كتب كثيرة أبسط منه، وقطعًا يمكنك أيضًا أن تطلعي من خلال الإنترنت على ما هو مهم في الذكاء الوجداني أو الذكاء العاطفي وتطبقيه، وسيكون مفيدًا جدًّا لك.

أيتها الفاضلة الكريمة: أرجو أن تطلعي وتتفهمي الوصايا النبوية العظيمة فيما يتعلق بالتعامل مع الغضب، في بدايات الغضب يجب على الإنسان أن يُغير وضعيته، إذا كان جالسًا فليضطجع، وهكذا، وأن تتفلي على شقك الأيسر ثلاثًا، وأن تتوضئي، حقيقة أنا لديّ تجارب ممتازة في هذا الأمر، وقد أعجبت كثيرًا بأحد الإخوة الذين ذكر لي أنه طبّق العلاج النبوي للتعامل مع الغضب مرة واحدة فقط، وبعد ذلك بدأ فقط يستذكره في بدايات أي غضبٍ لاحق، وهذا يُجهض الغضب تمامًا.

بالنسبة للعلاج الدوائي: طبعًا الزولفت عقار رائع، وممتاز، لكن جرعته يجب أن تكون 100 ملغ، على الأقل لمدة ستة أشهر، ثم بعد ذلك يمكن أن تخفض الجرعة، وتسارع ضربات القلب -إن شاء الله تعالى- سوف ينتهي، ويستقر الوضع.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

www.islamweb.net