أتقطع أسفاً على حالي لأني لم أحفظ كتاب الله!
2023-12-10 21:42:14 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
حياكم الله، وبارك الله فيكم على جهودكم.
أنا شاب في سن الخامسة والعشرين، متخرج من الجامعة، وكنت على غير استقامة، واستقمت وأنا عمري 21 -ولله الحمد-، ولكني أدركت الآن بأنه قد ضاع من عمري الكثير بسبب الشغل والدراسة، وغيره، وأنا أكبر شخص في عائلتي، وأعولهم، لكنني لم أحفظ كتاب الله، ولا سنة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وفي كل مرة أشاهد فيها رجلاً أو فتاةً على الإنترنت، أو في بلدي قد حفظ كتاب الله، فإني أفرح له من قلبي، ولكني في نفس الوقت أتقطع أسفًا على حالي؛ فأنا لم أحفظ إلا جزء عمّ وتبارك؛ لأني بطيء الحفظ، وكثير النسيان والتشتت.
أريد دواءً وعلاجًا يقوي الذاكرة، ويقوي الحفظ والفهم، سواءً كان طبيعيًا أو عقاراً من الصيدليات.
كما أنني بحاجة لنصيحة منكم لتيسير حفظ كتاب الله، كيف أبدأ؟ وعند من؟ وكيف أرتب وقتي؟ وكيف أقوي حفظي ولا أنسى؟ وما هو الشيء الجوهري المعين لحفظ القرآن الكريم؟
وجزاكم الله عني خيرًا، ونفع بكم.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محيي الدين حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نرحب بك في إسلام ويب، وجزاك الله خيراً -يا أخي الكريم- أنك تسعى لحفظ كتاب الله، وقريبًا ستصل -إن شاء الله- إلى مقصدك هذا ومبتغاك، وسوف يفيدك الدكتور صخر الغزالي بإرشادات مهمة جداً، تجد فيها -إن شاء الله- ضالتك لكيفية حفظ كتاب الله، وترتيب الوقت والأدوات المعينة لذلك.
من الناحية النفسية أنا أقول لك:
العمل أيضًا ضروري؛ فأنت لم تضيع وقتك أبدًا؛ فقد كنت تعمل، وتدرس، وطبعًا كان بالإمكان أيضًا أن تخصص وقتًا لحفظ كتاب الله، والإنسان يمكن أن يقوم بكل هذه الأدوار وبكل واجباته إذا كان يحسن إدارة وقته؛ لأن إحسان إدارة الوقت يعني أن الإنسان قد أحسن إدارة حياته، وعمومًا أنت لا زلت -إن شاء الله- في عمر الاستيعاب، ولا زلت في عمر الحفظ الجيد، وكما ذكرت لك سوف يفيدك -إن شاء الله تعالى- الدكتور صخر.
أنا لا أرى أن لديك علةً نفسيةً أبدًا، وموضوع بطء الحفظ، وكثرة النسيان، والتشتت، ربما يكون ناتجاً من انشغالك بأنك قد أضعت وقتًا ولم تقم فيه بالحفظ.
والحقيقة أنك لم تضيع وقتك؛ فأنت كنت محدداً لأسبقيات معينة، ولا عيب في ذلك، والآن قررت أن تجعل القرآن الكريم أحد أسبقياتك، أو هي الأسبقية الأولى لديك، وهذا ممتاز جدًا؛ لأن الإنسان يجب أن يطور من نفسه، وأنت -والحمد لله- تسير على المسار الصحيح.
ولتحسين التركيز لديك:
أولاً: يجب أن تتجنب السهر؛ وهذا أهم عامل؛ فالنوم الليلي المبكر يؤدي إلى تغيرات إيجابية جدًا في خلايا الدماغ، وفي المواد الكيميائية التي تفرز، والتي تسمى الموصلات العصبية الدماغية، وحتى على مستوى الجسم، نقول بدون أي مبالغة إنه يحدث ترميمًا كاملاً؛ فالنوم الليلي المبكر يعطيك قدرةً وتركيزًا عاليًا جداً حين تستيقظ مبكرًا، وتصلي الفجر، ومن ثم تبدأ يومك، وأعتقد أن هذا وقت ممتاز جدًا أن تخصص فيه وقتًا للحفظ ،هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى: ممارسة الرياضة مهمة جدًا؛ فالرياضة الجسدية تحسن التركيز بشكل ملحوظ ومعروف، وتقلل من التشتت، وأيضًا تمارين الاسترخاء مهمة جدًا، وتمارين التنفس المتدرجة، وتمارين شد العضلات، وقبضها، ثم استرخائها، هذه أيضًا مفيدة، فأرجو أن تطبقها، وسوف تجد أن هنالك برامج كثيرة جدًا على اليوتيوب توضح كيفية ممارسة تمارين الاسترخاء، فأرجو الاستفادة منها، وأنت لست في حاجة لأي علاج دوائي؛ فالأمر كله يعتمد على تنظيم الوقت، والنوم الليلي المبكر كما ذكرت لك، وممارسة الرياضة، وكذلك التمارين الاسترخائية.
وطبعاً الاهتمام بالتغذية، والتواصل الاجتماعي، وأن يكون لك جدول يومي لإدارة الوقت تلتزم به، فهذه هي المعينات، وهذه هي السبل التي تحسن لديك -إن شاء الله تعالى- التركيز.
والحقيقة أن الإنسان حين ينوي حفظ القرآن الكريم، فهذا في حد ذاته يحسن الدافعية، والدافعية هي التي تؤدي إلى القصد، وتؤدي إلى العزم، وتؤدي إلى النية الصادقة في فعل الأشياء، فأنت على الطريق الصواب -والحمد لله-.
أسأل الله لك التوفيق والسداد، وأشكرك كثيرًا على ثقتك في هذا الموقع، ونسأل الله لك التوفيق فيما تبتغيه.
______________________________________
انتهت إجابة الدكتور/ محمد عبد العليم -استشاري طب أول وطب الإدمان-
وتليها إجابة الشيخ/ صخر الغزالي -المستشار التربوي-.
______________________________________
مرحبًا بك -أخي الفاضل- في استشارات إسلام ويب، وأسأل الله أن يوفقنا وإياك لصالح القول والعمل.
فالحمد لله الذي وفقك للاستقامة على طاعته، ونسأل لله لنا ولك الثبات على دينه وطاعته حتى نلقاه.
كما نذكرك -أخي الكريم- أنك في طاعة لله تعالى ما دمت تعول أسرتك، وتعفُّهم عن الحرام؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (الساعي على الأرملة والمسكين، كالمجاهد في سبيل الله - وأحسبه قال:- (كالقائم لا يفتر، وكالصائم لا يفطر)، فهنيئًا لك هذا العمل الصالح، فاستشعر النية لتنال الأجر والثواب على هذا السعي.
أخي الفاضل: ما أجمل التنافس على حفظ كتاب الله، والعمل بما فيه، فلا شك أن حفظ القرآن الكريم والسنة النبوية فيه فضل كبير، خصوصًا إذا اقترن مع الحفظ العمل بما فيهما، ولكن لا ينبغي أن تحصر أبواب الخير والمنافسة في هذا الباب فقط؛ فالناس يتفاوتون في قدراتهم، وأوقاتهم، وظروفهم، ومن رحمة الله أن فتح أبواب الخيرات، وجعل الناس يتنافسون ويتسابقون في كل باب حسب استطاعتهم، فربما ظروفك ووقتك وقدراتك لا تسمح لك في التفوق والمنافسة في حفظ القرآن، ولكن قد يفتح الله عليك أبواب خير أخرى تتفوق فيها ويعجز عنها آخرون.
فإن عجزت عن حفظ القرآن فلا تحزن أو تجزع، وبادر إلى أبواب أخرى تتقنها؛ فلعل الله أن ينفع بك، ويفتح عليك، وقد كان كثير من الصحابة -رضوان الله عليهم- يبرعون في أبواب مختلفة في الخيرات؛ فذلك التاجر الأمين، وذلك المجاهد الشجاع، وذلك الفقيه العالم، وذلك الحافظ القارئ، وهكذا.
أخي الفاضل: من أعظم ما يعينك على حفظ القرآن أمور، منها ما يتعلق في الحافظ نفسه، ومنها ما يتعلق بطريقة الحفظ، نذكرها لك بشكل مختصر، ونسأل الله أن يعينك على تطبيقها.
أولاً: أمور تتعلق بالحافظ:
1- إخلاص النية لله تعالى؛ فتجعل النية خالصةً لوجه الله، لا ليُقال حافظ، أو لتتباهى بين الآخرين، أو لتتصدر المجالس؛ فذلك مما يمحق ثواب العمل ويذهب بركة الحفظ.
2- العزيمة والصبر؛ فحفظ القرآن يحتاج لمتابعة ومراجعة، ومداومة على الورد اليومي بلا انقطاع؛ ليثبت القرآن في القلب، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: ( تعاهدوا هذا القرآن، فو الذي نفس محمد بيده لهو أشد تفلتا من الإبل في عقلها).
3- الإكثار من الدعاء والتضرع لله تعالى أن يوفقك للحفظ، ويعينك عليه، ويساعدك على إتمامه، والحرص على ملازمة الأعمال الصالحة التي تنقي القلب من المعاصي والشهوات التي تمنع حفظ القرآن.
4- الاجتهاد في التأدب بأخلاق حامل القرآن، ومن أبرزها: غض البصر، وهو أساس مهم في حفظ كتاب الله، فالقرآن نور من الله تعالى، ونور الله لا يهدى لعاصٍ، ومن أطلق بصره في الحرام تشتت فكره، وصعب عليه جمع القرآن في نفسه.
5- بيئة القرآن، أحط نفسك ببيئة القرآن؛ كملازمة الحُفَّاظ، ومداومة سماع القرآن، وتسميعه، واجعل في بيتك أو أصدقائك من يتشارك معك في حفظ القرآن؛ فهذا من أعظم ما يعين على الحفظ.
ثانيًا: أمور تتعلق بطريقة حفظ القرآن:
1- احرص أن تحفظ على يد شيخ أو معلم؛ لأن تعلم القرآن يصبح سهلاً عندما تلتزم بالحفظ على يد شيخ أو قارئ متقن، أو دار تحفيظ القرآن، فتصحيح التلاوة، ومراجعة الأخطاء، والتنبيه لمتشابه القرآن أمور تساعد على قوة الحفظ.
2- اختر الأوقات المناسبة للحفظ والمراجعة؛ كالأوقات التي يكون فيه الذهن صافيًا، والنشاط حاضرًا، كبعد صلاة الفجر، أو قبله، وبين المغرب والعشاء،...إلخ، فالقرآن يحتاج لتركيز، وحضور قلب.
3- كُلما حفظت شيئًا من القرآن أتبعه بفهم معاني الآيات، وتدبر دلالتها، واطلع على تفسيرها، وأسباب نزولها؛ فهذا مما يعين على الحفظ.
4- ضع خطةً للمراجعة، تقوم على مداومة التكرار؛ حتى يستقر الحفظ أولاً، ولا تنتقل إلى غيره حتى يستقر الحفظ تمامًا، ثم اجعل لنفسك وردًا يوميًا للمراجعة، يكون مقداره على حسب ما وصلت إليه في الحفظ؛ فمثلاً لو حفظت جزءًا، فعليك يوميًا أن تراجع ربع جزء، وإن حفظت خمسة أجزاء،فعليك يوميًا أن تراجع من نصف إلى جزء يوميًا حسب وقتك، ويمكن أن تقسم المراجعة في أوقات مختلفة في اليوم؛ فالمراجعة والتثبيت لا تقل أهميةً عن الحفظ نفسه.
5- اعرف قوة ذاكرتك، وما يناسبها؛ فمن الحُفَّاظ من له ذاكرة سمعية، فكلما سمع القرآن اشتد حفظه، وآخر ذاكرته بصرية، فيصوِّر مواضع الآيات والصفحات في عقله، والأفضل أن تجمع بين كل هذه الوسائل، وعند المراجعة اعتمد على القراءة من المصحف؛ لتقوم بمعرفة مواضع الآيات، واستمع للقرآن من القراء والحفاظ المعروفين، ومن الأفضل أن تجعل لك مصحفًا مخصصًا للحفظ يستمر معك إلى ختم القرآن -بإذن الله-، ليساعدك في معرفة مواضع الآيات، وفق شكل ورسم واحد.
6- وهي طريقة مجربة ومجدية لتثبت الحفظ، وهي: سماع القرآن بصوتك، إما بالقيام به في صلاة الليل، أو بالنوافل، أو الصلاة بالناس، أو بأي طريقة أخرى، فمثلاً بعد أن تقوم بمراجعة جزء أو أي قدر من القرآن، قم بالتسميع لنفسك، وتسجيل صوتك بالهاتف، حتى لو تضمن أخطاءً، واستمع لنفسك بشكل دائم في البيت، أو السيارة، أو أوقات الفراغ، ما دام الجوال معك، وهذه الطريقة مفيدة كثيرًا في تثبيت الحفظ، كما تجعلك تعرف مواضع الأخطاء، وتصحح لنفسك بنفسك، كما أن سماع القرآن بصوتك يثبت الحفظ بقوة، كذلك عند المراجعة ستجد نفسك تتذكر كل المواضع التي وقع فيه الخطأ، واجعل هذا التسجيل خاصًا بك، ثم بعد فترة قم بتسجيل آخر بنفس الطريقة أكثر إتقانًا وهكذا.
أخيرًا -أخي الفاضل- لا بد من الصبر والمداومة والاستمرار؛ فإن القليل يصبح مع الوقت كثيرًا، ولا تظن أن من حولك من الحفاظ لم يتعبوا، أو أنهم وصلوا إلى حفظ القرآن بسهولة، ولكن بالصبر، والاجتهاد، والاستمرار يصل الإنسان إلى تحقيق أهدافه.
أسأل الله أن يشرح صدرك، ويعينك على حفظ القرآن، والعمل بما فيه، إنه ولي ذلك والقادر عليه.