أقوم ببر والدي ومع ذلك أسمع الأذى، ما نصيحتكم؟

2023-12-13 00:46:56 | إسلام ويب

السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله

أنا رجل متزوج، لدي ٣ أطفال، أبي وأمي أتوا ليقيموا في الدولة الأجنبية التي أعيش بها، ولقد استأجرت لهم غرفة وصالة في منزل، وأذهب لزيارتهما عدة مرات في الأسبوع، وأقوم بحوائجهم التي أقدر عليها.

والداي يريدان مني أن أستأجر لهم شقة كاملة، وأن أصرف عليهم هم وإخوتي في البلاد، وأنا لا أقدر على ذلك، لأن دخلي لا يسمح.

الله عالم أني لا آكل في العمل، لأجل أن أوفر لهم حق الإيجار، ومستلزماتهم، ولكنهم لا يصدقوني، ويظنون أني أبخل بالمال، ويسمعوني أشد الألفاظ، وعدم الرضا عني، ولقد تمنيت الموت من أذيتهم لي، وضغطهم المستمر، والله أعلم أني أقدم كل ما أقدر وأكثر.

علماً بأنه ليس من الممكن أن يعيشوا معي، لأن منزلي غير شرعي، وصحة زوجتي لا تسمح بأن تقوم على خدمتهم هم وأولادي.

أود أن أضيف أني أفنيت عمري في إعانة أبي، وعملت منذ صغري، وربيت وعلمت إخوتي وقدمت لهم كل احتياجاتهم.

الآن لدي أطفال صغار أنا ملزم بهم أمام الله، وإذا قمت بإرضاء أبي وأمي فأولادي سيعانون كثيراً.

هل آثم إذا رفضت أن أستمع للإهانة، وأن أنصرف من أمامهم، وأن أقفل الهاتف إذا أصروا على أذيتهم؟

إن قلبي لا يقوى على الإيذاء، وأنا صاحب مرض، وأحس بأن ضغطي يرتفع، ومع مرور الزمن لا بد أن أصاب بعلة، أنا لا أريد أن أقاطعهم، وأريد برهم، ورضاهم، ولكن رضاهم يأتي بثمن أنا ليس عندي حقه.

أرجو الرد علي بأسرع وقت، فأنا تعبان، وحائر وأخاف أن أفعل ما لا يرضي الله.

وشكراً.

الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أبو ياسين حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحباً بك -أخي الحبيب- في استشارات إسلام ويب، ونسأل الله تعالى أن يلهم والديك الصواب، وأن يصلح ما بينك وبينهما، ويرزقك الإحسان إليهما، والصبر على ذلك.

نحن ندرك -أيها الحبيب- مدى المعاناة التي تجدها في برك لوالديك، والإحسان إليهما، ولكن نود أن نذكرك بأن القاعدة الشرعية أن الأجر على قدر المشقة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لزوجته عائشة رضي الله عنها: (أجرك على قدر نصبك)، أي تعبك، والله سبحانه وتعالى لا يضيع أجر من أحسن عملاً.

بر الوالدين فريضة -أيها الحبيب- لا يجوز التفريط فيها، وعقوقهما كبيرة من كبائر الذنوب، يستحق صاحبها النار والعياذ بالله، فعلى الإنسان المؤمن العاقل أن يدرك منزلة هذا العمل وهو البر بالوالدين، ومنزلة ما يقابله وهو العقوق، ويدرك ذلك أن هذا الذنب أثره عليه في دنياه قبل آخرته، فليس هناك ذنب أجدر بأن يعجل الله عقوبته من البغي وقطيعة الرحم، كما قال عليه الصلاة والسلام.

لا شك أن أولى الرحم بالوصل هما الوالدان، نقول هذا لأننا نريد من خلاله -أيها الحبيب- أن نثبت في نفسك هذا المعنى الجميل الذي تخلقت به طول حياتك، وهو الحرص على بر الوالدين، والإحسان إليهما.

قد وفقك الله سبحانه وتعالى فيما مضى، وأحسنت وبالغت في الإحسان، ففعلت ما لا يجب عليك من القيام بحاجة إخوانك وأخواتك، وهذا كله موفور لك في سجل حسناتك -إن شاء الله- فلا تندم عليه، فإنه من جملة الإنجازات التي حققتها في هذه الحياة، بل هو أعظم إنجاز، وما قدمته لآخرتك خير وأبقى مما استفدته وأهلكته في حياتك، فلا تحزن ولا تندم على شيء قدمته لوالديك ولإخوانك وأعنتهم به على حاجاتهم، فإنك قدمت ذلك لنفسك في الحقيقة، والله سبحانه وتعالى يقول: (وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيراً وأعظم أجراً)، فأنت ستجد جزاء عملك إن شاء الله.

أما حدود حقوق الوالدين فإن الواجب عليك أن تنفق عليهما في حدود استطاعتك، ولا يجب عليك أن تسكنهما في نفس البيت مع زوجتك، بل لا يجوز ذلك إذا كانت هي لا ترضى، فإن من حقها أن تسكن في بيت مستقل بمرافقه، كما هو مقرر عند الفقهاء، وما دمت قد وفرت لهم المسكن اللائق الذي تقدر عليه، فإن هذا قيام بالواجب.

كما يجب عليك أن تنفق عليهما النفقة الملائمة لهما، وفي حدود قدرتك أيضاً، ونفقتهما مقدمة على نفقة الأبناء والبنات، ولست بحاجة -إن شاء الله- إلى عقد هذه المقارنة ما دمت تقدر على توفير الضروريات للجميع.

استعن بالله سبحانه وتعالى ولا تسمح للشيطان أن يحول بينك وبين القيام بفرض الله تعالى عليك في حق والديك، وأما حق إخوانك وأخواتك فإنه وإن لم يكن واجباً عند أكثر العلماء، لكنه يبقى من عمل البر الذي ينفعك في آخرتك، ومن الإحسان أيضاً للوالدين وإدخال السرور إلى قلوبهما، فإذا أمكنك أن تفعل شيئاً من الخير والبر فافعل ولا تتردد، واعلم أن الله سبحانه وتعالى يخلف عليك ما تنفق، فقد قال سبحانه: (قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين)، فهو سبحانه خير الرازقين، ووعد بأنه سيخلف ويعوض ما تنفقه.

الإنفاق على إخوانك وأخواتك غير واجب عليك، بحيث إذا تركت شيئاً منه فإنك لا تأثم بذلك، وأما ما ذكرته في شأن معاملة والديك لك فإن الواجب عليك أن تسكت ولا تغضبهما، وينبغي أيضاً أن تعلم بأن هذا الكلام لا يضرك عند الله تعالى، فإذا أديت واجبك الذي كلفك الله به وبذلت وسعك في الإحسان إلى والديك وتجنبت الإساءة إليهما فإنهما إذا بغيا عليك بعد ذلك بشيء من الدعاء فإن هذا الدعاء غير مقبول، فإن الله تعالى لا يستجيب الدعاء الذي فيه إثم أو قطيعة رحم، كما جاء في الحديث، وكما قال سبحانه وتعالى في آيات الدعاء: (إنه لا يحب المعتدين).

هذا لا يبرر لك أبداً الإساءة إلى والديك، فكل ما يمكنك أن تفعله لتجنب الإساءة إليهما وتجنب إغضابهما فافعله، وما عجزت عنه أو كان يضرك فتجنب بقدر الضرر، فإذا كنت تتحدث معهم هاتفياً فدعهم يتكلمون، ويمكنك أن تخفض الصوت بحيث لا تسمع الأذى والضرر، ثم بعد ذلك تعتذر لوالدك بعبارة لطيفة وسهلة، وجميلة وأنت تقرأ في القرآن الكريم المحاضرة التي كانت بين إبراهيم عليه السلام ووالده، وكان أبوه يهدده بالقتل والرجم ونحو ذلك من الأمور الكبيرة، وهو يقول له بعبارة التلطف والتودد والرحمة، يا أبت يا أبت يا أبت.

هذا نموذج ننصبه أمام عينيك تتأسى به وتقتضي به، لا يجوز لك -أيها الحبيب- أن تغضب والديك، ما أمكنك أن تتجنب هذا الإغضاب، بغير ضرر يلحقك، ونرجو -إن شاء الله- يكون قد اتضح لك الأمر، وبان لك المقصود.

نسأل الله تعالى لك التيسير والإعانة.

www.islamweb.net