أهلي ينتظرون نجاحي وأنا فقدت الشغف بكل شيء.. ساعدوني
2024-02-25 03:30:06 | إسلام ويب
السؤال:
أنا شاب بعمر 18 سنة، أذكر نفسي بالتوبة والصلاة دائماً، ولكن عندما أنظر للشباب وكيف أصبحوا، وجدت أني إذا التزمت لن يكون لي مكان وسطهم، وسأكون وحيداً، وأصبحت أرغب بأن أكون سيئاً، أو ما يعرف (بالباد بوي)، مما سيجعل لي علاقات كثيرة، ويساعدني للاندماج وسط هذا المجتمع الفاسد، والحياة السيئة.
أصبحت لا أرغب في التعلم، وعقلي متمسك بهذا الأمر جداً، لدرجة أني عندما أصلي مرة أتكاسل بعدها لمدة شهر، حتى تلك المرة لا يكون فيها خشوع، ولا أي متعة، ولا يستجاب دعائي.
أنتم أملي بعد ربنا، ساعدوني، أهلي كلهم ينتظرون مني أن أوفق في الثانوية، وأن أكون مهندساً، وأنا فقدت هدفي وشغفي في الحياة، وفقدت متعة كل شيء.
للعلم، هذه المشكلة منتشرة جداً بين الشباب المتعلم الذي يحاول أن يكون سيئاً، وفي نفس الوقت يكون حزيناً على عدم التزامه، وعلى أهله، وحريص عليهم، ولكن الحياة أجبرته على اتجاه الشر، حيث إن كثيراً من الناس أصبحوا سيئين جداً، ولا يحترمون الطيب، بل يحترمون من يخافون منه، ويجدونه سيئاً.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ بدون اسم حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحباً بك -أخي الفاضل- في استشارات إسلام ويب، ونشكرك على هذه الرسالة، التي نلمس فيها حرصك على التوبة والرجوع إلى الله، أسأل الله أن يوفقنا وإياك لصالح القول والعمل.
أخي العزيز، اطلعت على سؤالك أكثر من مرة، وأيضاً على أسئلتك السابقة، ونرى أنك -أخي العزيز- تعيش حالة من التوتر الطبيعية التي تصاحب مرحلة المراهقة، وما فيها من توتر ومتغيرات نفسية كثيرة، كالاندفاع والرغبة في تحقيق الأهداف بسرعة، والرغبة في إثبات الذات والتفوق، والاستقلالية والتردد وعدم الاستقرار، وكل هذه المتغيرات تصاحب هذه المرحلة بقوة، إلا أن هذه المرحلة أيضاً تتصف بالكثير من الإيجابيات التي تمهد للبناء الصحيح، إذا تم استغلالها وتوجيهها بشكل صحيح.
لذلك -أخي الكريم- سنوضح لك بعض الخطوات التي تعينك على تجاوز الجوانب السلبية لهذه الفترة الحرجة، ونسأل الله أن يرزقك الهمة للعمل بها.
أولاً: رغبتك في أن تكون صاحب علاقات دافعه الرغبة في إثبات الذات، وتحقيق قوة الشخصية والتميز، وهذه صفات جيدة، لكن طريقتك في الوصول إلى ذلك غير صحيحة، فمن المنطق عندما تكون في أوساط سيئة وترافق السيئين، وتعيش حياة السوء أن تكون سيئاً، والمجتمع لا يحترم السيئين كما تظن، ولكنه يتجنب شرهم، ويهرب منهم حتى لا يصطدم بهم، وهذا الصنف من الناس قد يحقق مكاسب مؤقتة، لكنه لن يستقر نفسياً، وسيندم بعد سنوات، لأن الله يقول: (إن الله لا يصلح عمل المفسدين) وهذا واقع نراه.
كما أن المفسد يعيش اضطرابات نفسية، ويعاني من قلق كبير، كونه يهمل صلاح الروح والقلب، ويعتني بالجسد، ثم إن عيشك داخل بيئة السوء جعلتك تشعر أن هذه البيئة هي البيئة المناسبة لك، وهي التي ستحقق أحلامك، وعندما تقوم بأي تجربة للعيش بين الصالحين، وتلتزم بالتوبة، والعمل الصالح، فإنك تمارسها بشكل هامشي لا روح فيها، ولا إقبال ولا رغبة.
لذلك من الطبيعي أن لا تجد لذة العمل الصالح، ولا تشعر بالقرب من الله تعالى، لأنك حين تمارس العمل لست مقتنعاً به من قلبك، ولست متلهفاً لنتائجه التي أخبر الله عنها، يقول تعالى وهو أصدق القائلين، ويعلم من خلق، وما يصلحهم، وما يفسدهم، يقول: (من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياةً طيبةً ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون).
ثانياً: أخي الفاضل، لديك قناعات كثيرة مترسخة في عقلك، وهذه القناعات تجعلك تشك أو تضعف الاستجابة لأي محاولة أخرى أو أي تغيير ممكن، وهذا الذي يجعلك تترك أي مبادرة وتكتفي بالتمني والرغبة دون عمل، فتراكم القناعات لديك شيء خاطئ جداً، فالقناعات المُتصلِّبة لا يمكن تغييرها إلا بصعوبة، وحتى تخرج من هذه القناعات لا بد أن تؤمن من قلبك بأن قول الله حق وصدق، ودين الله فيه الخير والهدى، وسبيل المؤمنين هو طريق النجاة والفلاح، يقول تعالى: (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون)، وأخبر الله عن طريق القرآن، فقال: (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجراً كبيراً).
ثالثاً: إذا بقيت تنتظر أن التغيير يأتي دون سعي منك أو اجتهاد في طلبه فلن يتحقق ذلك، فسنة الله أن يكون التغيير من داخلك، وأن تبادر إلى خطوات التغيير، وتسعى إليه، وتجتهد في تحصيله، يقول تعالى: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) وما تعيشه أنت ومن حولك من الشباب وغيرهم، هي نتائج تأثير ثقافة التعرض المستمر لمواقع التواصل الاجتماعي، وثقافة الأفلام ووسائل الإعلام، وما تفرزه من تفكك واضطراب فكري ونفسي، فهي تدفع بالشباب إلى الشهرة على حساب أي محتوى أخلاقي، وتجعل القيم المجتمعية المنحرفة هي أساس البروز والتميز، وكل هذا من الوهم والسلبيات التي يعيشها كثير من الشباب اليوم، والصواب أن لا تُخدع بتصرفات من حولك، وعليك أن تجتهد في صناعة نفسك، فأنت على الخير والهدى ولو كنت وحدك.
أخي العزيز: المجتمع ليس سيئاً كما تظن، ولكن ربما من يحيط بك تسبب بهذه النظرة السلبية والسوداوية في نظرك، فلا يخلو مجتمع من خير وشر، وسيبقى الخير قائماً إلى قيام الساعة، فلا تقنع نفسك بهذه العبارات التي لا تزيدك إلا يأساً وضعفاً.
أخي العزيز: أنت بحاجة إلى بيئة متكاملة من الخير تبعدك تماماً عن أي شيء يذكرك ببيئتك السيئة، فتخلّ أولاً عن أصدقاء السوء، وابتعد عن ملازمتهم، لأنهم يؤكدون لك هذه الأفكار السلبية.
ثانياً: اجتهد في الأعمال الصالحة، وتلاوة القرآن والإكثار من ذكر الله تعالى، ففيه طمأنينة للقلب، وانشراح للصدر.
ثالثاً: ضع لنفسك هدفاً كبيراً، وأهدافاً مرحلية صغيرة، وابدأ بإحاطة نفسك بكل ما يعينك على تحقيق هذه الأهداف المرحلية الصغيرة، فكل نجاح سيشعرك بالإنجاز، وتحقيق أهدافك يساهم في خروجك من واقعك السلبي الذي تعيش فيه.
لا تنس الدعاء والضراعة لله تعالى أن يصلح قلبك، ويريك طريق الحق والهدى، نسأل الله أن ييسر أمرك، ويشرح صدرك للخير ويصرف عنك السوء.
والله الموفق.