تدهورت صحة أخي كثيراً، ماذا نفعل؟
2024-01-18 01:07:19 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله.
منذ عام واحد تم تشخيص أخي بورم سرطاني في المخ، وقام بإجراء عملية جراحية في المخ، ثم قام بالعلاج الإشعاعي والكيماوي، وكان دائمًا صابرًا محتسبًا غير معترض على قضاء الله وقدره، وكان طوال فترة علاجه مهتمًّا بأسرته، محاولًا تعويضنا عن فترة علاجه.
ظللنا ندعو الله دائمًا له بالشفاء، وفي كل ليلة برمضان، وفي يوم عرفة، وفي كل قيام ليل، وعلى كل طريق سفر، وعند نزول المطر، لكن كانت إرادة الله بعودة المرض ثانية بعد حوالي عام، وحالته الصحية الآن أصعب من أي وقت مضي.
يصعب علي جدًا أن أجده على هذا الحال، لأنه أخي الذي فعل لي ولإخوتي ولأبي ولأمي والعائلة جميعًا الكثير والكثير، إنه أخي الذي لم يطمع في شيء من الدنيا إلا القليل، يريد أن يكون في صحة، وقادرًا على الطعام والشراب، وهذا صعب الآن!
صعب علي جدًّا أن أتحمل ما يحدث، وأرى أخي حبيبي في هذه الحالة، حتي قبل مرضه كنت أدعو الله دائمًا أن يعوضه خيرًا عن تعبه معنا.
فماذا أفعل ليستجيب الله لنا؟
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ آلاء حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبًا بك - أختي الفاضلة - في استشارات إسلام ويب، ونسأل الله أن يوفقنا وإياك لصالح القول والعمل، ونسأل الله الشافي المعافي أن يشفي أخاك، وأن يُقِرَّ أعينكم بعافيته، وأن يرزقكم حسن الصبر والرضا، والتسليم لما قدره تبارك وتعالى.
أختي الفاضلة: لله في خلقه شؤون، وله كمال التدبير والإرادة والعلم المطلق، والمؤمن يُدرك أن لله حكمة في كل شيء في هذا الكون، فيُسلِّم ويفوض أمره لله، راضيًا بقدره وتدبيره وقضائه، ولا يعترض أو يسخط أو يتأفف، حتى لا يمحق أجره ويضيع سعيه، فالابتلاء سنة الله في عباده لحكمة يريدها الله تعالى، إمَّا لتكفير السيئات، أو لرفعة الدرجات، أو لدفع الشر، أو لتذكير العبد بالله، أو لحكمة الله يعلمها، ونجهلها نحن بعلمنا القاصر المحدود، يقول تعالى: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 216].
أختي الفاضلة: يستجيب الله للعبد كل دعوة يدعو بها، فالدعاء بحد ذاته عمل صالح وإقرار وتوحيد وثقة بالله تعالى، فالنبي (ﷺ) يقول: (مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ، وَلَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ، إِلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ بِهَا إِحْدَى ثَلَاثٍ: إِمَّا أَنْ يُعَجِّلَ لَهُ دَعْوَتَهُ، وَإِمَّا يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَكْشِفَ عَنْهُ السُّوءَ بِمِثْلِهَا)، قَالُوا: إِذًا نُكْثِرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «اللَّهُ أَكْثَرُ».
أختي الفاضلة: مهما كانت أقدار الله لا توافق هوانا، أو لا نفهم سرَّها أو حكمتها، إلَّا أنه ينبغي أن نؤمن أن الله -حاشاه- من العبث أو اللعب أو الظلم، ولك أن تتأملي في قصة سيدنا موسى -عليه السلام- مع العبد الصالح، فما استطاع نبي الله موسى - وهو نبي مرسل من الله - أن يصبر على تدبير وتصريف الله لتلك الأقدار بين خلقه؛ فكيف ببشرٍ مثلنا؟! فثقي بالله تعالى أن له حكمة وله غاية، وأن الله تعالى إذا ابتلى العبد فصبر ولم يقل إلا خيرًا عوضه الله تعالى خيرًا، وجبر قلبه وأبدله خيرًا ممَّا أُخذ منه، فاصبري - أختي - على هذا البلاء، وكوني عظيمة الثقة بالله تعالى، حسنة الظن به سبحانه.
أختي الفاضلة: أحسنت بالدعاء والاجتهاد فيه، وتحري مواضع الإجابة وساعاتها ومواسمها، وهذا خير عظيم، والله لا يرد الدعاء كما أخبر النبي (ﷺ) بذلك، ولكن الله بسعة علمه وتقديره وتدبيره يختار لعبده الصالح ممَّا ينفعه ويرفعه ويكرمه به، فقد يكون الدعاء سببًا في رفع الدرجات، وقد يكون سببًا في دفع البلاء، أو سببًا في العطاء، أو سببًا في الإجابة.
لذلك - أختي الفاضلة - احرصي على الاجتهاد في آداب الدعاء، والاجتهاد في دفع موانعه، فإن الله يجيب دعاءك ويحقق لك ما تريدين بإذنه سبحانه، وعليك أن تبحثي في نفسك جيدًا لتحقيق ذلك، ثم تحري تحقيق الإيمان العميق بقدرة الله، والثقة والإخلاص له وحده، فهذا الإخلاص يُنجي الكافر عندما يدعوه مخلصًا واثقًا به؛ فكيف بالمسلم المؤمن، {وينجي الله الذين اتقوا}، {وكذلك ننجي المؤمنين}.
أمَّا إن تعلق الأمر بشيءٍ مادي - كشفاء مريض أو جلب رزق ونحوه - فإن لله سننًا كونية لا بد من أن تلازم الدعاء، ولها ارتباط بالأسباب التي جعلها الله من تقديره وتدبيره، فيجتهد المسلم اجتهاده مع الدعاء في استفراغ الوسع والطاقة، في تحقيق الأسباب المادية قدر استطاعته، ويحرص أن يحيط هذه الأسباب بكل ما يجعلها تؤتي ثمرتها وتحقق غايتها، من اكتساب مهارات، أو وسائل، أو تخطيط وتدبير ودراسة ونحوه، فكل هذا من حسن التوكل على الله.
فاختيار أفضل المستشفيات، والمبادرة إلى أفضل الأطباء وإجراء الفحوصات المتقدمة، والحرص على أسباب الشفاء المادية والمعنوية كلها من الأسباب التي أمر بها الشرع، ومع كل هذه الأسباب يبقى القلب متعلقًا بالله تعالى أولًا وآخرًا، وراضيًا ومستسلمًا لما يختاره له.
أخيرًا - اختي الفاضلة -: لا تستسلمي للغة اليأس والإحباط؛ لأنها لا تزيدك إلا عجزاً، وتُذهب عنك الثقة وقوة الارتباط بالله والإخلاص له تعالى، وكل هذا مهمٌّ جدًّا لإجابة الدعاء، فلا شك في أن مشاهدة من نحبهم يعانون - ولا نقدر أن نقدم لهم المساعدة - شيء مؤلم على النفس، ولكن إذا بذلنا الأسباب واجتهدنا في الدعاء، فلله تدبير وله حكمة، وبهذا اليقين يعيش المسلم الرضا ولا يأتيه السخط من أي قدر يصيبه.
ننصحكم أن تكثروا من الصدقة وصنائع المعروف؛ فإن النبي (ﷺ) يقول: «صَنَائِعُ الْمَعْرُوفِ تَقِي مَصَارِعَ السُّوءِ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ تَزِيدُ فِي الْعُمُرِ، وَصَدَقَةُ السِّرِّ تُطْفِئُ غَضِبَ الرَّبِّ».
وتأكدي - أختي الكريمة - أن أعظم ما يجعل الدعاء مستجابًا هو الاستجابة لله تعالى، وتعني الاستجابة بالإيمان والطاعة والانقياد والإذعان، واتباع أمره، والسعي في رضاه سرًّا وعلانيةً، وسلامة الاعتقاد بتوحيده وبقدرته وعلمه سبحانه، وثمرة ذلك إجابة الدعاء، يقول تعالى:{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: 186]، واعلمي أن «عِظَمُ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلَاءِ، وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السُّخْطُ».
فاحرصي - أختي الفاضلة - على هذه الأمور واجتهدي فيها، وسيأتي الفرج بإذن الله، فالله لا يعجزه شيء سبحانه.
أسأل الله أن يشفي أخاك، وأن يبشركم بعافيته ، إنه ولي ذلك والقادر عليه.