طالما أن الدنيا فانية: فلماذا نشتغل بأشياء ليست من الدين؟
2024-05-12 00:32:50 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لدي سؤال يراودني دومًا، بما أن هذه الحياة فانية، وأن ما يهم فيها هي أعمالنا الصالحة وعبادتنا لله عز وجل، فلماذا ندرس أشياء خارج الدين مثل: الرياضيات وكذا...؟ لماذا نعمل لغير الضرورة، ويمكننا العمل بقدر ما نأكل ونشرب ونتصدق فقط؟
أو: لماذا نتزوج وننجب أطفالاً؟ أليسوا يعطلوننا عن العبادة؟ يمكننا قضاء ذلك الوقت في الصلاة، وقراءة القرآن وعبادة الله عز وجل.
أتمنى أن يكون سؤالي مفهوم المناط، وشكرًا على الإجابة مسبقًا.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ ريان حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبًا بك - بنتنا الفاضلة - في الموقع، ونشكر لك الاهتمام والحرص على السؤال، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يجعلنا وإيّاك ممّن طالت أعمارهم وحسنت أعمالهم.
أفضل ما أحبُّ أن أبدأ به هذه الإجابة أن نُذكّر بما حصل من ذلك الرجل الذي دخل على مجلس عمر وتكلّم عن الدنيا وحقّرها ووضعها، فلمَّا فرغ من كلامه قام رجل إلى جوار عمر وقال: "صدق الرجل فيما قال إلَّا في حديثه عن الدنيا، فإنها مزرعةٌ للآخرة، وهي دار العمل، وبها نعمل للآخرة"، فقال الرجل: "مَن هذا الذي تكلَّم" فقال عمر: "هذا سيد المسلمين أُبيّ بن كعب".
هكذا فهم الصحابة - عليهم من الله الرضوان - حقيقة هذه الدنيا، فهي دار العمل، والآخرة هي دار الجزاء، نحن نعمل هنا الصالحات، ندرس ونتعلم، ونفعل الأسباب، ونتوكل على الكريم الوهاب -سبحانه وتعالى-، والرياضيات والهندسة والعلوم التي يطلبها الإنسان هي من الفروض الكفائية، التي يُؤجر عليها الإنسان إذا أخلص في طلبها لله، وقصد بذلك نفع خلق الله تبارك وتعالى.
والإنسان ينبغي أن يعمل، حتى الذي عنده الأموال، هناك رجل جاء للنبي (ﷺ) فقال: "عندي من المال ما يكفيني" فأمره (ﷺ) أن يعمل وأن يواصل العمل، ثم قال: "لعلك تصل به الرحم، لعلك تتصدق فتُؤجر". فالإنسان لن يستطيع أن يتصدق، ولن يستطيع أن يعمل، ولن يستطيع أن يُقدّم في هذه الدنيا إلَّا إذا اجتهد، إلَّا إذا كسب المال، إلَّا إذا فعل الأسباب، وحتى مَن أراد أن يخرج من أمواله قال له النبي (ﷺ): «إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ، خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ، وَإِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللهِ إِلَّا أُجِرْتَ بِهَا».
أمَّا لماذا نتزوج وننجب أطفالاً؟ لأنهم امتداد لعملنا الصالح، ولأننا بذلك نعفّ أنفسنا، ونُطيع ربنا تبارك وتعالى، والإنسان كما أنه يُؤجر على الصلاة وتلاوة القرآن، يُؤجر على كدحه من أجل أولاده، على الطعام الذي يُحضره، على العمل الذي يعمله، على نيته الصالحة في طلبه للعلم.
ولذلك ينبغي أن تُصححي المفهوم، فإذا فهمنا هذا الدين، تحولت العادات التي نقصد بها وجه الله إلى عبادات، والعبادة اسمٌ جامع لكل ما يحبُّ الله ويرضاه من الأقوال والأفعال والأحوال.
ويُخطئُ من يقول أو تقول لماذا أتزوج، الزواج سيشغلني عن التلاوة والصلاة، نحن نقول: خدمة الزوج والقيام بحقه أفضل أجرًا عند الله تبارك وتعالى من كثرة الصلاة، والإمام أحمد لمَّا قيل له عن هذا المعنى، أن هذه المرأة قد تفقد خشوعها وتشتغل بأولادها، قال: "أنين هذا الطفل وإرضاعه، والاستجابة له أفضل من سجود العابدين لربِّ العالمين في نوافل الليل".
فلذلك الإنسان ينبغي أن يفهم أنه يُؤجر على كل علمٍ يريد به وجه الله تبارك وتعالى، النيّة إذا أُضيفت إلى العادات حوّلتها إلى عبادات، وإذا أُضيفت الأعمال الصغيرة أصبحت كبيرة؛ لأن رُبَّ عملٍ كبيرٍ تُصغّره النية ولعدم وجود النيّة، ورُبَّ عمل صغير تُعظّمه النية، فما أحوجنا إلى أن نتعلّم كيف نقصد بأعمالنا، وحركاتنا وسكناتنا وأقوالنا وجه الله تبارك وتعالى، وعندها تتحوّل الحياة إلى عبادة.
والأمر كما قال معاذ: "والله إني لأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي". فالذي ينام ليتقوّى على القيام، والذي يأكل ليتقوى على العمل والعبادة والجهاد؛ هذا يُؤجر على طعامه ونومه، الذي يلبس ليستر عورته ويتأسّى بالنبي (ﷺ) يُؤجر على لباسه، وبالتالي الإنسان ينبغي أن يفهم هذا الدّين العظيم، ويقصد بأعماله وحركاته وسكناته وجه الله: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام: 162].
نسأل الله أن يُعينك على فهم الدّين، وهذا سؤال رائع نتمنّى أن يكون له تأثير عليك، وأن تقصدي بكل حركاتك وسكناتك وأعمالك وجه الله، عندها ستجدين من الحسنات ما لا يعلمه إلَّا الله.
نسأل الله أن يرزقنا حُسن الفهم، وحُسن القصد، وأن يتولانا جميعًا برحمته.