تبت من كبيرة فعلتها ولكنها لا زالت تقلقني!
2024-06-09 00:56:43 | إسلام ويب
السؤال:
ارتكبت كبيرة في شهر رمضان، ثم تبت منها وأخذت أفكر في خطر هذه الكبيرة مراراً وتكراراً، ومنذ شهر وأنا أعاني من أني أشعر بأن الأشياء تتكرر، والمواقف التي لم أرها من قبل أشعر أنها تتكرر، وكلما هدأت من القلق تجاه هذه الظاهرة يعود إلى نفسي خوف أن ما يحدث حقيقي.
هل أنا بذلك أصبحت مختلاً عقلياً؟ وهل هذا عقاب من الله لي، أم تلك نتيجة كثرة التفكير في المشكلة؟
قبل ذلك كنت أعاني من مشكلة أصابتني بالإحباط، حيث تعرضت لمشكلة دراسية، وأصبت بحزن وخوف واكتئاب.
هل لذلك أيضاً علاقة بما يحدث لي الآن؟ وكيف أتخلص مما يحدث معي؛ لأنه يُصَعِّب علي حياتي؟
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الابن الفاضل/ أسامة حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبًا بك -ابننا الفاضل- في الموقع، ونشكر لك الاهتمام والحرص والسؤال، ونسأل الله أن يتوب علينا وعليك لنتوب، ونبشرك بأن التوبة تجب ما قبلها، وأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، وأن الكبيرة في الأشهر الفاضلة والأماكن الفاضلة يعظم إثمها، ولكن نحمد الله تبارك وتعالى الذي قادك إلى التوبة، وعليك أن تدرك أن التوبة النصوح المقبولة عند الله هي التي يخلص فيها صاحبها لله، ويصدق فيها مع الله، ويندم على ما حصل، ويعزم على عدم العود، ويتوقف عن المنكر، وإن كان فيه حق لآدمي اجتهد في رده، ثم من علامات قبولها الاجتهاد في الحسنات الماحية، فالحسنات يذهبن السيئات.
أما ما يحدث لك من تكرار وتذكار لما حصل: فهذا من عدونا الشيطان؛ لأن هم الشيطان أن يحزن أهل الإيمان، والشيطان يريد أن يصل بك إلى العودة للكبيرة، أو اليأس من رحمة الرحيم -عياذًا بالله-، وكلاهما من الكبائر، ولذلك كلما ذكرك الشيطان بما حصل من النقص والخلل، جدد التوبة، كرر الاستغفار، توجه إلى الله تبارك وتعالى، واعلم أن هذا العدو يحزن إذا تبنا، يندم إذا استغفرنا، ويبكي إذا سجدنا لربنا، فعليك أن تتجنب توارد الخواطر، والتفكير في الأمور السالبة؛ لأن هذا كله مما يريده الشيطان.
إن الشيطان حزين لأنك تبت ورجعت إلى الله تبارك وتعالى، وأنت لست مختلاً عقليًا، ولكن اشغل نفسك بالخير، ابحث عن بيئة طيبة، اعرف مصالحك، كما قال في الحديث: (لكنك بأرض سوء فانتقل إلى أرض كذا وكذا)، هذا الانتقال قد يكون معنوياً، وقد يكون أيضًا مادياً، تترك المكان الذي ألفت فيه المعصية، تترك الرفقة التي لم تعنك على الخير، والله قال لنبيه: (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي...).
ابحث عن رفقة صالحة، احشر نفسك معهم، كما قال في الحديث: (انتقل إلى أرض كذا وكذا فإن بها أقواماً يعبدون الله تبارك وتعالى فاعبد الله معهم)، وتجنب التفكير السلبي، والتفكير في المشكلة، فـ(لا تقل لو أني فعلت كذا لما حصل كذا، فإن لو تفتح عمل الشيطان ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل)، أي ثم امض إلى الأمام، واستقبل حياتك بأمل جديد، وبثقة في ربنا المجيد.
نؤكد لك أنك تخلصت مما حدث، وما يحدث تتخلص منه بمجرد التوبة الصادقة مع الله -تبارك وتعالى-، فالتوبة تجب ما قبلها، بل إذا استكملت شروط التوبة خالصًا وصدقًا وندمًا وعزمًا وتوقفًا؛ فأنت تفوز بما هو أكثر من المغفرة؛ لأن الله قال عن التائبين المخلصين الصادقين: (فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات) حتى السيئات القديمة تتحول إلى حسنات، فانظر إلى رحمة الرحيم، تذكر أن رحمة الرحيم تغدو وتروح، وأن ربنا الرحيم الرحمن ما سمى نفسه الرحيم إلا ليرحمنا، ولا سمى نفسه التواب إلا ليتوب علينا.
نسأل الله أن يجعلنا وإياك ممن إذا أعطي شكر، وإذا أذنب استغفر، وإذا ابتلي صبر، وأن يلهمك السداد والرشاد؛ هو ولي ذلك والقادر عليه.
________
انتهت إجابة د. أحمد الفرجابي...مستشار الشؤون الأسرية والتربوية.
وتليها إجابة د. محمد عبد العليم...استشاري أول الطب النفسي وطب الإدمان.
_________
أجاب على استشارتك الشيخ الدكتور أحمد الفرجابي، وقد ذكر لك كلمات بليغة ومعاني سامية جدًا، أرجو أن تأخذ بها، اقرأ ما ذكره لك الشيخ أحمد مرات ومرات؛ واستوعب ما فيه؛ ففيه الحل الجذري لهذه الخواطر والهواجس السلبية التي تعتريك.
من الناحية النفسية: الذي يظهر لي أنك شخصية حساسة، ويعرف عن الشخصية الحساسة حين ترتكب الذنوب ويقدم الإنسان على التوبة، تتسلط عليه أو على الشخص نفسه اللوامة، والنفس اللوامة هي التي تحرسنا من الذنوب والآثام، هي التي تعقل مسار النفس الأمارة بالسوء، وطبعًا حين تتسلط النفس اللوامة على النفس الأمارة بالسوء وتعطل تأثيرها ينتقل الإنسان -إن شاء الله تعالى- إلى النفس المطمئنة.
من وجهة نظري: يجب أن تنتقل إلى مرحلة النفس المطمئنة، ويجب أن تتوقف عن الهواجس هذه تمامًا، فالتوبة تجُب ما قبلها، كما هو معروف، وكما أكد لك الدكتور أحمد الفرجابي، فإذًا العملية فيها الجانب النفسي، وكما ذكر لك الشيخ أحمد لا تدع مجالًا للشيطان ليتلاعب بتوبتك هذه أبدًا، ويعرف أن الاجترارات للحوادث السابقة أيًّا كانت دليل على ما يسمى بعصاب ما بعد الصدمة، فالكبيرة التي اقترفتها في رمضان فعلًا هي صدمة كبيرة، وأصبحت تعتريك هذه الاجترارات المتكررة الآن.
إن شاء الله فيها خير لك، لكن يجب أن يتوقف الأمر عند هذا الحد، وانطلق في الحياة انطلاقات إيجابية، أكثر من فعل الحسنات، أكثر من التواصل الاجتماعي المفيد، تجنب السهر، عليك بالنوم الليلي المبكر، النوم العميق يؤدي إلى ترميم كامل في جراحات النفس وفي خلايا الدماغ، مما يتأتى عنه -إن شاء الله تعالى- وضع نفسي إيجابي بالنسبة لك تمامًا.
ما حدث لك في الفترة السابقة أيضًا أنت ذكرت أنك قبل ذلك أيضًا كنت تعاني من مشكلة أدت إلى شيء من الإحباط، هذه تفاعلات وجدانية إنسانية، وكما ذكرت لك بما أن شخصيتك تحمل سمات الحساسية فتظهر عليك الأعراض بصورة متضخمة ومتجسمة.
حالتك ليس لها أي علاقة بالمرض العقلي، وأنت كامل العقل، والوعي، والإدراك، ومرتبط بالواقع تمامًا، فلا تقلق حول هذا الجانب أبدًا، وانطلق في الحياة بصورة إيجابية كما ذكرت لك، وليس هنالك ما يمنع أن تتناول دواء بسيطاً لفترة قصيرة، دواء مضاداً للقلق واسمه دوجماتيل، هذا هو اسمه التجاري، ويسمى علميًا سلبرايد، تناوله بجرعة كبسولة صباحاً ومساءً، وقوة الكبسولة 50 مليجراماً، تناول 50 مليجراماً صباحاً ومساءً لمدة أسبوع، ثم 50 مليجراماً صباحاً لمدة أسبوع آخر، ثم توقف عن تناوله.
إن شاء الله تعالى، سيساعدك في أن تصبح أكثر هدوءًا، ويذهب عنك هذا الذي لديك من اجترارات سلبية.
بارك الله فيك وجزاك الله خيرًا.. وبالله التوفيق والسداد.