هل يمكن أن يحدث الحب أو التعلق من أول نظرة؟
2024-07-22 01:40:31 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم.
أعلم بأن الله على كل شيء قدير، وهو خالق المشاعر، فهل يمكن أن أحب شخصًا، وأتعلق به بشكل كبير، ويكون حبًا حقيقيًا لمدة طويلة، على الرغم من أنني لم أره سوى مرة واحدة؟
وهل رابطة الأم بابنها تحدث؛ لأنها حملت به، حتى ولو كان دون تعب أو ألم، أم أن التعب وألم الولادة هو الذي سيجعل الأم أكثر شفقةً وحبًا لابنها؟ بمعنى: لو كانت الولادة بلا ألم، هل كانت ستحبه أيضًا؟
ولماذا لم يستبدل الله شعور الألم بشعور سعيد؛ حيث إن الإنسان مجبول على محبة من يشعره بالسعادة ولو للحظة واحدة؟ وما الحكمة من الألم؟
وشكرًا.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سائلة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبًا بك -ابنتنا الفاضلة- في الموقع، وشكرًا لك على التواصل والسؤال، ونسأل الله أن يوفقك، وأن يُصلح الأحوال.
أرجو أن تعلمي أن هذه المشاعر التي ملأ الله بها قلوب العباد رجالًا ونساءً، آباءً وأمَّهات، أزواجًا وزوجات؛ هي من أسرار خلق الله تبارك وتعالى، وإعجازه في خلقه سبحانه وتعالى، والإنسان فعلًا قد يرتاح لإنسان، وهو يراه لأول مرة؛ لأن: «الأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ، فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ، وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ».
لكن المؤمن والمؤمنة يحتكمان في هذا الانطباع إلى قواعد هذا الشرع الذي شرَّفنا الله تبارك وتعالى به، وهذا معروفٌ بين الناس، حتى بين الزملاء أو الزميلات فيما بينهنَّ؛ قد ترتاح الفتاة لزميلتها ولا ترتاح للأخرى؛ لأن: «الأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ، فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ، وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ».
أمَّا عندما يكون هذا الارتباط والاشتياق خارج الأُطر الشرعية، فينبغي أن يُحكم بقواعد الشرع وضوابطه، والشريعة بدايةً أمرت بغض البصر لأجل هذا الأمر؛ لأن الإنسان الذي يُطلق بصره قد يتعلَّقُ بأشياء، ويُحال بينه وبينها، بل قد ينظر الإنسان إلى شخص، وربما تنظر الفتاة إلى أجنبي عنها، فتشعر بالانجذاب، ولكن ليس لها أن تتمادى مع هذا، والرجل أيضًا؛ لذلك قال الله: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم}، ثم قال: {وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهنَّ ويحفظن فروجهنَّ}.
فعندما يكون هذا النظر إلى ما لا يحِلّ فإن الإنسان ينبغي أن ينصرف للوهلة الأولى، فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لعلي: «يَا عَلِيُّ لَا تُتْبِعِ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ فَإِنَّ لَكَ الأُولَى وَلَيْسَتْ لَكَ الآخِرَةُ»، وعَنْ جَرِيرٍ قَالَ: «سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ نَظْرَةِ الْفَجْأَةِ فَقَالَ: اصْرِفْ بَصَرَكَ»؛ لأن التمادي في النظر أو في البصر قد يحدث معه تعلُّق قلبي، وهذا التعلُّق القلبي لا يحقق له هدفًا، لكون الطرف الثاني لا يُشاركه المشاعر، لكون هذا الارتباط غير ممكن، وهنا تأتي المتاعب، ولذلك فالشريعة تحكم هذه العاطفة بقواعد هذا الشرع الذي شرفنا الله تبارك وتعالى به.
أمَّا ما يحدث من عاطفة من الأم تجاه أبنائها، أو من الأب تجاه أبنائه؛ فهذا جانب فطري، غرسه الله في سائر الكائنات، حتى إن الحيوان البهيم يرفع حافره حتى لا يُؤذي صغيره، وهذا الأمر لا يرتبط بالألم أو بغيره، وبلا شك إذا تعبت الأم في حمل طفلٍ مُعيَّن من أطفالها، أو تعبت في مسألة الولادة، فإن هذا يزيد من ارتباطها به؛ لأن هذه المعاناة تزيد من شفقتها، والإنسان الذي يبذل من أجل الشيء، حتى الشيء الذي يشتريه بأموالٍ غالية، ويبذل في سبيله الكثير من الجهد، فإن هذا الشيء يكون له قيمة مرتفعة عن بقية الأشياء التي نالها بسهولة.
ولكن هذه السعادة التي يجدها الآباء والأمهات، وتحصل في هذه العلاقات البشرية، إنما تحصل عندما تنضبط بقواعد هذا الشرع الذي شرفنا الله تبارك وتعالى به، فمن حقنا، بل يجب علينا أن نُحب الآباء والأمَّهات، ولكنَّ هذا الحب ما ينبغي أن يتجاوز الحدود، فإذا أمروا بمعصية فلا سمع ولا طاعة، وكذلك المرأة تحب زوجها وتُؤجر، والعكس.
أمَّا بالنسبة للأجانب الذين لا يحلّ للطرف الآخر أن يتعامل معهم -رجلًا كان أو امرأةً- فما ينبغي أن يتمادى مع مشاعره، إلَّا إذا كان في إطار المحرمية، كأن تكون عمَّةً له، أو خالةً، أو يكون في إطار الحياة الزوجية، وما سِوى ذلك فينبغي أن نُجاهده، وندافعه، حتى نحتكم في مشاعرنا، وفي سائر أحوالنا إلى هذا الشرع الذي شرَّفنا الله تبارك وتعالى به.
نسأل الله تعالى أن يهدينا إلى سواء السبيل، وأن يُرشدنا ويُفقهنا في ديننا وسُنّة نبينا صلى الله عليه وسلم.