تبت إلى الله ونفسي تحدثني بعدم قبول توبتي.. أرشدوني
2024-08-27 00:56:26 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عشت بمستنقع المعاصي طويلًا، ولم أخرج من المنزل لعدة أشهر متواصلة، ولم أحافظ على الصلاة في وقتها، وارتكبت ذنوب الخلوات، وتركت صلاة الجمعة متعمدًا، وأظن أن كل ما فعلته كان كفراً وخروجًا من الدين!
ذهبت بالأمس إلى الغابة المظلمة؛ لأنظف نفسي وأتوب من عذابي، بكيت كثيرًا، ودعوت الله أن يغفر لي، وبكيت وبكيت، شعرت براحة كبيرة جدًا بعدها، ولكن الأفكار والوساوس لا تتركني، وتقول: أفعالي السابقة أخرجتني من الإسلام، ولا يمكن التوبة، فصرت أنطق الشهادتين، وأصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم-، فهل بذلك تقبل توبتي، أم علي فعل شيء آخر؟ كأن يشهد الناس علي وأنا أنطق الشهادتين؟
أجيبوني بإجابة تسعد قلبي الحزين جدًا، فأنا أريد إصلاح نفسي في أسرع وقت ممكن.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عمر حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبًا بك -أخانا الحبيب- في استشارات إسلام ويب، ونسأل الله تعالى أن يَمُنَّ عليك بقبول توبتك ويغفر بها ذنوبك.
ونهنئك -أيها الحبيب- بما وفقك الله تعالى له من التوبة وهداك إليها، وهذا فضلٌ عظيمٌ ورحمةٌ كبيرةٌ واسعة، فاحمد الله تعالى، واستبشر خيرًا، وانتظر من الله تعالى كل جميل، فإنه سبحانه وتعالى أهلٌ بأن يُحسن به الظنَّ.
ومهما بلغت ذنوب الإنسان وكبرت، فإن التوبة الصادقة تمحوها، وقد قال الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم-: "التائب من الذنب كمن لا ذنب له"، بل وقال الله تعالى قبل ذلك: {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعًا إنه هو الغفور الرحيم}.
والتوبة تعني الندم على فعل المعصية، والعزم الصادق على عدم الرجوع إليها في المستقبل، مع الإقلاع عنها في الحال، فمن فعل هذا فقد تاب، وهذا القدر هو المطلوب في التوبة، ولا مزيد عليه، وأيًّا كان هذا الذنب فإن التوبة تمحوه، الكفر وما دون الكفر، ولا يخفى عليك أن أصحاب رسول -صلى الله عليه وسلم- وهم خيرة هذه الأُمّة وساداتها؛ كان كثير منهم من المشركين قبل أن يهديهم الله تعالى إلى الإسلام، فلمَّا تابوا وتابعوا الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم-، وآمنوا بالله؛ قبل الله تعالى منهم ذلك، وصاروا خير البريّة، وأكرم الناس، وأشرفهم عند الله تعالى.
فمهما كان ذنبك فإن التوبة -بالكيفية التي شرحناها- تكفي لتطهيرك من هذا الذنب، فأحسن ظنّك بالله تعالى، واعلم أن الله سبحانه وتعالى كريم رحيم، يُحبُّ التوّابين، ويفرح بتوبتهم ليُكرمهم ويُثيبهم، وإلَّا فهو ليس بحاجة لتوبتهم، وأخبر في كتابه أنه يُبدِّل سيئاتهم حسنات، وهذا فضلٌ عظيمٌ ورحمةٌ كبيرة.
وكلّ ما فعلته -أيها الحبيب- لا يصل إلى الكفر، فأنت كنت تُصلّي -وإن كنت تُخِلُّ بهذه الصلاة-، وكذلك الذنوب الأخرى التي تفعلها، من ذنوب الخلوات، ليستْ كُفرًا، فلا تسمح للشيطان أن يتسلل إلى قلبك ليغرس فيه الشكوك والأوهام والوساوس، وبعد ذلك سيُوقعك في أنواع من الاكتئاب والضيق والحرج، فهذه كلُّها حيل شيطانية، وكيد شيطاني، يُريد به أن يُنغِّص عيشك ويقطع عليك طريقك إلى الله تعالى.
فافرحْ بأن الله سبحانه وتعالى هداك للتوبة، وبادِرْ بالذهاب إلى المساجد وحضور مجالس الذكر -إن وجدتْ-، وتعرَّف إلى الرجال الصالحين الطيبين، فهم أفضل وسيلة تُعينك على الثبات على التوبة، وقد جاء الحديث يدلُّ على ذلك، حين قصَّ علينا النبي -صلى الله عليه وسلم- قصة الرجل التائب، الذي جاء إلى العالِم يستفتيه عن التوبة بعد أن قتل مائة نفسٍ، فأخبره أنه إنْ تاب سيتوب الله تعالى عليه، ودلّه على الذهاب إلى القرية التي فيها رجال صالحون ليعبد الله معهم.
فاحرص على أن تتعرّف
إلى الرجال الطيبين والشباب الصالحين وتتواصل معهم، فإنهم خير وسيلة تعين على للثبات على هذه التوبة، ونؤكد ثانيةً أنه لا يُطلب منك شيءٌ زائد على ما فسّرناه وشرحناه لك من التوبة، بأن تندم على معصيتك، وتُقلع عنها في الحال، وتعزم على عدم الرجوع إليها، ثم لو قُدِّر عليك مرَّة أخرى الوقوع في الذنب أيضًا، فالمطلوب منك أن تُجدد التوبة، ولا تيأس من رحمة الله، فتتوب ثانيةً، وهكذا.
فهذا هو الذي أمرنا به النبي -صلى الله عليه وسلم- وعلَّمنا إيَّاه، ووعدنا عليه بكل خير.
نسأل الله سبحانه وتعالى بأسمائه وصفاته أن يتوب علينا وعليك، وأن يثبتنا وإيَّاك على الحق حتى نلقاه.
والله الموفق.