كيفية تنظيم الوقت ليدرك الإنسان خيري الدنيا والآخرة
2024-11-23 23:18:10 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شخص لديه أوراد من العبادة من المفترض أن تكون يومية، لكن أداؤها بشكل يومي شبه مستحيل يوميًا، الأوراد كالتالي:
- قراءة ٤٠ صفحة من القرآن الكريم.
- مراجعة شيء من القرآن الكريم.
- قراءة كتاب.
- قراءة تفسير.
- الوتر وركعتا الفجر.
- مشاهدة محاضرة أو جزء منها.
- قول: سبحان الله، الحمد لله، لا إله إلا الله، الله أكبر، رب اغفر لي وارحمني وارزقني، سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم مائة مرة.
- قول: سبحان الله عدد ما خلق (هذا الذكر كاملاً ٢٥ مرة)، وكذلك الحمد، والتكبير، والتهليل، والحوقلة، والصلاة على النبي، والاستغفار، وبعض الأذكار القصيرة الأخرى.
- أذكار الصباح والمساء.
- الاستغفار بالأسحار، والدعاء ليلاً في وقت السحر.
- أخيرًا: نشر مقطع دعوي.
إضافة إلى أن هذا الشخص طالب مدرسة، ومجتهد في دراسته -أي متفوق-، وهذا يتطلب وقتًا، الأمر هذا ليس بيده، بل بيد والدته التي لا ترضى إلا بأعلى الدرجات.
هل ترون فيما ذكرت شيئًا كثيرًا؟ وإن كان لا، فلماذا الوقت لا يكفي؟ وأيضًا يعاني هذا الشخص من خمول ونعاس طوال الوقت حتى لو نام ١٢ ساعة لا يكتفي، لكنه يقاوم نفسه ويقصر أحيانًا في النوم من أجل إكمال الأوراد، الأمر هذا سبب له تعبًا نفسيًا؛ لأنه يريد أن يكون تقيًا صالحًا ويريد حفظ القرآن بشدة، لكن الأمر لا يتيسر، ودائمًا يحزن على فوات هذه الأوراد وبالأخص ورد المراجعة أو الحفظ.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ زهراء حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبًا بكِ -ابنتي الفاضلة- في استشارات إسلام ويب.
حقيقة نشعر بالسرور والغبطة عندما نرى أمثال هذه الهمم والطاقات تجتهد في طاعة الله، وتسعى لبناء النفس وتزكيتها في هذا السن المبكر، ولا شك أن هذا توفيق من الله تعالى، وقد جاء في الحديث: (من يُرد الله به خيرًا يُفقهه في الدين)، فهنيئًا لصاحب هذه الهمة، ونسأل الله أن يثبته على هذا الخير، ويعينه عليه، ويُبلغه مراتب الصالحين الأتقياء.
ابنتي الفاضلة: هناك قواعد أساسية لا بد أن تُراعى؛ حتى تحقق العبادات والأعمال الصالحة مقاصدها في النفس، وهذه القواعد كالتالي:
أولًا: الكيفية، لا بد أن تكون كيفية وأداء هذا العمل محققة لعنصرين:
الأول: الإخلاص لله تعالى، فلا رياء ولا سُمعة.
الثاني: المتابعة لهدي النبي -صلى الله عليه وسلم-، فلا ابتداع في دين الله تعالى، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد) رواه مسلم.
ثانيًا: الكم، فالله تعالى رغبنا في الإكثار من العمل الصالح والتزود بالخيرات، قال تعالى: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الْأَلْبَابِ)، وقال تعالى: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِن رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ)، وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا).
ثالثًا: الغاية، وهي تحقيق مقاصد وآثار العمل الصالح في النفس، والسلوك، والتعامل مع الناس، فالأعمال الصالحة لا بد أن يكون لها أثر في حياة الإنسان وتزكية نفسه، وتهذيب أخلاقه، يقول تعالى: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ)، فأثر الصلاة أنها تنهى عن الفحشاء والمنكر.
وبالتالي فإن الإكثار من العمل الصالح مطلوب شرعًا، لكن ينبغي أن يرافقه تزكية للنفس، وتحقيق أثر هذا العمل الصالح، ولكن هذا الإكثار ينبغي ألا يصل إلى حد الغلو والتشدد، وتجاوز الطاقة والقدرة، أو الإضرار بحياة الإنسان، أو إفساد جوانب أخرى مهمة في حياته، فالمسلم يحتاج إلى تحقيق التوازن بين العبادات والاحتياجات الأخرى، وهذا التوازن يتحقق بالتنظيم والترتيب والعدل، وإعطاء كل ذي حق حقه؛ حتى يتحول هذا الأمر إلى عادة وسلوك يلازم الإنسان بقية حياته، ويقطف ثمرته بعد ذلك بإذن الله تعالى.
وحتى تحققي التوازن في وقتك، وتجدي متسعًا للكثير من الأعمال، لا بد أن يتم تقسيم اليوم بشكل متوازن ودقيق عبر جدول مهام يومي، يراعى فيه كل الاحتياجات المتعلقة بالعبادة، والدراسة، والترفيه، والراحة، حتى لا يطغى شيء على شيء ويحدث الخلل.
ويمكن أن نساعدك في وضع أساس لهذا الجدول كالتالي:
أولًا: حددي المهام التي تحتاج إلى أولوية وأهمية؛ فهناك مهم وهناك أهم، وهناك مستعجل، وهناك متأخر. وأيضًا هناك الكثير والقليل، فأعطي لكل مهمة وقتها وقدرها المناسب.
ثانيًا: ضعي جدولًا متوازنًا ينظم كل ساعات اليوم، وحددي فيه الوقت المناسب للحفظ والمراجعة، وقت الدراسة وحل الواجبات، وقت القراءة العامة، وقت الراحة، وقت الدعوة والاستماع لمحاضرة، لا بد أن تكوني صارمة في تحديد وقت كل مهمة، مع وضع هامش مرن لبعض المهام البسيطة التي لا شك ستحتاجين إليها، أو الظروف الطارئة حتى لا يفشل هذا الجدول.
ثالثًا: تجنبي "سُرَّاق الوقت"، وهي الأمور التي تسرق الوقت منك دون أن تشعري، مثل متابعة مواقع التواصل، أو الخروج بدون حاجة، أو الزيارات الكثيرة التي لا فائدة منها، وغير ذلك من الأمور التي تأخذ الوقت من المهام الأخرى، فتشعرين أن إنجاز المهام يفشل، وأن الوقت لا يكفي.
رابعًا: كافئي نفسكِ بعد إنجاز أي مهمة، أعطي نفسك نوعًا من المكافأة كممارسة شيء تحبه النفس، كالنزهة أو شراء شيء وهكذا، فهذا الفعل يعطي النفس حافزًا للمزيد وتكرار الإنجازات والتشجيع عليها.
الحياة المتوازنة هي التي تحقق لكِ الرضا بإذن الله، وهي الحياة التي تجعلك تشعرين بالإنجاز والتقدم، لذلك لا بد من التوازن، وعدم تغليب شيء على شيء، وعدم تقديم سنة على واجب، أو نافلة على فرض وهكذا، وفي الحديث المشهور في قصة سلمان الفارسي رضي الله عنه عندما نصح أخاه: (إنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، ولِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، ولِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ). فأقره النبي -صلى الله عليه وسلم- على ذلك بقوله: (صدق سلمان).
ابنتي الفاضلة: الوقت في حياتنا "أشبه بغرفة جميلة، الأشياء فيها مبعثرة في كل مكان، عند الدخول إليها لن تجدي مكانًا للجلوس أو السير، ولكن بمجرد التنظيم والترتيب، ووضع كل شيء في مكانه الصحيح، تظهر مساحات، وتتحول الغرفة إلى مكان جميل يريح النفس".
أخيرًا: لا تنسي -أختي- الدعاء والتضرع إلى الله تعالى أن يعينك على تنظيم وقتك، وأن يرزقك الهمة للاستمرار، وإخلاص كل هذه الأعمال لله، واتباع هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى تكون مقبولة، ثم اجتهدي في تحقيق أثر هذه الأعمال في حياتك وتعاملاتك مع الآخرين؛ فهذا في غاية الأهمية ، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم).
وفقك الله ويسر أمرك.