أمر بحالة نفسية صعبة بسبب تأخر حصولي على عمل!
2024-12-02 23:14:57 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الإخوة الأفاضل، أمر بحالة نفسية صعبة، نتيجة لعدم التوفيق في البحث عن عمل، فيما يترتب علي مغادرتي للبلاد التي اغتربت فيها منذ 12 عاماً، والعودة إلى بلدي قريباً، حيث إنه لا توجد أي فرص مبشرة أستطيع من خلالها الإنفاق على أسرتي.
أنا دائماً ما أدعو الله بالتوفيق والصبر، وأن بعد العسر يسراً، ومهما ضاق بنا الحال فإننا -والحمد لله- في كثير من النعم، وأنظر دائماً للجانب المشرق، ونصف الكوب الممتلئ، ولكن لكل نفس طاقة احتمال، وأخشى أن يقودني هذا الحال إلى ما لا تحمد عقباه، أو أن يجرني إلى سبيل الشيطان فتضيع دنياي وآخرتي.
أريد إفادتي ما إذا كانت هناك حيلة نفسية أستطيع من خلالها أن أتجاهل التفكير السلبي، وجلد الذات، وحالات اليأس والإحباط، وكأني قد قمت بالضغط على زر يقوم بتعطيل -ولو بشكل مؤقت- لتلك الأفكار، لكي أستطيع أن أستمر، ولو تحولت من إنسان إلى حجارة أو حديد.
تقبل الله منكم صالح الأعمال.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
مرحبًا بك -أخي الفاضل- في استشارات إسلام ويب.
أخي العزيز: بارك الله فيك وفي صبرك وثباتك، وأسأل الله أن يجعل هذه المحنة طريقًا إلى الفرج واليُسر، وأن يرزقك من حيث لا تحتسب.
لقد عبّرت بصدق وأمانة عن حالتك، وهذا أول خطوة نحو الفَرَج والنهوض من أي كبوة، وهو دليل على قلب واعٍ وعقل يزن الأمور بحكمة.
أخي العزيز: ما تمر به هو انعكاس طبيعي لضغوطات الواقع النفسية، ولكن تذكّر أن التفكير السلبي وجلد الذات يُضخّم ما لا تملك السيطرة عليه، ولا يصنع حلًا، وقد يُوصلك إلى ما تخشاه إذا استمررت عليه، وأحد أهم الوسائل التي تُخرجك من هذه الحالة هما أمران: الدواء الروحي الإيماني، وإعادة صياغة الأفكار، ونسأل الله أن يوفقك للعمل بهما.
الأمر الأول: الدواء الإيماني الروحي: ولا أبالغ إن قلت إنه أشبه بزرّ، فبمجرد ممارسته بصدق وإخلاص، يملأ القلب طمأنينة وقوة وثباتًا أمام الشدائد، فمفعوله سريع جدًا في تحقيق السكينة والراحة القلبية.
لتحقيق ذلك ننصحك باتباع التوجيهات التالية:
أولاً: املأ وقتك بذكر الله، كالتسبيح والتحميد والتهليل، مع الحرص على اختيار الأوقات المباركة كالوقت بعد صلاة الفجر حتى الشروق وقبل غروب الشمس، مع حضور القلب أثناء الذكر، وملازمة الطهارة قدر المستطاع، يقول الله تعالى: (أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ).
ثانياً: أكثر من الدعاء بتضرّع وخشوع، وأظهر فقرك وحاجتك إلى الله، وحاول أن تبكي بحرقة قلب، فدموع الرجاء تغسل القلب وتجعله يعيش في طمأنينة وسكينة، قال تعالى: (فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).
ثالثاً: أكثر من قراءة القرآن واستماعه، فتلاوة القرآن وسماعه تحرّك القلوب وتريح النفس، قال تعالى: (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ).
رابعاً: ابتعد عن كل ما يُفسد علاقتك بالله أو يُضعف إيمانك، مثل النظرة المحرمة، أو أصدقاء السوء، أو إضاعة الوقت في مواقع التواصل الاجتماعي؛ فكل هذا مما يُضعف القلب.
خامساً: اجعل لك نصيبًا من قيام الليل، سواءً في أوله أو وسطه أو آخره -وهو الأفضل-، ففي صلاة الليل خلوة بالله تعالى، وفي تلك الساعات بُثّ شكواك وحاجتك، فإن الله كريم حليم يجيب المضطر ويكشف الكرب.
الأمر الثاني: إعادة صياغة الأفكار: إعادة صياغة الأفكار هي نتيجة حتمية للهدوء النفسي، والتأمل الناتج عن العلاج الأول، بمعنى أنك لن تستطيع إعادة صياغة أفكارك وأنت في حالة اضطراب نفسي وخوف، لذا عليك أن تجتهد في المرحلة الأولى لتستفيد من المرحلة الثانية بشكل أفضل، ولتحقيق ذلك ننصحك بالتالي:
أولاً: التخطيط والتوقع لأسوأ النتائج بشكل مُبّكر؛ فهذا يساعدك على التقليل من شدة تأثير الأحداث والمشاكل عند وقوعها.
ثانياً: التأمل في واقع الناجحين ممن مروا بنفس التجربة وحققوا التوفيق والنجاح بعدها، ثم انظر في حال من هم أقل منك حاجة لتحمد الله على الخير الموجود لديك.
ثالثاً: المرونة في البحث عن حلول؛ فلا تشترط وظيفة بصفة معينة أو مكان محدد أو راتب معين، ارضَ بالحلول البسيطة كمرحلة مؤقتة، فهي وسيلة لاستعادة الثقة.
رابعاً: وسّع دائرة علاقاتك بشكل مكثف، واحرص على التواصل مع الآخرين، ولا تخجل من طلب المساعدة أو الإرشاد من أناس تعرفهم أو لا تعرفهم.
خامساً: مارس الرياضة يوميًا كالمشي وغيره، واستمع أثناء ذلك للقرآن، أو ما يبعث على التفاؤل وبناء الذات.
أخي الفاضل: الانشغال عن التفكير بالمشكلة ونتائجها يُساهم في تحقيق الارتياح النفسي؛ مما يُساعدك على جودة التفكير واكتشاف الحلول، أو على الأقل العيش بنوع من الرضا بعيدًا عن التفكير السلبي الدائم؛ لذلك كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، عندما يُحزبه أمر –يشتد عليه– يفزع إلى الصلاة.
أخي الفاضل: لا يوجد زرّ سحري يمكن بالضغط عليه أن تنتهي كل مشاكل الإنسان، أو تتوقف الأفكار السلبية في عقله، أنت مطالب بالسعي والعمل لتجني نتيجة ذلك، وهذه هي طبيعة الحياة، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ).
أخي العزيز: عندما يفقد الإنسان الحلول، يلجأ إلى البحث عن المعالجات السريعة، ولكن الله سبحانه يخبرنا أننا جزء مهم من عملية التغيير، وذلك من خلال سعينا وعملنا، والبحث في جوانب القصور والنقص فينا، فإن تحققت النتائج فالحمد لله، وإن لم تتحقق يبقى القلب معلقًا بالله، وراضيًا بما قسمه، وهذا كافٍ ليُحقق الرضا في النفس.
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (عجبًا لأمر المؤمن! إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن؛ إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له) رواه مسلم.
لا ينبغي أن تكون علاقة المؤمن بربه علاقة مقايضة: إن أُعطي رضي، وإن لم يُعطَ سخط!
أخي العزيز: نُدرك صعوبة الأمر وحجم التحدي الذي تمر به، ولكن أن تفقد العمل خيرٌ من أن تفقد نفسك وراحتك وعلاقتك بالله تعالى.
أسأل الله أن يُبدل همّك فرحًا، وضيقك سعة، وأن يفتح لك أبواب الخير والرزق.