علاج الاسترسال في الحديث النفسي
2006-12-19 10:42:39 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم
أنا لا أدري هل أنا مريض نفسيّاً أو مجنون، لأني أكلم نفسي باستمرار: وأنا في البيت أو في الشارع أو حتى أمام الناس.
ويحصل هذا عندما أتخيل موقفاً، سواء حصل أم لم يحصل، موقف من نسج الخيال، فأعيش مع الموقف كأنه يحدث وأبدأ بالكلام، بل وأستخدم تعبيرات جسدية كحركة اليد، فمثلاً: لو تخليت أني أكلم شخصاً فمن الممكن أن أتكلم وأتصرف كأنه أمامي، حتى أن هناك من الأصدقاء من لاحظ هذه الحالة، وعندما أنتبه لنفسي أشعر بإحراج شديد جداً.
أنا خائف جداً أن توقعني هذه الحالة في مواقف محرجة أخرى فأفيدوني.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد العربي حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فحقيقة التحدث مع الذات أو مع النفس من الناحية النفسية ينقسم إلى قسمين: قسم يدل على وجود مرض نفسي أو حتى مرض ذهاني، وقسم آخر لا يدل على وجود مرض.
فالقسم الأول وهم الأشخاص الذين يتحدثون مع أنفسهم كاستجابة لأصوات يسمعونها، أي أن الشخص تخاطبه أصوات لأشخاص لا يستطيع أن يراهم، وهذه تعرف بالهلاوس السمعية، ويتحدث الإنسان مع هذه الأصوات كنوع من الاستجابة لهذه الهلاوس.
وهذه الحالة تعتبر حالة مرضية، وهي من صميم أحد الأمراض العقلية التي تعرف بمرض الفصام، كما أنها قد تحدث في أمراض أخرى، وهي بالطبع لا تنطبق على حالتك تماماً، أرجو أن تقتنع بذلك؛ لأن في حالات التحدث مع الذات حين يكون جزءاً من مرض الفصام تكون هنالك أعراض أخرى، كأن يعتقد المريض أنه مطارد أو أن مكروهاً سوف يقع له، أو أن هنالك من يحاول أن يضره... وهكذا، وفي نفس الوقت يكون الإنسان فاقد البصيرة ولا يرى نفسه مريضاً، ولا يرى أنه يخاطب أصوات خيالية وإنما هي أصواتاً حقيقية، وهؤلاء المرضى لا يتقدمون بالشكوى مطلقاً، إنما يتقدم ذويهم أو من حولهم ويتحدثون عما لاحظوه عنهم.
وتوجد أعراض أخرى كثيرة كاضطرابات النوم، والتدهور في الشخصية، وإهمال الذات، وهذه هي الهلاوس السمعية وما تؤديه من اضطراب التحدث مع الذات.
أما القسم الآخر وهو أن الإنسان ربما يحدث نفسه كنوع من حديث النفس، أو ربما يكون نوعاً من الامتداد الخيالي لأحلام اليقظة، فكثير من الناس يسترسل ويخاطب ذاته ويتحدث، وحين ينتبه لنفسه يجد أنه كان مسترسلاً في حديث مع نفسه دون أي لازم لذلك، وفي نظري هذا هو الذي ينطبق على حالتك.
إذن هي ربما تكون مجرد نوع من الاسترسال النفسي الداخلي كجزء من أحلام اليقظة، وهي نوع من الأفكار الخيالية، وربما تكون نوعاً من الأمنيات المستقبلية التي يريد الإنسان أن تتحقق له.
وبالطبع الذي أدعوك إليه هو أن تحاول أن تضبط نفسك، وتحاول أنك إذا رأيت أن هذا الأمر متعب أن تعضَّ على لسانك، العض على اللسان يوقف هذه المخاطبات الذاتية التي ربما تكون محرجة من الناحية الاجتماعية.
ويمكنك أن تقوم بإجراء تمرين سلوكي وهو أن تجلس في مكان هادئ وتتصور أنك تتحدث لوحدك، ثم بعد ذلك بالضغط أو العض على لسانك - دون أن تؤذي نفسك بالطبع -، كرر هذا عدة مرات.
ويمكن لهذا التمرين أيضاً أن تحوِّره بصورة أخرى، بأن تسترسل في هذه الخيالات، وفجأة تقوم بالضرب على يديك بقوة وشدة حتى ينفصل حبل التفكير لديك، أو حين تبدأ في الاسترسال في هذه الأفكار مع ضرب اليد على جسم صلب قل لنفسك: قف قف قف... وهكذا، فهذا نوع من التمارين السلوكية التي تساعد، وبالتأكيد هذا سوف يقلل إن شاء الله من حركة اليد.
ولقد وجد بعض الباحثين أن تناول الأدوية المضادة للقلق ربما يفيد؛ لأن البعض يرى أن هذا التخاطب الذاتي ما هو إلا نوع من الأفكار المكبوتة داخليّاً، أي الأفكار التي احتقنت داخليّاً نتيجة لتفكير معين أو قلق معين، ولذا وجدوا أن الأدوية المضادة للقلق ربما تفيد فيها.
ويمكنك أن تجرب أحد هذه الأدوية ومنها دواء بسيط جدّاً يعرف باسم (موتيفال) وهو والحمد لله متوفر بكثرة في مصر، يمكنك أن تبدأ به بمعدل حبة واحدة ليلاً لمدة شهرين، ثم حبة يوم بعد يوم لمدة شهر، ثم توقف عن تناوله.
والشيء الآخر: هو أن تحاول أن لا تجلس لوحدك، وحاول أن تقرأ بصوت عالٍ حين تقرأ أي موضوع، ويا حبذا لو أكثرت من قراءة القرآن والأذكار، ولا شك أنك حريص على صلواتك، فهذا إن شاء الله سيساعدك كثيراً.
إذن أنت لست بمريض نفسي، ولست بمريض عقلي بالتأكيد، هذه مجرد ظاهرة نفسية لم تفسر تماماً، ولكن أغلب الظن أنها تأتي تحت إطار أحلام اليقظة وربما شيء من القلق الدفين في داخل النفس.
أرجو اتباع الإرشادات السابقة وسوف تنتهي إن شاء الله، وأود أن أطمئنك أن هذه الحالات يعرف عنها أنها تختفي مع مرور العمر تلقائياً.
وبالله التوفيق.