كيف يمكن علاج الرهاب الاجتماعي سلوكيا فقط؟
2007-11-21 13:01:59 | إسلام ويب
السؤال:
كيف يمكن علاج (قلق) الرهاب الاجتماعي بالعلاج السلوكي فقط؟
لأنني أتعب جداً عندما أستخدم الأدوية النفسية (زيروكسات) ولم تتحسن حالتي، علماً بأن مشكلتي هي: مشكلة نفسية متكررة، ألا وهي أنني أشعر في محيط العمل -أي المدرسة فأنا مدرس- أنني غير مركز، ومخنوق، ومضطرب جداً، ومنسحب اجتماعياً بشكل واضح، وتائه جداً...، وهذه مشكلة تتكرر معي في كل مكان أعمل فيه، وهي تؤثر علي بالسلب جداً وكثيراً ما فقدت عملي بسببها.
أيضاً إذا تعرضت لأي ضغط شديد في العمل يحدث لي نشفان شديد في الريق؛ وبالتالي أكون في موقف صعب جداً لا أحسد عليه، ولا أستطيع التحدث أبداً.
فما هو علاج الخوف والرهبة؟ علماً بأنني أخاف من مواجهة الناس ولا أستطيع النظر في وجوههم عندما أتحدث معهم.
أنا حزين جداً لحالتي يا دكتور محمد، وأشعر أني ضائع، ولا أعرف ما سبب كل هذا؟!
أرجوك أخبرني بأسباب مشكلتي، وعلاجها السلوكي والدوائي.
وتحياتي لهذا الجهد العظيم، ولكم مني جزيل الشكر.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عمدة حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،
جزاك الله خيراً على تواصلك مع الشبكة الإسلامية.
العلاج السلوكي هو علاج جيد وفعال، ولكنه يتطلب الالتزام المطلق، يتطلب الصبر، يتطلب الإيمان والاقتناع بفعاليته، ويحبذ أن يكون تحت إشراف مُعالج بصورة مباشرة .
يقوم العلاج السلوكي على مبدأ أن المخاوف هي مكتسبة ومتعلمة، وليست شيئاً من الفطرة، وبناءً على ذلك فإن ما هو متعلم أو مكتسب يمكن أن يفقد بنفس الطريقة التي اكتسب بها.
يتطلب العلاج السلوكي اتباع خطوات تطبيقية عملية، ويتطلب كذلك ما يعرف بالتغيير المعرفي، بمعنى أن يكون الإنسان لديه الإرادة، وخارطة التفكير الجادة من أجل أن يتغير .
خطوات العلاج تتمثل في الآتي:
إجراء تحليل دقيق للمخاوف ونوعها وكيفيتها وحجمها ومُثيراتها، ونتائجها، وما يمكن أن يزيدها، وما يمكن أن يخففها.. هذا يُعرف بالتحليل المعرفي السلوكي، ولابد أن يقوم الشخص بكتابته والتأمل فيه وتدارسه، وحين تبدأ خطوات العلاج يجب أن يبدأ الإنسان بأقل المخاوف شدةً وحدةً.
بعد ذلك خطوات العلاج تتمثل في المواجهة، ومع المواجهة لا يطبق التجنب أو يبتعد الإنسان عن التجنب لمصدر خوفه، والمواجهة هي مواجهة في الخيال ومواجهة في الواقع، تبدأ المواجهة في الخيال بأن يجلس الإنسان في مكان هادئ، ولا يكون حوله أي نوع من الضوضاء، وأن يخصص وقتاً لا يقل عن نصف ساعة لكل جلسة علاجية نفسية، ويتأمل الإنسان واحدة من المخاوف التي يعاني منها ويبدأ بالأقل، وهنا يتأمل أنه في مواجهة كبيرة لمصدر الرهاب وفي حالتك هو الخوف الاجتماعي، تأمل أنك أمام تجمع كبير من الناس، تأمل أنك أمام مسؤول كبير، تأمل أنك الشخص الوحيد الذي يجب أن تصلي بالجماعة مثلاً في ذلك اليوم، تأمل أنك وضعت في موقف اجتماعي تكون فيه أنت الذي تقود ولا تُقاد.
هذا التأمل يجب أن لا يقل عن عشرين دقيقة، والإنسان إذا طبقه بالصورة الصحيحة يجب أن يحس بنوع من القلق وزيادة في ضربات القلب، وقد شهدت ذلك عند بعض المرضى الجادين في تطبيق هذه العلاجات، ومن المهم جداً أن لا يخرج أو يشرد الإنسان بخياله التأملي حين يبدأ بالإحساس بالقلق والخوف وتسارع ضربات القلب؛ لأن هذه هي المواجهة الضرورية.
جلسات العلاج النفسي السلوكي بهذه الطريقة تتطلب اثنتي عشرة جلسة على الأقل، ومن المتوقع أن يرتفع القلق والتوتر في الثلاث أو الأربع جلسات الأولى، وفي الجلستين أو الثلاث التي تعقب ذلك يتوقع أن يكون مستوى القلق ثابتاً ولا يزيد، أما في بقية الجلسات فمن المتوقع أن ينخفض مستوى القلق حتى يصل إلى المستوى العادي.
بالطبع كل نوعٍ من المخاوف يتطلب جلسة لوحده، وكما ذكرنا فإن مدة هذه الجلسات أو عدد هذه الجلسات هي اثنا عشرة جلسة لكل نوعٍ من المخاوف.
بعد ذلك تكون الخطوة الثانية وهي أيضاً التأمل في الخيال بأن تنظر في مثيرات المخاوف والروابط المرتبطة به، وتحاول أن تحقرها، ولا تعرها اهتماماً، ثم تبحث بعد ذلك في الروابط التي تقلل من المخاوف وهي لابد أن تكون موجودة وتبدأ في تنشئتها وبنائها وتجسيدها.
بعد أن تبدأ في التمارين السلوكية في الخيال تنتقل في اليوم الثالث إلى التطبيق العملي، وأيضاً قم بتحليل نفسي، اكتب في ورقة كل أنواع المخاوف الاجتماعية التي تعاني منها، أنت ذكرت على سبيل المثال الانسحاب الاجتماعي، إذن يجب أن تضع لنفسك جدولاً يومياً تقوم فيه بزيارة أكبر عدد من الناس، تكون في صلاة الجماعة في الصف الأول، تُشارك في كل المناسبات، وهذا يساعدك كثيراً إذا طبقته بالصورة الصحيحة، وكذلك حاول أن تكون صاحب مهارات اجتماعية عالية، وذلك بأن تنظر إلى الناس في وجوههم، ويمكنك أن تأخذ نفساً عميقاً وبسيطاً حين تقدم على مقابلة أي إنسان، وحين يلقي عليك أحدهم التحية حيّه بأحسن منها وأطول منها، دائماً كن مستعداً ومحضراً لبعض المواضيع التي سوف تطرحها حسب ما تقتضيه المناسبة.
هذه التمارين تؤدي في الغالب إلى زيادة في القلق والتوتر، وهو ما تصفه بأنك تحس أنك غير مركز ومخنوق ومضطرب.. سوف يأتيك هذا الشعور في الأيام الأولى بعد ذلك لن يزيد، وفي نهاية الأمر سوف يختفي تماماً.
الطريقة الثانية للعلاج السلوكي هي: التفاعلات الاجتماعية الجماعية، ومن أفضلها ممارسة الرياضة الجماعية مثل كرة القدم، وحضور حلقات التلاوة، والمشاركة في الجمعيات الاجتماعية والنشاطات الشبابية الأخرى، هذه ذات قيمة علاجية كبيرة جداً بالنسبة لك.
الجانب الآخر والأخير في العلاج السلوكي هو التمارين الاسترخائية المتدرجة، وهنالك عدة تمارين، أبسطها الطريقة التي تعرف بطريقة جاكبسون، وفي هذه الطريقة اجلس مسترخياً في مكان هادئ، افتح فمك قليلاً، وأغمض عينيك، ضع يديك على صدرك دون القبض عليهما، أو يمكنك أن تضع اليدين على الجنب، ثم بعد ذلك خذ نفساً عميقاً وبطيئاً، املأ الصدر بالهواء حتى ترتفع البطن، اقبض على الهواء قليلاً، ثم بعد ذلك أخرج الهواء ببطء وشدة عن طريق الفم، كرر هذا التمرين عدة مرات، بعد ذلك ابدأ في التمارين الاسترخائية التأملية، فتركز على عضلات القدمين وتقول مع نفسك: أنت الآن مسترخ في القدمين، ثم بعد ذلك تنتقل إلى عضلات الساق فالحوض فالبطن فالصدر وهكذا.
هنالك تمارين تعرف بتمارين قبضة اليدين: اقبض على يديك ببطء، وبعد ذلك شد على الأصابع بشدة شديدة، ثم ابدأ في استرخاء اليدين أيضاً بالتدرج، وهذا التمرين أيضاً يكرر على الفكين، اضغط على فكيك ببطء وشدة وقوة لمدة لا تقل عن دقيقتين، ثم بعد ذلك افتح فمك ببطء وتدرج أيضاً، وهنالك تمارين كثيرة جداً وعديدة.
هنالك الكثير من الكتيبات والأشرطة التي توضح كيفية إجراء هذه التمارين، ويفضل أيضاً أن يجريها الإنسان عن طريق معالج يقوم بتدريبه.
أخي الكريم، هذا ملخص بسيط للعلاج السلوكي وهو مفيد ويتطلب الالتزام والتطبيق الجاد.
بالنسبة للأدوية، أنت ذكرت أنك لا تريد أن تستعمل الأدوية، ولكن يعرف تماماً أن الأدوية تساعد في تيسير وتسهيل العلاج السلوكي؛ لأن التحسن الذي يأتي عن طريق الأدوية حتى ولو كان بسيطاً يحفز الإنسان ليمارس العلاج السلوكي بجدية .
أسأل الله لك الشفاء والعافية.
وبالله التوفيق