عدم السماح بالنقاش أورث ضعفاً في الشخصية.
2008-05-01 10:20:51 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا فتاة عربية مسلمة ملتزمة ولله الحمد، وقد عودنا والدي منذ الصغر على قبول، وتطبيق ما نؤمر به دون محاولة النقاش، أو التعبير عن الرأي، ولم يظهر أثر ذلك عند الصغر، ولكن في ظل ما تستوجبه حالة الأمة من تأهب لمواجة الاتهامات والإساءات للإسلام الآن أجد نفسي مطالبة بأن أدافع عن مبادئي وأفكاري، لأني مسئولة أمام الله عن ذلك، ولكني في نفس الوقت أجد نفسي عاجزة عن المواجهة والتعبير عن رأيي والدفاع عنه، رغم أني أشعر بالحماس، وعندما أختلي بنفسي يخطر ببالي ما لم يخطر أثناء حواري مع الآخرين، والذي ينتهي عادة بفشلي، لأني لم أتعلم أساليب النقاش والحوار، وهذا يسبب لي قلقا شديداً، فأنا أريد أن أساهم في نصرة الإسلام.
وجزاكم الله خيراً.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ فاطمة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسعدنا تواصلك معنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله تبارك وتعالى أن ييسر أمرك، وأن يشرح صدرك، وأن يقوي شخصيتك، وأن يثبتك على الحق، وأن يجزيك عن الإسلام والمسلمين خيراً.
وبخصوص ما ورد برسالتك فإنه لأمر محزن حقّاً أن تُدار بيوت المسلمين بهذه الطريقة، فإن مصادرة الآراء، وعدم السماح للنقاش، والرأي الأوحد تعتبر جريمة كبرى في حق هذه الأسرة، حيث إن أفرادها جميعاً، سيخرجون بنفس حالتك، سواء كانوا رجالا أم نساء .. لماذا؟ لأن هذا الأمر ينعكس على الكل.
وحق الجدال، وحق الحوار، وعرض وجهة النظر كلها حقوق كفلها الشرع، ولذلك يقول الله تبارك وتعالى في صورة المُجَادِلة أو المُجَادَلة: (( قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ ))[المجادلة:1]، فالله تبارك وتعالى صور لنا الأمر تصويراً بيِّناً واضحاً، ولم يعتبر ذلك عيباً أن تناقش المرأة دفاعاً عن حقها، أو عن حياتها الزوجية.
وقد أخطأ والدك خطأً جسيماً عندما تعامل معكم بهذه الطريقة، فأنت الآن تشعرين بعدم القدرة على مواجهة تلك التحديات، والاتهامات التي توجه للإسلام، بل لا تستطيعين الرد على ما يتعلق بك في الأمور الخاصة، وهذا أثر من آثار هذه التربية الخاطئة، وثمرة من ثمار مصادرة الرأي، ولذلك أنتم جميعاً ضحية لهذه التربية الغير موفقة.
والحل الآن يبدأ بأن تجربي حتى وإن أخفقت، ولا تتوقفي عند مجرد الخوف لأن هذا الخوف لابد أن يكسر حاجزه، ولابد أن تشبي عن الطوق، وأن تعلمي أن الخطأ ليس عيباً، وإنما العيب أن تستمري في هذا الضعف، لأنك غداً ستصبحين أمّاً وزوجة، وقطعاً ستطبقين نفس النظرية على أولادك، فلا تخلفي وراءك إلا جيلاً من ضعاف الشخصية الذين لا يهتدون سبيلاً، ولذلك لابد لك من كسر الحاجز، ولو مع أخواتك أو زميلاتك في الجامعة، أو في المدرسة أو في أي مكان.
فحاولي أن تعرضي وجهة نظرك حتى وإن كانت خطأً، ومرة بعد مرة سوف تتمكنين من المواجهة بقوة وشراسة أحياناً، لأنك الآن بمثابة المولود لسنوات معدودة، وعمرك يبدأ من الآن، والفترة الماضية كلها هذه لا توجد لديك أي سلوكيات إيجابية فيما يتعلق بالحوار، فابدئي الآن كما لو كنت طفلة صغيرة، وتكلمي، واعرضي وجهة نظرك في حدود من معك من أخواتك وزميلاتك في الدراسة، وحاولي أن تكسري هذا القيد وأن تتكلمي حتى وإن كان الكلام خطأً.
وليس من العيب أن نخطئ، ولكن العيب أن نستمر في هذا الخنوع، الذي لن يأتي بخير أبداً، كما أنصحك أن تقرئي بعض الكتب التي تتعلق بإعادة الثقة في النفس، وكيفية الحوار مع الآخرين، وكيفية الإقناع، فهذه كتب كلها متوفرة في الأسواق وفي المكتبات العامة، أو تلك التي تتعلق بتنمية الموارد البشرية، فاقتني بعض هذه الكتب أو الكتيبات بما يتناسب مع ظروفك وسنك، وقطعاً ستتعلمين مهارات رائعة، وسوف تشعرين بأنك أصبحت لديك قدرة على الحوار العقلي والمنطقي والمتسلسل الذي يجبر من يستمع إليك أن يُنصت وأن يحترم كلامك.
فابدئي المحاولات الآن قبل أن تقرئي الكتب، لأنك لعلك قد لا تجدين الكتب بسهولة أو لعلك تحتاجين إلى بعض الوقت، ولكن من الممكن جدّاً أن تبدئي هذا الأمر ولو على سبيل التجربة مع أقرانك وزميلاتك وأخواتك، وثقي وتأكدي أنك إن فشلت مرة فستنجحين بعد ذلك، فالعالم الذي اخترع الكهرباء أجرى تسعمائة وتسعة وتسعين تجربة ولكنه لم يوفق، وفي التجربة الألف استطاع فعلاً أن يصل إلى مصباح تنبعث منه الكهرباء التي نعيش نحن فيها، فلما سألوه كم مرة أخفقت قال ما أخفقت أبداً، ولكن كانت تجارب أدت إلى نتائج لا أريدها، ولذلك هذه النتيجة هي التي خرجت بالطريقة التي أريد.
والماء إذا وقف أمام السد، ووجد أمامه حجراً، أو سداً يحرص أن يتغلب عليه، ويبحث عن نقاط الضعف، ثم ينساب منها شاقا طريقه وسط هذه الصخور العاتية، ولا أعتقد أنك ستكونين أقل من الحجر، حتى وإن كنت حجراً فلا أقل من أن تكوني حجراً كريماً.
نسأل الله لك التوفيق، وأتمنى أن تبدئي التجربة من غدٍ، وأسأل الله أن يثبتك وأن يربط على قلبك، وأكثري من الدعاء لنفسك بالتوفيق والسداد، واعلمي أن الله يحب الملحين في الدعاء، وأنا واثق من أنك ستنطلقين انطلاقة مذهلة ورائعة إذا نفذت هذا الكلام الذي ذكرته، مع الدعاء لنفسك، وعدم اليأس، وتكرار التجارب حتى النجاح، مع تمنياتنا لك بالتوفيق والسداد.
والله ولي التوفيق.