الدخول في مشروع بعد دراسة جدواه مع حسن التوكل على الله هو أساس النجاح
2008-05-29 06:06:57 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم
تقبلوا مني فائق التقدير
سيدي.
أعاني يا سيدي من مشكلة سوء الطالع وأرجو منكم أن تساعدوني ما استطعتم.
أنا أعمل كتقني براتب متوسط، المهم قررت إضافة إلى عملي كتقني أن أنشئ شركة للاستيراد والتجارة أنا وصديق لي، فاقترضت مبلغاً بسيطاً من المال من البنك، ومنذ ذلك الحين وأنا أعاني من عدم النجاح حتى خسرت إلى الآن نصف المبلغ الذي اقترضت، أي أن النجاح لا يحالفني حيثما وضعت يدي -أستغفر الله- علماً أني كثيراً ما أدعو الله ليوفقني، الحمد لله أني لا أقنط من رحمته.
المرجو أن تشيروا عليَّ بما يجعلني أتجاوز هذه المحنة، وشكراً.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أخوكم من المغرب حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
إنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسعدنا تواصلك معنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله تبارك وتعالى أن يوسع رزقك وأن ييسر أمرك، وأن يجعل لك من لدنه ولياً ونصيراً، وأن يربح تجارتكم في الدنيا والآخرة، إنه جواد كريم.
بخصوص ما ورد برسالتك - أخي الكريم حفظك الله – فإنه ينبغي عليك أن تعلم بدايةً أن الله تبارك وتعالى جعل لكل شيء سبباً وأن الأخذ بالأسباب جزء من هذا الدين العظيم، فالإنسان المسلم مطالب أن يأخذ بالأسباب إلى أقصى درجة، ولكن مع العلم أن الأسباب إنما هي وسائل لتحقيق غايات وليست غاية في حد ذاتها، ونبيك صلى الله عليه وسلم هو أعظم من علمنا الأخذ بالأسباب، ولا أدل على ذلك من استعداده في الحروب وتهيئة الجيوش وكذلك أيضاً في رحلة الهجرة، كل هذا يدل فعلاً على أن الأخذ بالأسباب جزء لا يتجزأ من هذا الدين، فأنا مطالب أن آخذ بالأسباب، ومن الأخذ بالأسباب أيضاً – وهذا أمر ضروري – أنني إذا أردت أن أقيم مشروعاً تجارياً فلابد أن أقيم له دراسة ذات جدوى أولاً: هل هذا المشروع ناجح أو غير ناجح؟ وهل أنا أصلح له أو لا أصلح؟، وهل الموقع الذي اخترته موقع مناسب أو غير مناسب؟، وهل هناك منافسون كبار لي في السوق لا أستطيع أن أعمل معهم أم لا؟ وهل التجارة التي سأعمل بها ستكون متوفرة في السوق أم غير متوفرة؟
إذن لابد من دراسة ذات جدوى كاملة لأن هذه من الأخذ بالأسباب، أما أن يأتي مسلم يفتح مشروعاً تجارياً وهو لا علم له به ولا يعرف عنه شيئاً فتضيع أمواله، فهذا ليس من الدين في شيء، هذا نوع من الفوضى ونوع من تعطيل الشرع وعدم الأخذ بالأسباب، فإنا مطالبون - بارك الله فيك – أن نأخذ بالأسباب ولابد أن يتم كل شيء في غاية الدقة والإتقان، ثم بعد ذلك ندع الأمر لله تعالى، وهذا ما يعرف بـ (التوكل)، فالتوكل هو ترك الأمر لله تعالى مع الأخذ بالأسباب؛ لأن التوكل شيء والتواكل شيء آخر.
لذلك أقول: لابد - أخي الكريم – حتى نكون فعلاً عمليين وفاهمين لديننا من دراسة المشاريع دراسة متقنة ودراسة ظروف ومدى صلاحيتنا لإدارة هذه المشاريع، وهذا أمر أول.
الأمر الثاني - بارك الله فيك – قد يكون الإنسان ماهراً وقد يكون متميزاً ولديه كل عوامل النجاح فعلاً ولكنه لا يوفق، وذلك لحكمة يعملها الله تبارك وتعالى، لماذا؟ لأن الله جل جلاله - أخي الكريم – قدر المقادير وقسم الأرزاق قبل خلق السموات والأرض، وشاء الله تبارك وتعالى أن يفضل بعضنا على بعض في الرزق، فنحن جميعاً ليست أرزاقنا واحدة وإنما فينا من رزقه موسع وفينا من رزقه متوسط، وفينا من رزقه ضيق، وفينا من لا رزق له إلا عن طريق غيره، وفينا من رزقه في الزراعة ومن رزقه في الصناعة ومن رزقه في التجارة، من رزقه من البحر، من رزقه من البر، ومن رزقه من الجو.
هذه كلها قسمة الله تبارك وتعالى حتى تعمر هذه الحياة وحتى يستقيم نظام هذا الكون، الله تبارك وتعالى وزعنا على كل الأعمال التي نحن في حاجة إليها، فقد يكون مما سبق في علم الله أن يكون رزقك مثلاً متوسطاً، ولذلك لأن الله جل جلاله بعلمه بك يرى أنه لو زاد راتبك أو دخلك على هذا الراتب فعله أن يفسد عليك إيمانك أو يفسد عليك دينك، فقدر لك هذا الرزق، ليس معناه أن تظل منقطعاً وأن تقول هذه قسمتي وتنتهي، وإنما لابد من الأخذ بالأسباب إلا أنك ترضى بالنتائج في جميع الأحوال؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز)، فأنت مطالب أن تبحث عما ينفعك في دينك ودنياك ولا تعجز، لو أنك دخلت في مشروع مرة ولم توفق ليس معناه - أخي الكريم – أن الدنيا قد انتهت وإنما لعل هذا المشروع غير مناسب وابحث عن مشروع آخر، إذا دخلت في مشروع بعد مشروع بعد مشروع ووجدت أن الأمور كلها مغلقة عندها نقول: إن الله تبارك وتعالى ما قدر لك هذه الأشياء؛ لأن الله جل جلاله بعمله القديم يعلم ما يصلحك وما لا يصلحك ((أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ))[الملك:14]، ولذلك ورد في بعض الآثار: (إن من عبادي من لا يُصلح إيمانه إلا الغنى ولو أفقرته لفسد حاله، وإن من عبادي من لا يُصلح إيمانه إلا الفقر ولو أغنيته لفسد حاله)، فأحياناً - أخي الكريم – قد يكون الأنسب لي أن أكون في هذه الحالة وأن يكون دخلي في هذا المستوى الأنسب لي في ديني ودنياي، لاحتمال أنه إن وسع الله عليَّ أن أتكبر على عباد الله أو أن أتعالى على خلق الله أو أن أستعمل هذه الأموال في معصية الله، فبعض الناس إذا زادت أمواله فكر - والعياذ بالله عز وجل – في الزنا وفي شرب الخمور والمخدرات وفعل أشياء عظيمة جدّاً، ولذلك يكون الفقر في هذه الحالة أفضل له ألف مرة ومرة من الغنى، لكن هذه المسألة من الذي يضبطها؟ إنما هو الإيمان.
أقول - بارك الله فيك – لعل الذي أنت فيه خير وأنت لست منحوساً ولا شيء، فإن سوء الطالع هذا كذب لا يجوز؛ لأن الله تبارك وتعالى قدر كل شيء بحكمة وعلمٍ وإرادة وقدرة، ولا يعرف عندنا حقيقة هذا التشائم في الإسلام أصلاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك وقال: (لا طيرة)، وإنما الإنسان يتفاءل، ودائماً – كما ذكرت أنت – بفضل الله تعالى لا تقنط من رحمة الله، فأقول لك:
لا مانع من أن تحاول مرة أخرى وتغير النشاط وتأخذ بالأسباب وتكرر؛ لأن هذه أول تجربة بالنسبة لك، فما المانع أن أكرر في نشاط آخر ولكن شريطة أن أكون صالحاً له، لعلك لا تصلح إلا تقنياً مثلاً ولا تصلح مهندساً في مجال آخر ولا تصلح تاجراً ولا تصلح مثلاً طبيباً ولا تصلح مزارعاً، هذا وارد جدّاً، ولذلك أقول لا مانع من تغيير النشاط شريطة أن يكون النشاط الذي ستقبل عليه أنت تستطيعه وتفعله ولابد من دراسة الجدوى بكل إتقان.
إذا وجدت نفسك لا تستطيع المجازفة خاصة وأن المال قرض، فأرى أن تكتفي براتبك المتوسط وأن ترضى بقسمة الله لك، وأن تعلم أن الله سيبارك لك فيه، وأذكرك - بارك الله فيك أخي الحبيب - بقول النبي - عليه صلوات ربي وسلامه-: (ليس الغنى عن كثرة العرض، ولكن الغنى غنى النفس)، الغنى الحقيقي غنى النفس، ليست زيادة الراتب أو كثرة العقارات أو السيارات، وقوله صلى الله عليه وسلم أيضاً: (وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس)، فإذا رضيت بما قسم الله لك فأنت قطعاً ستكون أغنى الناس، وهذا لا يمنع أن تحاول ولكن في حدود إمكاناتك وفي حدود قدراتك وفي حدود ميزانيتك والأحوال المادية عندك حتى لا ترهق نفسك بالديون؛ لأن الدين ذل بالنهار وهمٌّ بالليل.
أسأل الله تعالى أن ييسر لك أمرك وأن يوسع رزقك وأن يربح تجارتك، وأن يوفقك لقضاء دينك.
إنه جواد كريم.