ربيتهم تربية صالحة وبمجرد دخولهم الجامعة تركوا الصلاة!!
2008-10-09 09:56:48 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله.
أنا رجل بلغت من العمر أرذله، ربيت أبنائي تربية إسلامية، ومنها حب الصلاة، وكنت أصطحبهم معي إلى المساجد وهم صغار وشباب، وللأسف: بمجرد دخولهم الجامعة بدأت ألحظ عليهم ترك صلاة الجماعة، وخاصة الابن الأصغر الذي تخرج من كلية عسكرية، والذي ترك الصلاة كلياً حتى في شهر رمضان، هذا الأمر يحزنني وجعلني مكتئباً.
أولاً: ماذا أفعل؟ وماذا أقول لربي غداً حين يسألني؟
أرجو توجيه رسالة إلى شباب الأمة المغيب، وجزاكم الله خير الجزاء.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك الشبكة الإسلامية، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله - تبارك وتعالى - أن يصلح لك أبناءك وأن يجعلهم من صالح المؤمنين، وأن يعيننا وإياك وإياهم على ذكره وشكره وحسن عبادته، وأن يريك فيهم ما تقر به عينك، إنه جواد كريم.
وبخصوص ما ورد برسالتك - أخي الكريم الفاضل – فإني أحب أن أقول لك: حتى وإن كانت هذه السلبيات التي تراها الآن مزعجة لك جدّاً إلا أنه ثق وتأكد من أن الجهد الذي بذلته معهم وهم صغار لن يضيع هباءً منثوراً، والمسألة مسألة وقت، خاصة في مرحلة الشباب يحدث هناك نوع من الفتور لدى الغالبية العظمى من الشباب، والانصراف أيضاً عن بعض العبادات خاصة صلاة الجماعة، ولكن ثق وتأكد أنه من فضل الله تعالى هذه التربية الطيبة التي ربيتهم عليها منذ نعومة أظفارهم هي الأساس في حياتهم، وأنت تعلم أن البيت يُحكم عليه بأساسه، حتى وإن حدث له بعض التشققات الظاهرة لللعيان فإن الناس يقولون: إنه بيت قوي، وبأقل قدر من الترميم والصيانة سوف يعود أدراجه وسوف يكون شامخاً بإذن الله تعالى.
كذلك أقول لك -وهذا ما أحببت أن أبشرك به- بأنه حتى وإن حدث هذا القصور التي تراه الآن، وقلّت المحافظة على صلاة الجماعة لدى أبنائك إلى غير ذلك، خاصة بعد دخولهم الجامعة، فهي مسألة وقت، ولكن ما فعلته لن يضيع؛ لأن الله تبارك وتعالى وعدك بذلك: (( أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى ))[آل عمران:195]، (( إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ))[التوبة:120]، وهذه التربية الأساسية التي ربيتهم عليها سوف ترجع عليهم بالخير -بإذن الله تعالى- مستقبلاً.
ولكن معظم الشباب عادة إذا ما دخلوا الجامعة وانخرطوا فيها وتغيرت علاقاتهم وتغيرت أنماط حياتهم فإنه يحدث لديهم تقصير في العبادات خاصة في صلاة الجماعة، وكذلك أيضاً ولدك الذي تخرج من الكلية العسكرية، فأنت تعلم أن هذه الكليات العسكرية قد لا يوجد لديها أي برنامج يتعلق بالنواحي الإيمانية، ولذلك ابنك يظل في الكلية خاصة في مرحلة الدراسة لأشهر معدودات أو لأيام متعاقبات لعله لا يرى أحداً يصلي إلا من رحم الله، أو لعله لم يسمع أحداً يذكره بالصلاة؛ مما أدى إلى ضعفها عنده، ولكن أقول لك:
ما الحل في هذه المسألة؟ أولاً: أحب أن أقول لك بأن لديك سلاحاً ماضياً، سلاحاً قوياً فعالاً ومؤثراً، سلاحاً غيَّر الله به خريطة العالم أكثر من مرة، ألا وهو سلاح الدعاء، فأتمنى ألا تتوقف عن الدعاء لهم أبداً مهما رأيت منهم من سلوك يزعجك أو لا يوافق مرادك، إلا أنك لا تتوقف عن الدعاء لهم مطلقاً، ليلاً ونهاراً، ولو استطعت أن تدعو لهم بعدد أنفاسك فاصنع؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام أخبرنا بقوله: (لا يرد القضاء إلا الدعاء)، يعني هذا الوضع الذي هم عليه لن يتغير - بإذن الله تعالى – بعامل من عوامل التغيير أقوى من عامل الدعاء.
وأيضاً قال صلى الله عليه وسلم : (إن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، فعليكم عباد الله بالدعاء)، ومولاك الجليل جل جلاله سبحانه قال: (( أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ))[البقرة:186]، وقال أيضاً: (( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ))[غافر:60].
فأتمنى من أخِي الكريم أن يواصل الدعاء ما استطاع إلى ذلك سبيلاً وألا يرتفع إلى سلبياتهم، هذا أولاً.
ثانياً على ذلك: النصيحة؛ لأنه الآن قد يكون بعضهم أقوى منك بدناً، وقد لا تستطيع أن ترفع يدك عليه الآن؛ لأن هذا أمر محظور؛ لأن الولد عندما تحاول أن تؤذيه بدنياً فأنت لا تأمن، قد يفكر الولد أن يرد عليك أو أن يمسك يدك أو يتعامل معك – والعياذ بالله – بطريقة نحن لا نريدها ولا نتمناها، وهم لن يفعلوا ذلك لأن تربيتك لهم كانت تربية إسلامية موفقة، ولكن بين الحين والآخر حاول أن تجتهد معهم في التذكير، فكلما حان وقت الصلاة فحاول أن تتلطف معهم وتنادي عليهم بالأسماء الجميلة: (قم يا أبا أحمد) و(يا أبا فلان) بالطريقة التي تعرفها هذه.
كذلك ابنك الذي تخرج من الكلية العسكرية أيضاً اجتهد معه بارك الله فيك، كلما كان موجوداً وأنت ذاهب للمسجد قل له: من أجل خاطري قم معي إلى المسجد؛ لأني يسعدني حقيقة أن أراك بين المصلين. واجتهد، حتى وإن قال: سوف آتي وراءك، اقبل منه، واتركه وأنت تدعو له بإذن الله تعالى.
وأما مسألة ماذا ستقول لربك غداً؟ فأنت فعلت الذي عليك ما دمت قد أديت الأمر في أوله بطريقة صحيحة، أما الآن فهم رجال وليس لك عليهم من سلطان -بارك الله فيك- إلا النصح، فانصحهم بهدوء وبتلطف، واجتهد معهم في ذلك، ومن الممكن أيضاً أن تستقدم لهم بعض الناس الصالحين أو العلماء والدعاة يأتون لزيارتك ويتكلمون بصفة عامة وليس بصفة خاصة؛ حتى لا يشعروا بأنك كشفتهم أو فضحتهم أمام أحد أو أنك أفشيت سرهم لأحد فيغضبوا ويعاملوك بطريقة غير حسنة.
إذن الدعاء والنصح بلطف وبالموعظة الحسنة والحكمة، والتذكير كلما أتيحت الفرصة، وأن تبدأ بهم، ولا تخاطبهم جميعاً كتلة واحدة، وإنما خاطب كل واحد على انفراد؛ لأنهم قطعاً يستحون منك وإذا قام أحدهم استحياءً فلعل أخاه أن يتبعه، وأسأل الله عز وجل أن يوفقك في مهمتك، وأبشرك بأن الله لن يضيع جهدك، وأنهم حتى وإن تركوا الآن فعمَّا قريب سيعودون - إن شاء الله تعالى – إلى المساجد وسيصبحون من صالحي المؤمنين؛ لأن التربية الصالحة تترك بصماتها، كما أن التربية الفاسدة تترك بصماتها، والدليل على ذلك أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (ما من مولود إلا ويولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصّرانه أو يمجسانه).
إذن عملية التغيير الأساسية والكبرى إنما هي اقتباس من الأسرة وسلوكها، وأنت قد ربيتهم على الخلق الفاضل والتربية الإسلامية، وإن شاء الله لن يخزيك الله فيهم، وأنا أسأل الله تعالى أن يشرح صدورهم للمحافظة على الصلاة، والصلاة في جماعة، وألا يريك فيهم مكروهاً، وأن يجعلنا وإياك وإياهم من صالحي المؤمنين.
هذا وبالله التوفيق.