أشعر بكهرباء شديدة في جسمي أتمنى معها الموت

2009-03-15 06:21:04 | إسلام ويب

السؤال:
تأتيني حالة غريبة، وهي أنني أشعر بأن كهرباء شديدة تمر داخل جسدي، وتكون مؤلمة جداً بحيث أني لا أستطيع الجلوس أو البقاء بمكان واحد، وأود لو أني أرمي بنفسي من الطابق الثاني أو أقطع يدي فأموت وأرتاح من هذا الألم.

علماً بأني أبكي بدون سبب واضح بشكل يومي من ثلاث سنين، لكني توقفت في الآونة الأخيرة، لا أعلم لماذا ربما نفذت مني الدموع أو لم أعد أهتم بما يحصل لي بعد الآن حتى أني فقدت صديقاً عزيزاً عليّ فلم أتأثر أبداً.

أنا أيضاً أقوم بتقطيع جسدي بأداة حادة، وقد حاولت الانتحار من قبل لكنها باءت بالفشل وتنومت في المستشفيات كثيراً.

أنا كثير السرحان حتى أن الأساتذة في الجامعة يضايقونني؛ لذلك أشعر بأني أعيش في عالم غريب جداً طوال الوقت كأنه حلم، وأني غريب وليس من البشر أو أن الناس ليسوا مثلي من البشر، في بعض الأحيان أقنع نفسي بأني مصاب بمرض خطير كسرطان الدم وفي مراحل متقدمة, فليس عليّ القلق أو الخوف بعد الآن؛ لأني سأموت قريباً وهذه الفكرة تريحني جداً.

فهل هنالك علاج لي مع أني أشعر بأنه لا يوجد؟ وبماذا تنصحوني جزاكم الله خيراً؟


الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أ.ق حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فبارك الله فيك، وجزاك الله خيراً، ونشكرك على ثقتك فيما يقدمه موقعك إسلام ويب.

فلقد قرأت رسالتك بكل تمعن وحاولت أن أنظر إليها بموضوعية ودقة، وقد توصلت إلى أن حالتك تأتي تحت ما يسمى باضطرابات الشخصية، واضطرابات الشخصية ربما يكون اسماً مزعجاً خاصة بالنسبة للمختصين في الطب النفسي، ولكننا في نفس الوقت نقول إن الإنسان يمكن أن يتطور إيجابياً ولا يعتبر اضطراب الشخصية سمة دائمة سوف تلتصق بالإنسان طول حياته.

ما تحس به من شعور كأن كهرباء شديدة تمر داخل جسدك هو عرض جسدي لما يسمى بالقلق النفسي، والقلق النفسي وحتى الاكتئاب النفسي والمخاوف والوساوس توجد كثيراً لدى الأشخاص الذي يعانون من اضطرابات الشخصية، فهذا العرض بالرغم مما يسببه لك من إزعاج ولكني أؤكد لك أنه مجرد تعبير جسدي عن القلق النفسي، ونسبة لأن تحملك من الدرجة الضعيفة فإنك تستشعر هذه الأعراض بشدة مما جعل من الصعب عليك تحملها للدرجة التي جعلتك تفكر في أن ترمي نفسك من الطابق الثاني أو تقطع يدك فتموت.

نحن بالطبع ندعوك ألا تقوم بذلك أبداً، وأنا أعرف إن شاء الله أنك لن تقدم على فعل هذا الفعل الشنيع فهو لا يناسب أي مسلم، والحياة بها أشياء طيبة وجميلة، والإنسان لا يمكن أن يحل مشكلته بمشكلة أكبر وأفظع منها.

أنت تذكرت أنك كنت تبكي دون سبب، ولكن في الآونة الأخيرة حتى البكاء والتعبير عن المشاعر قد توقف عنك لدرجة أنك فقدت صديقاً عزيزاً ولم تتأثر بذلك أبداً.

أنا أقول لك حقيقة: إن هذه ربما تكون علامة من علامات النضوج النفسي والتواؤم النفسي، وليست علامة تبلد في المشاعر أبداً، أنا أعرف أنك قد تأثرت لموت صديقك بالرغم مما ذكرته، ولكن التأثر لم يكن على الطريقة الهستيرية والانفعالية السابقة التي كنت تعبر بها عن مشاعرك، أنت تقبلت الموضوع بصبر، وأصبح العقل الباطني لديك يقوم بضبط إيقاع الأمور بصورة أكثر حذاقة، وهذا إن شاء الله يعتبر تنفساً جيداً للمشاعر لأنه قائم على الانضباط وعلى التكيف مع الذات وعلى التواؤم مع الحدث، فأرجو ألا تنظر لما حدث لك من تغير نظرة سلبية بحتة، فإن شاء الله فيه الكثير من الإيجابيات، بالرغم من أنك قد تختلف معي في تفسير هذا، ولكني أقول لك إنني حين أنظر للأمور بالمقاس النفسي المهني أرى أن هذا تقدم إيجابي.

ما قمت به من تقطيع لجسدك بآلة حادة وحاولت الانتحار من خلال هذا الفعل، هذا فعل نشاهده لدى الأشخاص المضطربين في شخصياتهم، ونحن على قناعة كاملة في الطب النفسي أن الذي يقوم بهذا الفعل لا يريد أن يقتل نفسه، ولكنه يبحث عن مخارج، وهذه نسميها صرخة استغاثة، والبعض يسميها فعلاً نفسياً لا شعورياً من أجل استدرار العطف، والبعض يرى أن القيام بهذا التقطيع للجسم يعطي شعوراً داخلياً بالراحة للأشخاص الذين يعانون من الاحتقانات النفسية الشديدة ذات الطابع السلبي.

ما تعاني منه من سرحان وعدم تركيز هو جزء من القلق الذي تحدثت عنه سابقاً، وفكرة المخاوف من الأمراض وأنك مصاب بالسرطان في مراحله الأخيرة هذا مجرد مخاوف وسواسية وليس أكثر من ذلك.

أنا أقول لك: الوضع المثالي لحالتك هو أن تكون تحت إشراف علاجي نفسي منتظم لدى أحد الأطباء وكذلك مع أخصائي نفسي؛ لأن التطبيقات العلاجية السلوكية تحتاج إلى شخص يكون قدوة لك من أجل التطبيق، وهذا لا يتم بالطبع إلا من خلال المقابلات المباشرة للمختصين، والحمد لله تعالى المملكة العربية السعودية فيها خدمات متميزة للطب النفسي، فأرجو أن تستغل هذه السانحة وتتواصل مع إحدى العيادات التي تثق بها.

ومن جانبنا نقول لك: يجب أن تصل بنفسك إلى إيجابية أكثر، فأنت شاب في مقتبل العمر لك طاقات إيجابية كثيرة، فعليك أن تجعل هذه الطاقات الإيجابية تفعّل وتستبدل بها التصرفات والأفكار السلبية التي تسيطر عليك الآن، يجب أن تعلم أن الحياة جميلة ويجب أن تعلم أن هنالك أشياء طيبة جميلة يمكن أن تقوم بها، ونصيحتي لك أيضاً أن تتخذ القدوة الصالحة وسيلة علاجية بالنسبة لك، حاول أن تتعرف على الشباب من أصحاب الأخلاق والقيم العالية من المتدينين، وسوف تجد منهم إن شاء الله المساعدة والاستبصار وسوف يأخذون بيدك في هذه الصعوبات والمشاكل التي تقابلك.

يجب أن تركز على دراستك الجامعية وتعرف أن التعليم هو وسيلة فاعلة لتطوير الإنسان معرفياً واجتماعياً، والحصول على الشهادة في حد ذاته إن شاء الله سوف يفتح لك أبوابا وآفاقا كثيرة وكبيرة جدّاً.

إذن خلاصة الأمر: أنت محتاج أن تقيم ذاتك بصورة إيجابية وأن تقبل ذاتك وأن تطور ذاتك، هذه هي المناهج النفسية الثلاثة، أن تفهم ذاتك بسلبياتها وكذلك إيجابياتها لابد أن تستذكرها، وتقبل ذلك، وبعد ذلك تسعى لتطور ذاتك بتصحيح المسارات السلبية جميعها، وتعظيم وتجسيم وتضخيم المسارات الإيجابية، وهذا يساعدك كثيراً.

ما قمت به من محاولات انتحارية بتقطيع الجسم بآلات حادة هذا لا شك أنه لعب بالنار، ولا أستطيع أن أصفه بغير ذلك، والحمد لله الذي نجاك؛ لأن كثيراً ما تكون الحسابات خاطئة وقد تؤدي هذه المحاولات إلى الوفاة، فأرجو أن تحذر وأرجو أن تتوقف عن هذا، وتعلم أن الله تعالى قال: (( وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ))[البقرة:195]، وقال أيضاً: (( وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ))[النساء:30] وقد ثبت من طريق أبي هريرة عند مسلم: (من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جنهم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن تحسى سماً فقتل نفسه فسمه في يده يتحساه في نار جنهم خالداً مخلدا فيها أبداً، ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً)، فعليك أن تسأل الله أن يغفر لك ما سبق وأن تفتح صفحة جديدة مع نفسك.

هنالك علاجات دوائية تفيد في مثل حالتك، والأدوية التي تستعمل هي مزيج من مضادات الاكتئاب وجرعات صغيرة من مضادات الذهان، وجرع أيضاً من ما يعرف بمثبتات المزاج، الأدوية التي نعطيها في مثل هذه الحالة هو عقار يعرف تجارياً باسم (تجراتول Tegretol) أو يسمى علمياً باسم (كاربامزبين Carbamazepine)، وكذلك عقار يعرف تجارياً باسم (رزبريدال Risporidal) أو ما يسمى علمياً باسم (رزبريادون Risperidone) وكذلك عقار يعرف تجارياً باسم (بروزاك Prozac)، ويسمى علمياً باسم (فلوكستين Fluoxetine).

أنا لا أريد أن أدخل في تفصيل الأدوية لأن الأمر يتطلب إشرافاً طبياً نفسياً، وكما ذكرت لك في بداية وصدر هذه الاستشارة سيكون من الأفضل ومن الأفيد لك أن تتواصل مع بعض المختصين اتصالاً مباشراً، وهذا لا يعني أن تتجاهل ما ذكرناه لك في هذه الاستشارة من نصائح وإرشادات نراها معقولة، وأنا أبشرك أن مثل حالتك تتحسن - إن شاء الله تعالى – بمرور الزمن، ويُعرف تماماً أن الإنسان يأتيه نضوج نفسي كامل مع تطور المرحلة العمرية لديه.

هذا لا يعني أنك تجلس وتستكين وتنتظر الأيام حتى تغير ما بك، لا، أنت مكلف بأن تغير ما بك، وأن تسعى نحو ذلك، وأمامك - إن شاء الله تعالى – فرص كثيرة جدّاً، وأسأل الله لك العافية والشفاء.

وبالله التوفيق.

www.islamweb.net