الشعور بإعراض الناس وملازمة الانطواء والقلق .. التشخيص والعلاج
2009-04-03 15:55:35 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
مشكلتي أني دائماً أشعر بأن الآخرين لا يقدرونني ولا يحترمونني، ودائماً معرضون عني، وأعاني من ذلك كثيراً، ولا أدري هل هذا الشعور صحيح أم لا، ويسبب لي هذا الشعور نوعاً من الانطواء، بحجة أن الذي لا يقدرني ولا يهتم بي لا أهتم به، فهل هذا مرض نفسي؟ وما هو علاجه؟ وكيفية التعامل الصحيح مع أصناف الناس؟!
أفيدوني وجزاكم الله خيراً.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإن هذه المشاعر التي تنتابك من أن الآخرين لا يكنون لك الاحترام ولا يقدرونك وأنهم معرضون عنك؛ لا شك أنه شعور ظناني في المقام الأول، بمعنى أنه لديك آليات نفسية داخلية جعلتك تسيء التأويل ولا تحسن الظن بالناس، وهذه علة في الشخصية، وإذا كانت الحالة شديدة نسمي هذا النوع من الشخصيات بالشخصية الظنانية أو بالشخصية البارونية، وهذا النوع من الشخصيات يميل أيضاً إلى الانطواء ويميل إلى الحساسية وإلى القلق الداخلي وإن كان لا يظهر قلقه سطحياً أو بصورة واضحة.
لا تعرف الأسباب بدقة لهذا النوع البناء النفسي للشخصية، ولكن يُعتقد أن خبرات الطفولة وتراكمات التنشئة المختلفة في مرحلة الطفولة واليفاعة قد تلعب دوراً في ذلك.
تصحيح مسار الإنسان يتطلب بعض الوقت لإزالة هذه المشاعر، وأول خطوات التصحيح هي أن يقيم الإنسان نفسه بصورة صحيحة ومتجردة، ونحن في مثل حالتك نقوم بإجراء اختبارات نفسية إكلينيكية نسميها باختبارات الشخصية، ومن أفضل هذا النوع من الاختبارات اختبارات تسمى باختبارات (منيسوتا Minesota) لاختبار الشخصية، وهي أسئلة تصل في مجموعها إلى خمسمائة وخمسين سؤالاً يُجيب عليها الشخص الذي يُريد تحليل شخصيته، وهنالك مفتاح خاص للإجابات يقوم من خلاله الأخصائي النفسي بتحليل النتائج ومعرفة حجم الاضطراب أو التوتر أو عدم المواءمة الموجودة في شخصية الإنسان.
وهذا الإدراك لطبيعة الشخصية يعتبر وسيلة مهمة أو الخطوة الأولى في العلاج؛ لأن الإنسان إذا لم يدرك مشكلته بصورة صحيحة لن يواجهها، ولن يضع الآليات التي تساعده في الحل، لذا أنصح إذا كان هنالك إمكانية للذهاب لأخصائي نفسي لإجراء قياسات وتحليل للشخصية، هذا سيكون أفضل وأكثر علمية ومنهجية ومهنية.
وإذا كان ذلك غير ممكن نقول لك أنه توجد علة في شخصيتك، ولكنها ليست علة أساسية بإذن الله، والعلاج يأخذ بعض الوقت، وهو يتكون من جلسات كلامية متصلة وتمارين من أجل تصحيح المفاهيم، ويمكنك أن تلجأ لهذه التمارين، وهي أن تقيم هذه الأفكار وتحللها بصورة دقيقة، وتتساءل مع نفسك: (لماذا أشعر بهذا الشعور السلبي حيال الآخرين؟ لماذا لا أحسن الظن بالناس؟ أعرف أن العالَم فيه أخيار وفي أشرار، لكن يجب ألا أرمي جميع الناس وأنعتهم بأنهم يكرهونني ويحتقرونني، هذا ليس صحيحاً، أنا أرى الاحترام أمامي من كثير من الناس، فلماذا أعتقد مثل هذا؟! لابد أن أتخلص من هذا الاعتقاد الغير سوي والغير منصف والغير صحيح).
هذه القواعد الثلاث مهمة جدّاً لتتجاهل أحكامك السلبية على الآخرين وتستبدلها بأحكام إيجابية جديدة.
وحين يقابلك أي شخص – على سبيل المثال – ويسلم عليك، هنا عليك أن تُفكر في نفس اللحظة أن هذا إنسان جيد، وهذا رجل فيه خير قام بالسلام عليَّ، فعليَّ أن أرد عليه السلام وأبتسم في وجهه، وهكذا .. هذه مواقف بسيطة ولكنها مواقف يمكن أن تُبنى من خلالها المهارات الحياتية الاجتماعية والسعي لتغيير المفهوم.. هذا مبدأ أساسي.
المبدأ الثاني: هو أن تبني شبكة من العلاقات الاجتماعية في أماكن ومع فئات من الناس يُعرف عنها أنها تقدر الآخرين، فمثال ذلك: المصلين في المسجد، لا شك أنهم يعرفون قيمة الناس ويقدرون ويحترمون الآخرين، ومن هنا يمكنك أن تبني علاقات طيبة. تخير من أرحامك من ترى أنهم متسامحون وجيدون، وكذلك من الجيران والآخرين..
إذن: تحرك لهذا الاتجاه الذي يعتمد على بناء العلاقات الاجتماعية.
ويجب أن تكون لك برامج يومية تتخلص من خلالها من الانطواء والانزواء والعزلة، والبرامج يجب أن تشمل الخروج وممارسة الرياضة مع مجموعة من الأصدقاء، والجلوس مع بعض الأصدقاء أيضاً للترويح عن النفس في حدود ما هو مشروع، وكما ذكرنا الصلوات الخمس في المسجد يعتبر تواصلا ممتازا، وحاول أن تدرس أيضاً مع زملائك، لا تمل للدراسة وحدك كثيراً، لا شك أنها ضرورية ومهم أن تذاكر وحدك، ولكن كن ميّاًلا لأن تذاكر مع الآخرين خاصة فترة قبل الامتحانات، هذا سوف يساعدك في تكوين المعلومات وفي نفس الوقت يجعلك تحسن الظن بالآخرين.
وأنصحك أيضاً بأن تنضم إلى جمعيات الشباب في الأندية أو جمعيات الخير والبر والإحسان، هذه تعطيك الثقة في نفسك وفي الآخرين، وقد وجد أن ممارسات هذه الأعمال التطوعية تبني شخصية الإنسان بناءً إيجابياً، فأرجو أن تجعل لنفسك وسيلة توصلك إلى مثل هذا النوع من النشاطات.
لا أقول لك إنك تعاني من مرض نفسي حقيقي، ولكنها بالطبع ظاهرة نفسية مهمة، كما أوضحت وشرحت لك ذلك، فأرجو ألا تتجاهل الناس وتسعى في ذلك، ومن خلال حديثي السابق معك بأهمية التواصل والمشاركة في النشاطات الاجتماعية والانضمام في الأعمال الخيرية والذهاب إلى المسجد لأداء الصلوات الخمس، هذا كله وسيلة من وسائل التواصل تجعلك إن شاء الله تتفاعل إيجابياً مع الناس.
سيكون أيضاً من الجيد لك أن تتناول أحد الأدوية البسيطة المزيلة القلق وتساعد أيضاً في إزالة الشكوك، هذا العقار متوفر في مصر وبكثرة، يعرف تجارياً وعلمياً باسم (موتيفال Motival)، تناوله بجرعة حبة واحدة يومياً لمدة ثلاثة أشهر، وأعتقد إن شاء الله أنه سوف يفيدك كثيراً، ولكن الأهم من ذلك هو أن تبق التمارين السلوكية العملية التي ذكرناها لك.
أرجو ألا تكون حساساً، كن مُقدماً، كن لك حضورك، كن مشاركاً بصورة إيجابية، وتفاعل مع بيئتك وتقبلها بصورة إيجابية أيضاً، وأنا متأكد أن شخصيتك سوف تتطور بإذن الله نحو الأفضل، هذا يتطلب بعض الوقت، ولكن في نهاية الأمر إن شاء الله سوف تصل إلى ذلك.
وختاماً: نشكرك على تواصلك مع موقعك إسلام ويب.
وبالله التوفيق.