عصبية الزوج وإصراره أنه لا يخطئ... والمشاكل التي نجمت عن ذلك
2008-10-04 08:00:46 | إسلام ويب
السؤال:
أنا متزوجة منذ 4 سنين، ولدي طفلة عمرها 3 سنوات، مشكلتي أن زوجي عصبي ويحب الدقة في كل شيء حتى الكلام، وهو دائماً يردد لي أنه لا يخطئ أبداً - ليس كفراً - لكن ثقة بالنفس، ومشكلتي أني أحاول قدر جهدي الحفاظ على حياتي معه لكني أخطئ ومن دون عمد وهو لا يتحمل ذلك؛ لأنه يعتقد بأني أتعمّد أن أخالفه أو أغيظه، وأنا والله لا أعلم لماذا أخطئ؟!
يستخدم معي أسلوب العقاب المعنوي إذا أخطأت، بأن يحرمني من الخروج مثلاً مدة شهر، وما إلى ذلك، لكنه - يا شيخ - عندما يكون هادئا فهو طيب وحنون.
هو يصلي ويصوم، فماذا أفعل، أنا أحاول أن أكون مثالية له لكنني أخطئ ولا أتعمد الخطأ، وهو يحلل ويفسر وحتى لو كان هو المخطئ، فإنه بتحليله المنطقي أصبح أنا المخطئة!
حاولت أكثر من مرة أن أتناقش معه وتكون نتيجة النقاش النهائية بأنه أخبرني بصريح العبارة: (أنا أريد امرأة لا تناقشني بشيء)، وأنا لن أغير طبعي، وأنت يجب عليك أن تكوني كما أريد، وأنا حائرة بالبقاء معه أو الانفصال، أنا لا أريد الانفصال عنه، وحياتنا عندما لا تشوبها المشاكل تصبح ولا أجمل منها، ولا أريد أن أكرهه لكني تعبت من المشاكل.
أرشدني أرجوكم ماذا أفعل؟
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أم نضال حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
إنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك الشبكة الإسلامية، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله تبارك وتعالى أن يصلح ما بينك وبين زوجك، وأن يرزقه الرحمة والرفق بك، وأن يرزقك التوفيق والسداد في تصرفاتك من أقوال وأفعال، وأن يجمع بينكما دائماً على خير، وأن يصلح ذات بينكم، وأن يؤلف على الخير قلوبكم، إنه جواد كريم.
بخصوص ما ورد برسالتك - أختي الكريمة الفاضلة – فإني أحب أن أقول لك بداية: إنه لا يوجد إنسان في هذا الكون كله بلا أخطاء، حتى وإن كان زوجك يدعي أنه لا يخطئ أبداً، وإن كان يثق في نفسه فإنا لن نصدقه ونكذب النبي صلى الله عليه وسلم، فإن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون).
الخطأ هنا لا يلزم أن يكون معصية، وإنما قد يكون الخطأ مخالفة الواقع أو وقوع شيء ليس على الوجه الطبيعي، وهذه الأخطاء معروفة بالنسبة لنا جميعاً، فكون زوجك لا يخطئ هذا وهم، ولكنه قد يتصور الصواب من وجهة نظره هو بطريقة معينة ويرى أن هذا هو الصواب، في حين أن طلبه منك عدم الخطأ خطأ؛ لأن الله تبارك وتعالى جل جلاله قال: (( وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ))[هود:118-119].
لو شاء الله تعالى أن يجعلنا كالملائكة بلا أخطاء لكان ذلك فهو على كل شيء قدير، فكل واحد منا - أختي الكريمة – نشأ في بيئة وتربى في أسرة، وتأثر قطعاً بسلوك هذه الأسرة ونمط حياتها، ومن الصعب جدّاً بل إنه يكاد يكون من الظلم القاتل الفادح أن أقول لإنسان عش كما أريد أنا؛ لأن هذا أمر لم يأذن به الله تعالى، وليس متفقاً مع الفطرة التي فطر الله الناس عليها، بل إننا نكون أبناء رجل واحد وامرأة واحدة وبيننا خلاف في السلوك كما بين السماء والأرض.
كون المرأة تكون صورة مطابقة تماماً لزوجها هذا أمر صعب جدّاً إن لم يكن مستحيلاً، وإنما النبي عليه الصلاة والسلام أخبرنا أن المرأة خلقت من ضلع، وأنه إذا أراد الإنسان منا أن يستمتع بها فليستمتع بها على عوجها.
كونه لا يريدك أن تخطئي فهذا خلاف الفطرة وهذا خلاف الشريعة؛ ولذلك يلزمه - بارك الله فيك – أن يوسع صدره لتلك التصرفات الطبيعية التي لا يسلم منها أحد ما دمت لم تتعمدي الأخطاء، فينبغي أن يكون هناك التماس للأعذار، وينبغي ألا يكون هناك وقوف على كل صغيرة وكبيرة؛ لأن الحياة بهذه الكيفية حياة مرة وحياة مؤلمة وحياة قاسية، فعندما أشعر بأن كل خطأ غير مقصود أتعرض بسببه لمحاكمة وتحليل للمواقف تحليلاً دقيقاً فهذا أمر فعلاً تمله النفس؛ ولذلك من حقك فعلاً أن تتعبي من المشاكل، فأقول:
إن زوجك في حاجة إلى أن يعيد النظر في نفسه هو وفي تصوره للخطأ والصواب أيضاً؛ ولذلك أنصحكما - بارك الله فيك – أن تتفقا معاً على أن تدرسا حياة النبي عليه الصلاة والسلام في بيته، وكيف كان يتعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع مشاكل أهله؛ لأنه قطعاً هو المعصوم الوحيد الذي عصمه الله تبارك وتعالى، كيف كان يتعامل النبي عليه الصلاة والسلام مع الأخطاء، هل يا تُرى كل امرأة كانت تخطئ من زوجاته كان يفعل معها كما يفعل زوجك؟
قولي له: أنا أريدك فقط أن تعاملني كما كان النبي يعامل أهله، فما دمت رجلاً تصوم وتصلي وأنت رجل صالح فأنت لست أزكى من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا لستُ أزكى أيضاً من أمهات المؤمنين، فأنا إنسانة بسيطة، وأنت قطعاً إنسان بسيط بالمقارنة بالصحابة، لا تساوي شيئاً أمام صحابة النبي عليه الصلاة والسلام، ورغم ذلك أريدك فقط أن تنظر كيف كان تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع أهله عندما يقع الخطأ.
الأخطاء كثيرة حقيقة؛ لأن زوجات النبي عليه الصلاة والسلام لم يكنَّ معصومات، والصحابة رضي الله تعالى عنهم أيَضاً ليسوا معصومين، فقد وقعت بينهم خلافات كبيرة جدّاً أدت إلى قتال وتناحر وإراقة دماء وتمزيق أشلاء، إلى غير ذلك، وهذا بيِّن في كتب التاريخ.
فقط كل الذي أريده حلاً لهذه المشكلة أن تطلبي من زوجك الكريم وتقولين لي: أنا لي رجاء واحد فقط أنك تتعرف على كيفية معاملة النبي عليه الصلاة والسلام لأهله عندما يخطئون، وهل هذا الذي تفعله أنت يوافق شرع الله تعالى أم لم يوافق؟ فإذا كان لا يوافق شرع الله تعالى فأنت مطالب بأن تتركه؛ لأن هذا الذي تفعله أنا حقيقة تعبت منه، وأنا واثق يقيناً بأنك تحب الله ورسوله؛ ولذلك أنا لم أجد مثلاً أعلى ولا قدوة حسنة أطلب منك أن تتأسى بها إلا حبيبك عليه الصلاة والسلام، فتعال معاً نجلس جلسة وننظر إلى معاملة النبي صلى الله عليه وسلم مع أهله.
قطعاً ستجدين أشياء كثيرة جدّاً، وكيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعامل مع زوجاته، كيف كان يتعامل مع عائشة - رضي الله تعالى عنها وأرضاها - سورة التحريم التي سميت بالتحريم لماذا، لماذا أنزلها الله تبارك وتعالى وتكلم فيها كلام تفصيل عن أشياء كثيرة؟
أتمنى أن تجلسا معاً – أنت وزوجك – فحاولوا أن تطلعوا على هذا الكلام وقولي له: فكرة أنك لا تخطئ فهذا مستحيل؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول: (كل بني آدم خطّاء).
سيقول لك: الخطأ هنا المعاصي؟ فقولي له: ليست كما تظن، ليست المعاصي وحدها فقط، المعاصي أحد الأخطاء، ولكن الأخطاء السلوكية أيضاً هي موجودة، وإلا لو شاء الله لجعلك ملكاً ولجعلنا ملائكة لا أحد يخطئ وأنا أيضاً كذلك، ولكن كوننا نتعامل بهذه الطريقة فهذه الطريقة جافة وطريقة مؤلمة وطريقة صعبة، فأريدك فقط أن تتعرف على هدي النبي في بيته عليه الصلاة والسلام كيف كان يعامل النبي أهله صلى الله عليه وسلم إذا حدثت أخطاء من عائشة أو من حفصة أو من زينب أو من أم حبيبة؛ ماذا كان يفعل النبي عليه الصلاة والسلام، فأريدك أن تعاملني كذلك.
أنا واثق بذلك - إن شاء الله تعالى – أن هذه المسألة سوف تنتهي إذا كان زوجك رجلاً عادياً وطبيعياً ويحب الله ورسوله، أما إذا كان خلاف ذلك فقطعاً هذه المسائل ستكون هوىً متبعاً، وأسأل الله ألا يكون كذلك بإذنه تعالى.
أسأل الله لكما التوفيق والسداد، كما أسأله تبارك وتعالى أن يأخذ بنواصيكم إلى الحق، وأن يشرح صدوركم لقبول سنة النبي المصطفى عليه الصلاة والسلام، وأن يذهب عنكم كيد شياطين الإنس والجن، إنه جواد كريم.
هذا وبالله التوفيق.