نصائح وإرشادات لموظف يعاني بعده عن زوجه ومتاعب الغربة
2008-10-27 10:40:36 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا شاب تزوجت منذ شهرين، ثم تركت زوجتي وغادرت بلدي للعمل بدولة أخرى، وبعد مغادرتي توفي جدي، وعندما حضرت لعملي بالدولة الأخرى فوجئت بتعنت المسئولين معي وإصرارهم على نقلي إلى مكان آخر للعمل به، مما أضر بسكني ومأكلي، وأشعر أني مضطرب داخلياً شوقاً لزوجتي وحزناً على جدي، وخوفا من عملي، ولا أطيق الجلوس والعمل، بالإضافة إلى عدم استطاعتي الرجوع إلى بلدي لأن متطلبات الحياة كثيرة، وأخاف على نفسي اليأس من رحمة الله، فبم تنصحونني؟!
علماً بأني أصبحت ملتزماً أكثر ولله الحمد، وأريد التغلب على أحزان فراق زوجتي وجدي ومشاكل عملي، فماذا أفعل حتى لا يغدر بي أصحاب العمل وموظّفوهم؟!
وجزاكم الله خيراً.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك استشارات الشبكة الإسلامية، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله تبارك وتعالى أن يفرج كربتك وأن يقضي حاجتك، وأن يوسع رزقك وأن ييسر أمرك، وأن يربط على قلبك، وأن يعوضك خيراً عما فقدته، وأن يرحم جدك، وأن يجمعك بأهلك، وأن يرزقك الأمن والأمان والسكينة والرحمة معهم.
وبخصوص ما ورد برسالتك: فإنه من المؤلم حقّاً أن يتعرض الإنسان لعدة طعنات في وقت واحد، ويرى نفسه عاجزاً عن الدفاع عن نفسه أو بذل أدنى قدر من المقاومة، فأنت رجل قد تزوجت حديثاً وتركت زوجتك نظراً لظروف المعيشة الصعبة التي تجدها في بلدك، وخرجت مهاجراً إلى الله بحثاً عن لقمة عيش طيبة حلال، ثم شاء الله أن يتوفى جدك بعد مغادرتك، ثم كان تعنت القائمين على العمل وإصرارهم على نقلك إلى مكان آخر، فهذه كلها أمور صعبة وشديدة وقاسية، ولكنك لن تستطيع أن تغير من هذا الأمر شيئاً.
وعلاج ذلك كله لا يكون في التهور، وليس أمامك إلا الصبر، والصبر ليس معناه الذل والهوان، وإنما الصبر نوع من العلاج يحتاج إلى فترة طويلة حتى يتأتى مفعوله، والصبر ليس هروباً من المشكلة، وإنما معالجة للمشكلة؛ لأن الله تبارك وتعالى جعل الصبر من أسباب أو من عوامل تغيير الواقع، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: (واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً)، وهو علاج طويل يحتاج أحياناً إلى أشهر، ولكنه أكيد المفعول بإذن الله، خاصة أنه لا خيار أمامك، وليس في يدك من شيء تفعله.
فاحرص أن ترضى بما قدره الله لك؛ لأن النبي - عليه الصلاة والسلام - أخبرنا بقوله: (إذا أحب الله عبداً ابتلاه، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فعليه السخط)، فإذا رضيت ستشعر بالراحة النفسية وسيرضى عنك الملك جل جلاله سبحانه، وإذا سخطت تألمت ألماً قاتلاً ويسخط عليك الله ولم يتغير من الواقع شيء.
فعليك بالصبر الجميل، واعلم أن الله يحب الصابرين، واعلم أن الله مع الصابرين، واعلم أن الله أعطى الصابرين جزاءً لم يعطه لغيرهم من العابدين المسلمين الصادقين، حيث قال سبحانه: (( إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ))[الزمر:10]، واجتهد في محاولة إقناع المسئولين، فإن وفقت في ذلك فعلى بركة الله، وإلا فهو ابتلاء آخر يحتاج منك إلى الصبر، وحاول التأقلم مع الواقع الجديد الذي أنت فيه، ولا تُحدث مشاكل حتى لا يستغنوا عنك وأنت في أمس الحاجة إلى العمل.
وعليك بسلاح آخر من أقوى عوامل التغيير، وهو الدعاء، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يرد القضاء إلا الدعاء)، وقال أيضاً صلوات ربي وسلامه عليه: (إن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، فعليكم عباد الله بالدعاء)، فادع الله وأنت على يقين من الإجابة، واعلم أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاهٍ، وثق وتأكد من أن الدعاء سيغير حياتك أيضاً تغييراً عظيماً، فالله على كل شيء قدير.
وقد أكرمك الله بأن أصبحت أكثر التزاماً، والالتزام والطاعة أيضاً من أعظم عوامل تغيير الواقع، حيث قال الله تبارك وتعالى: (( فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى ))[طه:123]، وقال أيضاً: (( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ))[النحل:97].
فأوصيك بالالتزام بما أكرمك الله به، وأقبل على الله واجتهد في قراءة القرآن، وحاول أن تبدأ مشروعاً لحفظ القرآن ولو بمعدل آية يومياً، مع شيء من حديث النبي - عليه الصلاة والسلام - من كتاب كرياض الصالحين، أو شيء من الفقه من كتاب كفقه السنة، حتى تتعرف على أحكام دينك، وشيء من العقيدة من كتب العقيدة المبسطة، وحاول أن تستغل وقت فراغك في شيء نافع؛ لأن الفراغ قاتل.
ولا مانع من أن تتواصل مع زوجتك عبر الإنترنت لتسري عن نفسك، نسأل الله تبارك وتعالى أن يفرج كربتك، وأن يقضي حاجتك، وأن يجعل لك من لدنه وليّاً ونصيراً، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وبالله التوفيق.