هل التوسعة في الرزق ودلالة على رضا الله عن العبد؟
2008-11-11 12:30:15 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم..
أتعرض للظلم والاحتقار في بعض الأحيان لأني فقيرة، ولكني أصبر على ذلك وأقابل السيئة بالحسنة، وفي بعض الأحيان أتعب، وما يغضبني أنهم يقولون أنهم في نعمة لأن الله راض عنهم، وأن ما أنا فيه من سوء هو بسبب ما في نفسي، مع أني متواضعة وقنوعة ولله الحمد، وأقوم بواجباتي الدينية ويشهد الناس لي بحسن الخلق، فما ردكم على ذلك؟
وشكراً.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ Kalthoum حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك الشبكة الإسلامية، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، وأسأل الله العلي الأعلى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يبارك فيك وأن يثبتك على الحق، وأن يوسع رزقك وأن ييسر أمرك، وأن يعزك بعزه، وأن يجعلك من أهل الجنة، وأن يبارك عليك، إنه جواد كريم.
وبخصوص ما ورد برسالتك، فإن هذا كله أمر عادي وطبيعي أن يحدث في البيئات أو الأماكن التي يقل فيها الإيمان والفهم الصحيح، فإن بعض الناس نتيجة سوء فهمهم يظنون أن الغنى والأولاد واستقرار الأسرة من علامات رضا الله تعالى، وهذا ليس دليلاً قاطعاً؛ لأن الله تعالى يقول: ((فَأَمَّا الإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ، وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ، كَلَّا ))[الفجر:15-17] أي ليس الأمر كذلك، بل إننا نجد أن معظم المسلمين الصالحين والأولياء الكبار كانوا من أفقر الناس في زمانهم، ورغم ذلك لم يتبرموا ولم يقولوا بأننا عصاة أو فجرة وإنما هذه قسمة الله تعالى؛ لأن الله سبحانه وتعالى كما ورد في الأثر يقول: (إن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر ولو أغنيته لفسد حاله، وإن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى ولو أفقرته لفسد حاله)، ويقول النبي عليه الصلاة والسلام: (ليس الغنى عن كثرة العرض، ولكن الغنى غنى النفس).
والغنى الحقيقي إنما هو غنى النفس، وأنت قد أغناك الله تبارك وتعالى بالقناعة بما أنت فيه، فوالله أنت الغنية حقّاً، فكم من أناس لديهم مليارات وملايين ويشعرون أنهم فقراء، فهذا الكلام الذي يقولونه غير صحيح بالمرة وأن ما هم فيه من بسط النعمة ليست علامة رضا الله تعالى عنهم؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول: (إن الله يعطي الدنيا لمن يحب ولمن لا يحب، ولا يعطي الدين والإيمان إلا لمن أحب)، فقد منَّ الله عز وجل عليك بصفات طيبة رائعة، وهذه دليل على محبة الله تبارك وتعالى لك.
وأما الفقر والغنى فهو ابتلاء من الله سبحانه وتعالى، فأنت قد ابتلاك الله عز وجل بقلة ذات اليد وابتلاهم بالتوسعة، ولكن كلٌ محاسب يوم القيامة على ما أعطيه، قال الله تعالى: ((وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً))[الأنبياء:35]، ورسول الله صلى الله عليه وسلم حبيبك الأسوة والقدوة كان يمر عليه الهلال ثم الهلال ثم الهلال – ثلاثة أهلة في شهرين – ولا يوقد في بيته صلى الله عليه وسلم نار ولا نور، يعني (نار) حتى يصنع ويطبخ عليها شيء، (ولا نور) يضيء به البيت، وكان يربط الحجر على بطنه صلى الله عليه وسلم من شدة الجوع، بل يربط الحجرين كما حدث في غزوة الأحزاب، وكان يجوع يوماً ويشبع يوماً، وكان يقول: (اللهم أحييني مسكيناً وأمتني مسكيناً واحشرني مع المساكين).
فليس وجود الأموال أو النعم في يد الناس علامة رضا الله، ولكنها قد تكون علامة رضاً إذا كانت تعين العبد على طاعة الله تعالى، واستخدم هذه الأموال في طاعة الله عز وجل ولا يستعملها في معصيته، فإنه يكون بذلك قد رضي الله تعالى عنه، وهو سيسأل عن ذلك أيضاً؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع -ومنها- عن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه).
فأنت على خير، فقد أكرمك الله تبارك وتعالى بخلق حسن، وهذا من رحمة الله تعالى ومن فضله وتوفيقه، فاحمدي الله تعالى أن حباك هذه النعم ووفقك لهذه الخيرات، واثبتي على ما أنت عليه ولا تلقي بالاً لهذا الكلام، فإنه كلام لا أساس له ولا أصل، ولا تشغلي بالك بذلك، واسألي الله عز وجل أن يغفر لهم وأن يتوب عليهم وأن يهديهم.
وأهم شيء علاقتك مع الله تعالى، فما دامت علاقتك مع الله تبارك وتعالى على الوجه المرضي وما دام قد منَّ الله عز وجل عليك بحسن الخلق، فاعلمي أن أعظم رزق أكرمك الله به إنما هو حسن الخلق؛ لأن الله تبارك وتعالى جعل حسن الخلق أعظم من كل هذه النعم التي يتكلمون عنها، وأبشري بعوض عظيم من الله تعالى في الدنيا والآخرة؛ لأن الله جل جلاله جعل أهل الجنة إنما هم من الفقراء، نسأل الله أن يثبتنا وإياك على الحق وأن يجعلنا وإياك من أهل الجنة.
وبالله التوفيق.