تفضيل الزواج بالمواطنة على المقيمة
2008-11-21 16:04:41 | إسلام ويب
السؤال:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أنا شاب أعزب عمري 32 عاماً، أود الزواج من زوجة من نفس نوعية أخواتي أو من نفس بيئتي أو مدينتي لكي يكون هناك تقارب فكري، وقد اقترح والدي الزواج من بعض الأسر المقيمة، لكني أخاف من مشكلة عدم التوافق الفكري، وكما تسمعون عن حوادث الطلاق بعد أن يتم الإنجاب من بنات الأسر المقيمة لأنه وجد أن تكلفة الزواج منها أيسر من قريناتها، وبعد فترة يهمل زوجته المقيمة ويلتفت لقريناتها؛ لأنه يعتبر أن بنت الأسر المقيمة درجتها أقل من قريناتها.
وأحب النساء الجميلات، وقد فتنت ببعض الصور التي رأيتها في مراهقتي عندما كنت بأوروبا، وأتقوى بالصيام لكي أنسى، وحبي للنساء ليس عادياً، والشيطان يزينه لي، وتعجبني ممثلة أوروبية ممشوقة القوام حسنة الوجه صورتها لا تفارقني، وأتمنى أحياناً أن أدخل الجنة لكي أتحصل على أفضل منها لكني أكتشف أني أحتاجها في الدنيا.
علماً بأني أحب الدين ولله الحمد، ولم أمارس الاستمناء مطلقاً لكن شهوتي بدأت تقلقني بشكل دراماتيكي، ولم أحسن جمع المال في وظيفتي بسبب أني أحاول رد بعض الجميل لوالدي، ولا أدخر مالاً من راتبي ولا أقوم بأي أعمال بعد انتهاء عملي بالمساء، ورغم أن مؤهلي العلمي عالي وأستطيع العمل بوظائف كثيرة إلا أن شهوتي أصابت جزءاً كبيراً من قوتي ولم يتبق من قوتي إلا ما يعينني على الفروض الخمس والقيام للوظيفة والقليل من قراءة الكتب المفيدة.
وأشعر أن جهازي العصبي حساس جداً لجميع المعطيات التي حولي، وأحس بالآخرين، ولدي قدرة جيدة لقراءة تعبيراتهم، ويرجع سبب حساسيتي لعدة أسباب، منها البيولوجي ومنها الطريقة التي نُشئت عليها، فقد نشأت شخصيتي على حب الكمال والمعايير العالية، وأفضل العيش في المملكة المتحدة على العيش في أفضل الدول العربية، وذلك لشفافية التعامل مع الناس سواء كانوا مسلمين أو غير ذلك، فانصحوني بما ترونه مناسباً.
وشكراً لكم.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الله حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأله تبارك وتعالى أن يوفقك لكل خير، وأن يجنبك الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وأن يعينك على ذكره وشكره وحسن عبادته، وأن يكرمك بزوجة صالحة تحقق لك ما تتمناه، وأن تكون على قدر من الإيمان والصلاح والتقى والجمال والحياء والفضيلة.
وبخصوص ما ورد برسالتك، فإن الزواج من نفس بيئتك وبلدك ومن مثيلات أخواتك هو الأفضل؛ لأنه مهما كان صلاح الأسر المقيمة ومهما كان وضعها المادي أو الجمالي أو الإيماني فإنها عرضة للتأثر بالظروف التي تحيط بها، وأما ابنة بلدتك أو مدينتك أو جنسيتك فإنها عادة ما تكون أقرب للثبات منها إلى عدم الاستقرار، وخاصة أن الأسر تتفاوت والبيئات تختلف، فأنصحك بأن تتزوج من بني جلدتك ومن أهلك أو من بيئتك أو من أقرب الناس إليكم سواء كانوا في الجيران أو المعارف أو غير ذلك.
وهذا فيه نوع من التكافؤ الذي لا يمنعه الشرع بل يؤيده ويحض عليه؛ لأن معظم الدول الإسلامية بل في الدولة الواحدة تجد أن العادات والأعراف والتقاليد تختلف من قرية إلى قرية ومن مدينة إلى مدينة، فعليك بالصبر حتى تتزوج أختا فاضلة من أهل بلدك فذلك خير لك.
واعلم أن ليس كل ما يتمناه المرء في الدنيا يدركه، ولذلك فإن خير الأمور الوسط، فلو أنك أردت امرأة جميلة ممشوقة القوام حسنة الوجه فقد لا تكون تنجب، وقد تكون جميلة ولكنها ليست مسلمة، وقد تكون جميلة ومسلمة ولكنها ليست ملتزمة، وأنت تريد امرأة تعينك على أمر دينك ودنياك، تعينك على أمر دينك بأن تكون صالحة مستقيمة عفيفة فاضلة تحفظ عليك عرضك ومالك وتحسن تربية أبنائك ولا تدخل عليك ما تكره، وأن تكون أيضاً حافظة لك في أمر دنياك بأن تكون على قدر من الجمال، وهذا أمر لا ينكره الشرع ولا يرفضه، بل على العكس يؤيده: (انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما).
فالوسطية شيء طيب، فقد تجد خصلة وتغيب خصال أخرى، فخير الأمور أوسطها، فأتمنى أن تتوسط في طلباتك حتى تُعان بإذن الله على تحقيق ما تتمناه.
وعليك أن تضع لنفسك خطة لجمع بعض الأموال حتى تستطيع أن تتزوج؛ لأن الزواج يحتاج إلى تكلفة، خاصة إذا كنت ستتزوج من جنسيتك، فإنك تعلم غلاء المهور وما يترتب على ذلك من تكاليف باهظة، ونحن لن نكون غير هذا المجتمع الذي نعيش فيه، فضع خطة لجمع بعض الأموال، ولا مانع أن تخبر والديك بذلك حتى يعيناك على هذا الأمر لأنه أمر ضروري حتمي، فقد وصلت إلى منتصف العمر ولم تتزوج، إذ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أعمار أمتي ما بين الستين والسبعين، وقليل منهم من يجاوز ذلك).
وأما ما يتعلق بالحساسية التي عندك فهي حساسية مفرطة ولكنها مفيدة في بعض صورها ومؤلمة في بعض صورها الأخرى، وعموماً فإن المؤمن كيس فطن، وكما ورد (لست بخبٍّ ولا الخبُّ يخدعني)، فالمسلم لا يُخدع بسهولة، وإنما يكون حريصاً كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: (احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز).
وأما الإقامة في المملكة المتحدة فإن هناك فارقا بينها وبين الإقامة في أفضل الدول العربية كما ذكرت، وهذا قد يكون حقاً من جوانب ولكنه مكلف أيضاً من جوانب أخرى، فأنت لا تستطيع أن تقيم الإسلام في حياتك على الوجه الأكمل، ولن تستطيع أن تحيا حياتك كمسلم كامل الإسلام، وإن كانت هناك بعض المجتمعات في بعض بلاد المهجر تستطيع أن تؤدي دوراً في الحفاظ على أولادها ولكن في النهاية هم يحافظون على الجيل الأول، أما الجيل الثاني والثالث والرابع فالله المستعان.
وقد نهانا النبي عليه الصلاة والسلام عن الإقامة في بلاد الكفر إلا لضرورة فقال: (أنا بريء ممن قام بين ظهراني المشركين وخالطت ناره نارهم)، فإذا وجدت هناك ضرورة فلا مانع من الإقامة في تلك البلاد، وإذا لم تكن هناك ضرورة فالأولى أن تقيم ببلاد الإسلام فهي خير وبركة مع الضعف الذي فيها وتراجعها الإداري، إلا أنها تبقى بلاد الإسلام.
وقد منَّ الله عز وجل عليك بمؤهل علمي عالي وبتوفيق من الله تعالى تستطيع العمل في وظائف كبيرة، فعجل بالخير وضع لنفسك خطة تسير عليها بعد نهاية الدوام؛ لأن الوضع الذي أنت عليه ليس هو الوضع الأفضل والأمثل، وإنما هو أقل حد من الممكن أن يقوم به أي إنسان، وأنت رجل متميز، فينبغي عليك أن تحسن استغلال وقتك، وأن تعلم أن الساعة قد تغير أشياء كثيرة في حياة الإنسانية كلها وليس في حياة شخص واحد، فضع لنفسك خطة واحسب إدارة وقتك بطريقة جيدة ومنظمة ومرتبة، خاصة أنك عشت في بلاد كلها ترتيب ونظام، ولا تجعل الوقت يتسرب من بين يديك كالماء الذي ينساب من بين أصابع صاحبه، وإنما أعلم أن وقتك هو حياتك وهو رأس مالك وهو رصيدك الوحيد الذي تخرج به من الحياة، فأحسن استغلاله في الأشياء المفيدة والنافعة سواء كانت شرعية أو غير شرعية؛ لأن الله سائلك عنه يوم القيامة، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه...) الحديث.
فأتمنى أن تضع لنفسك خطة محكمة لتنظيم وقتك، وأن تلتزم بها حتى تستطيع أن تحقق إنجازات، وبمقدورك أن تبدأ في حفظ القرآن الكريم ولو آية أو آيتين أو ثلاث يومياً، وأن تقرأ سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وأن تقرأ تاريخ الإسلام أو تاريخ الإنسانية بدءاً من آدم عليه السلام إلى يومنا هذا، بمقدورك أن تتعلم علوما كثيرة، وأن تطور أداءك ومستواك العلمي، وأن تحاول أن تحصل على شهادات أعلى بما أنت عليه حتى تُصبح عملاقاً في خدمة الإسلام.
ولا تضيع وقتك فأنت المسئول عنه بين يدي الله، والأمة في أمس الحاجة إليك وإلى غيرك كرجل متميز منحك الله منحاً عظيمة، ولكنك تريد ترتيبها من جديد، وتريد وضع خطة لاستغلالها حتى تكون إنسان رائعا، واجعل على رأس أولوياتك أن تتزوج مبكراً حتى تستطيع أن تُعان على غض بصرك وتحصين فرجك وأن تُكرم بامرأة تعينك على أمر دينك ودنياك، نسأل الله لك التوفيق والسداد، وأن يمنَّ عليك بالزوجة الصالحة، وأن يوفقك لترتيب أوقاتك وحسن الاستفادة من عمرك.
وبالله التوفيق.