وساوس الخوف من الطرد من العمل
2008-12-22 14:49:14 | إسلام ويب
السؤال:
أنا أعمل في المملكة العربية السعودية، تلازمني الكثير من الوساوس في عملي، حيث يخيل لي دائماً أنهم سوف يطردونني من العمل، كما أنني متردد في اتخاذ أي قرار، وأحس أنني لو اتخذته فسوف يعود علي بالضرر البالغ.
أنام وأنا مقتنع به، وعندما أستيقظ فإنني أريد عكس ما اتخذته! مشوش الذهن والبال، وبالي لا يكاد يرتاح، أتخيل كل الظروف أمامي وكل الافتراضات ولا أجد نفسي أستريح في أحدها، أحس أنني أسير في ظلام، ولا أرى الطريق واضحاً أمامي، أقرأ القرآن ولكن ليس كثيراً، أواظب على الصلاة، وإن لم يكن كلها في المسجد.
كما أعاني من كثرة التفكير في المستقبل، وأفكر في أشياء بعيدة كل البعد عن الحاضر، فما سبب هذا أفادكم الله؟
أريد علاجاً عملياً وفعالاً لراحة البال، وعدم الانشغال بالمستقبل.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ ص. النجار حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبعد:
فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب، فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يبارك فيك، وأن يصرف عنك كل سوء، وأن يعافيك من كل بلاء، وأن يُذهب عنك كيد شياطين الإنس والجن، وأن يرزقك الثقة فيه جل جلاله وحسن الظن فيه سبحانه، كما نسأله تعالى أن يرزقك الثقة في قدراتك وإمكاناتك، وأن يعيد إليك الثبات واستقرارك النفسي والاجتماعي حتى تحيا حياة طيبة مباركة سعيدة موفقة.
وبخصوص ما ورد برسالتك - أخي الكريم الفاضل – من أنه تلازمك الكثير من الوساوس في عملك، حيث يخيل إليك أنهم سوف يطردونك من العمل، وأنك متردد في اتخاذ أي قرار – إلى غير ذلك من هذه السلبيات التي تعاني منها – فإني أحب أن أقول لك:
هذه الأمور قد تحدث لكثير من الناس نتيجة تصرفات معينة أو سلوكيات معينة تمت بسببها منذ مرحلة الصغر أو مرحلة الطفولة، خاصة مرحلة الطفولة المبكرة، فإن الواحد منا – كما تعلم – مدين لأسرته وبيئته بكل مقوماته التي يحيا بها بعد ذلك، فنحن نكتسب من البيئة كثيراً من الصفات التي تظل معنا حتى ندخل قبورنا، بل إن هناك بعض السلوكيات السيئة قد نكتسبها ويصعب علينا أن نتخلص منها أيضاً، وكذلك بعض السلوكيات الحسنة التي يكتسبها الإنسان من بيئته، فتصبح علامة بارزة على حياته وسلوكه وتصرفاته.
وكما ذكرت كل البشر، كلهم مدينون لمرحلتهم الأولى التي عاشوها في أسرهم منذ نعومة أظفارهم، فهذه الوساوس وهذا التردد قطعاً إنما هي ثمرة من ثمار التربية التي قد تكون مشوبة ببعض الاضطرابات في العلاقات ما بين الوالد والوالدة، أو ما بين الوالدين وأفراد الأسرة، أو هناك بعض الظروف التي تعرضت لها الأسرة.
ظروف قاهرة اضطرتها إلى عدم الاستقرار النفسي مما انعكس سلباً على أفراد الأسرة، وبالتالي أيضاً انعكس عليك أنت كأحد أفراد هذه الأسرة.
فالأسرة مثلاً التي تعاني من عدم الاستقرار المادي أو عدم الاستقرار الأمني أو عدم الاستقرار الاجتماعي، وتعاني من اضطراب مثلاً في حياتها؛ تنعكس هذه الآثار على أبنائها.
ولله الحمد والمنة هذه الأمور كلها لها علاج؛ لأننا نعلم يقيناً باعتبار أننا من أمة الإسلام – هذه النعمة العظيمة التي أكرمنا الله بها – أن الله تعالى ما خلق داءً إلا وخلق له دواء علمه من علمه وجهله من جهله، فنحن نؤمن جزماً ويقيناً بأن كل مشكلة لها علاج بإذن الله تعالى، ولذلك هذه التصرفات التي تعاني أنت منها الآن لها علاجها - بإذن الله تعالى – ودعني أبدأ بالعلاج بالطريقة السهلة المبسطة لأقول لك:
ما المانع أن تقوم بعمل رقية شرعية لنفسك أولاً، والرقية الشرعية إذا لم تنفعك لن تضرك؛ لأن الرقية الشرعية عبارة عن آيات معينة من القرآن الكريم وأحاديث معينة من سنة النبي المصطفى محمد عليه الصلاة والسلام تتم قراءتها على الشخص مرة بعد مرة.
قد يلاحظ تحسناً كبيراً في حياته، بل إني أسمع الآن أن هناك مستشفيات في أمريكا وغيرها تعالج غير المسلمين بالقرآن الكريم وبعض الأذكار والأدعية، فالمسلم أولى قطعاً بذلك؛ لأن هذا كلام الله الذي يؤمن به ويتفاعل معه، ولذلك أتمنى بارك الله فيك:
بإجراء رقية شرعية إذا كان هناك قريب لك، أو إنسان من المقربين منك يستطيع أن يفعل ذلك فذلك حسن، وتستطيع أنت أيضاً أن تقوم برقية نفسك بنفسك وهذا أفضل؛ لأن الواحد منا هو الذي يشعر بالعلة والداء أكثر من شعور الطرف الآخر به، فالواحد منا قد يكون يعاني من تمزق في أعضائه والطبيب أمامه لا يبالي كثيراً، لأنه لا يشعر بنفس الألم الذي يشعر به المريض، ولذلك أتمنى أن تبدأ أنت بنفسك، خاصة وأنه يوجد في بريطانيا مراكز إسلامية كثيرة، وبالتالي توجد أشرطة إسلامية أيضاً تتحدث عن الرقية الشرعية وعن كيفية تطبيقها إلى غير ذلك.
فأتمنى أن تبدأ بذلك، إن وجدت أي مادة جاهزة فذلك حسن، أو بعض الكتيبات أو بعض المطويات التي تتحدث عن الرقية الشرعية.
إذا لم تجد ذلك فتستطيع أن تدخل على بعض المواقع، إذا كتبت في موقع بحث – مثلاً (جوجل) الرقية الشرعية، فستجد بإذن الله تعالى عشرات المواقع التي تحدثك عن الرقية الشرعية، فتستطيع من خلالها أن تأخذ هذه الآيات وتلك الأحاديث وتقرأها على نفسك فترة من الزمن، وأنا أعتقد أنك ستلاحظ بإذن الله تعالى تحسناً كبيراً يطرأ على حياتك بعد مواظبتك على ذلك.
إذا لم تستطع ذلك فمن الممكن أن تستعين ببعض المشايخ أو الدعاة للقيام بالرقية الشرعية بالنسبة لك، وهم كثير ولله الحمد.
أتمنى أن تستعين بذلك، وبإذن الله عز وجل سوف ترى أن هناك كثيراً من هذه الآثار النفسية سوف تذهب عنك - بإذن الله تعالى - فيما يتعلق بالوساوس أو فيما يتعلق بالتردد في اتخاذ القرار؛ لأن هذا كله قد يكون دافعه نوع من الحسد وقد يكون نوع من العين وقد يكون نوع من المس وقد يكون وأحياناً بعض السحر، وإن كنت لا أكاد أجزم بذلك، ولكن أقول إنك - بإذن الله تعالى – إن استعملت الرقية الشرعية ولم تنفعك فلن تضرك؛ لأنها كلام الله وكلام النبي عليه الصلاة والسلام.
بالنسبة للوساوس القهرية الشديدة الذي يصعب التخلص منه الآن له علاج، ولو دخلت على أي رسالة من رسائل إسلام ويب وكتبت (الوساوس القهرية) سوف تأتي أمامك حالات كثيرة، وبعض الأدوية التي يمكن أن تساعدك، وإن كنتُ أعتقد أنك لا تحتاج لذلك نظراً لحالتك التي أشرت إليها في رسالتك.
إذن: أتمنى أن تقوم بعمل رقية شرعية، وأيضاً أتمنى منك - بارك الله فيك – أن تحافظ على أذكار الصباح والمساء، فإن المحافظة على أذكار الصباح والمساء سوف تفيدك كثيراً حقيقة في القضاء على هذا التردد - بإذن الله تعالى – وفي الحد من هذه الوساوس حتى تنتهي، خاصة الذكر المعروف: (لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير) مائة مرة صباحاً ومائة مرة مساءً، كذلك أيضاً قول النبي صلى الله عليه وسلم: (بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم) ثلاث مرات صباحاً وثلاث مرات مساءً، وأيضاً: (أعوذ بكلمات التامات من شر ما خلق) ثلاث مرات صباحاً وثلاث مرات مساءً.
المحافظة على آية الكرسي مع المعوذات صباحاً ومساءً، وهذه ستنفعك جدّاً - بإذن الله تعالى – في تجفيف منابع الوساوس والقضاء على قضية التردد بإذن الله تعالى.
أتمنى أيضاً –بارك الله فيك – أن تأخذ ببعض الأشياء التي تعينك وتنفعك من الناحية العلمية، فأنت تعلم أن المكتبات الإسلامية عامرة بأشياء كثيرة من الممكن أن تستفيد منها، بأن تزور بعض الأركان التي تتكلم عن الجوانب الاجتماعية خاصة في الإسلام، فتستطيع من خلالها أن تقرأ كتابا عن كيفية اتخاذ القرار المناسب، وأيضاً توجد كتب كثيرة عندكم تستطيع مثلاً أن تقرأها مثل كتاب (أتح لنفسك فرصة)، وهو كتيب بسيط لكاتب اسمه (جوردن بايرون)، هذا كتاب بسيط جدّاً وفيه طريقة التعامل مع القرارات وغير ذلك.
أيضاً يوجد كتاب آخر اسمه (تعلم التفاؤل)، هو كتاب موجود في السعودية باعتبار أنك تعمل فيها الآن، وهناك من المشايخ الذين سوف يساعدونك على العلاج والرقية الشرعية بسهولة ويسر، لأن هذا متوفر في المملكة بكثرة بإذن الله تعالى.
أيضاً: زيارة منك لمكتبة جرير في المملكة العربية السعودية سوف تجد الكثير من الكتب التي تساعدك، هناك كتاب اسمه (تعلم التفاؤل .. كيف تستطيع أن تغير طريقة تفكيرك وحياتك)، وهذا كتاب رائع أيضاً من إصدارات مكتبة جرير سوف ينفعك كثيراً في القضاء على تلك الأفكار الصعبة التي تعاني منها أقصد الأفكار السلبية.
أيضاً كتاب آخر اسمه (كيف تبني جسوراً مع الآخرين)، وكتاب (كيف تبني ثقتك في نفسك)، وكتاب: (كيف تزرع الثقة في نفسك وفي من حولك)، وهذه الكتب كلها للدكتورة هالة السبيعي.
أيضاً يوجد كتاب للدكتور عمرو حسين بدران بعنوان (كيف تواجه تصرفاتك السلبية)، هذه الكتب موجودة في مكتبة جرير كلها متوفرة هناك، تستطيع أن تزور مكتبة جرير في أي مدينة من مدن المملكة تجد فيها كميات كبيرة من الكتب التي تعيد تأهيل نفسك من الداخل، والتي تكسبك بعض المهارات والخبرات التي من خلالها تتغلب على هذا التردد الذي تعاني منه أيضاً.
أخيراً: أريدك أن تعلم أن كل شيء بقدر الله تعالى، وأنه لا يقع في ملك الله إلا ما أراد الله، وأن هذا الخوف الذي يصاحبك لا أساس له، كونك أنك أنت الآن – بارك الله فيك – تسيطر عليك فكرة أنهم سوف يطردونك من عملك، هذا - بارك الله فيك – من الشيطان الرجيم، وأنا أقول: إن شاء الله تعالى بالرقية الشرعية وقراءة هذه الكتب سوف تتخلص من هذه، ولكن حتى قبل ذلك ينبغي أن تعلم أن الله تبارك وتعالى لا يقع في ملكه إلا ما أرد، وأنه قدر المقادير وقسم الأرزاق قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، وأنه لا يتحرك متحرك ولا يسكن ساكن إلا بأمره، فأنت جئت المملكة بقدرة الله وإرادته، ولو لم يُرد الله لك ذلك فلا يمكن أن تصل إليها أبداً، وأنت تعمل الآن أيضاً في هذا العمل الذي أنت فيه بقدرة الله وإرادته وحكمته وعلمه، وصدقني لو لم يشأ الله لك ذلك لا يمكن أن تصل لهذا العمل، فأنت في حياتك كلها خاضع لسلطان الله تبارك وتعالى وإرادته وقدرته، ولست أنت وحدك، وإنما الكون كله خاضع لمراد الله تبارك وتعالى وسلطانه، فكما ذكرت لك لا يتحرك متحرك إلا بأمره، ولا يسكن ساكن إلا بأمره، ولا يولد مولود إلا بأمره، ولا يموت ملِكٍ إلا بأمره، ولا يتخرج إنسان من الجامعة وغيرها إلا بأمره، ولا يجد الإنسان فرصة عمل إلا بأمره، ولا يتزوج إلا بأمره، ولا يطلق إلا بأمره، فكل شيء بأمر الله تعالى.
فأنا أريد أن تصرف عنك هذه الأشياء، وأن تعلم أن هذا قدر الله تعالى، المطلوب منك فقط أن تدعو الله تعالى، إذا كان عندك ظرف معين تشعر ببعض التلميحات بإمكانية الاستغناء عنك أو غير ذلك فادع الله تعالى وتوجه إلى الله تعالى بالدعاء، ما دمت مستريحاً في عملك فادع الله تبارك وتعالى أن يبارك لك في هذا العمل، وادع الله تبارك وتعالى أن يثبتك فيه، وأن يوفقك فيه حتى تكون مبدعاً متميزاً بإذن الله تعالى.
كما أن من حقك أن تدعو الله تعالى أن يجعل علاقتك برؤساء العمل أو بأصحاب العمل علاقة متميزة ورائعة، وأن يجعل بينكم المحبة والوئام والتفاهم والانسجام، فهذا جائز شرعاً.
كونك أنك تكون محبوباً من جهة أصحاب العمل، فهذا أمر بلا شك قطعاً سيجعلك في مأمن من الطرد التعسفي أو غيره، ولذلك أخبرك النبي عليه الصلاة والسلام بقوله: (لا يرد القضاء إلا الدعاء)، وقال عليه الصلاة والسلام: (إن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل، فعليكم عباد الله بالدعاء).
فتوجه إلى الله تبارك وتعالى بالدعاء، وألح على الله تبارك وتعالى واعلم أن كل شيء بقدر الله عز وجل، وأنه لا يقع في ملك الله إلا ما أراد الله، ولا تشغل نفسك بالمستقبل أبداً، المستقبل بيد الله تعالى، وما دام في علم الله فأنت غير مسئول عنه.
وغير مطالب بالتفكير فيه، فكر في يومك الذي أنت فيه ماذا ستفعل فيه من الأعمال الصالحة والأعمال الحسنة وماذا ستحصل فيه من الإنجازات، أما الغد فلا تشغل بالك به؛ لأنه لم يوجد ولم يسألك الله فيه عن عمل فلم تسأل الله فيه عن رزق وأنت لم تحيه، وبذلك سوف تستريح - بإذن الله تعالى – نفسياً، وسوف تعلم أن كل شيء بيد الله، وستذهب عنك - بإذن الله تعالى – كل هذه الوساوس وهذا التردد.
اعلم أن كل شيء بيد الله، وأن الله على كل شيء قدير، وأن المستقبل بيد الله، والماضي بيد الله، والحاضر بيد الله، ففوض الأمر كله لله.
عليك أن تدعو الله أن يصلح حالك، كما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام: (احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز)، فتوكل على الله واحرص على ما ينفعك واترك الأمر لله تعالى، واعلم أن الله لا يضيع أهله.
وأوصيك أن تحافظ على الصلاة في جماعة؛ لأن فيها من الراحة والأمن والأمان والاستقرار ما لا يخطر ببالك، وجرب وأنت الحكم، والله إن حافظت على الصلاة في جماعة فسترى استقراراً وأمناً وأماناً وسعادة بإذن الله تعالى، فأوصيك ونفسي بذلك.
وأسأل الله تعالى أن يصرف عنك كل سوء، وأن يعافيك من كل بلاء، وأن يصرف عنك تلك الوساوس، وأن يصرف عنك هذا التردد، وأن يعينك على أن تكون شخصية مستقرة آمنة مطمئنة سعيدة في الدنيا وسعيدة في الآخرة.
هذا وبالله التوفيق.