الإرشاد إلى بر الوالد الظالم لزوجه والمقصر في حق أبنائه
2003-10-29 00:04:02 | إسلام ويب
السؤال:
بسم الله الرحمن الرحيم.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أرسل لكم هذه الرسالة وأرجو أن أستلم ردكم بأسرع وقت لاحتياجي الشديد لذلك، وهي رسالة بخصوص صلة الرحم وبر الوالدين، فأنا شابٌ قد تخرجت هذا العام من كلية التجارة، ولي أخوان أكبر مني وفي وظائف محترمة، ولي أخ أصغر مني في الثانوية العامة، ومنذ نشأتنا ونحن نرى الخلافات الشديدة بين أبي وأمي، وتدخل أفراد العائلة في حل تلك المشكلات التي لم تنته أبداً، والتي بدأت منذ زواجهما كما علمنا، وكان أبي دائماً يفتعل المشاجرات مع أمي ليتركنا بدون أي نفقة لمدة شهور طويلة يترك فيها البيت، تصل في بعض الأحيان إلى ستة شهور بدون أي نفقة، وخاصة في المناسبات التي قد يرى أنه يمكن أن يضطر فيها للإنفاق علينا مثل الأعياد، وكانت نفقته التي يدفعها لأمي في أثناء إقامته معنا ضئيلة للغاية مقارنة بما ينفق هو على نفسه في أثناء وجوده بيننا، لدرجة أن أخي الأكبر قد تزوج دون أي مساعدة من والده، بالرغم من قدرته على المساعدة في هذه الظروف، وساعدته أمي حسب إمكانياتها.
استمرت هذه الحال لسنوات عديدة وأمي لا تشتكي لأحد، بالرغم من أنه كان في بعض الأحيان يقوم بضربها وإهانتها أمامنا، وأقول الحق: إنه بالرغم من كل ذلك كانت والدتنا تحثنا دائماً على معاملة والدنا معاملةً حسنة وعدم التأثر بما نراه من معاملته السيئة لها، وفي الفترة الأخيرة ازدادت معاملة والدي لأمي بشاعة وسوءاً، مما اضطر أمي لترك منزلها وذلك بعد تدخل بعض الأشخاص العدول الذين رأوا من أحوال أبي أن أفضل شيء هو البعد عنه، على أن يقوم بدفع نفقة شهرية نظير ترك الشقة له ونفقة لي ولأخي الأصغر، وتركنا شقتنا على هذا الاتفاق، وانتقلنا إلى منزل عائلة والدتي.
استقرت بنا الأحوال هناك، وسعدنا لأول مرة بالابتعاد عن والدي، ولكن كلنا أسى لتركنا شقتنا التي هي موطننا الأصلي، وانتظرنا أن يقوم والدنا بالوفاء بما التزم به، ولكنه لم يدفع إلا شهراً واحداً فقط، ثم امتنع بلا سبب مقنع، واتفقنا جميعاً على عدم مطالبته بأي شيء؛ حتى لا تزداد المشاكل بيننا، حيث إننا نعلم جيداً أنه بخيل، وسارت بنا الأيام سعيدة بعد استقرارنا مع أمي في منزل جدتنا، وكنت في هذه الفترة وطول الشهور السابقة أزور والدي الذي يعيش بمفرده في شقتنا وأجلس معه وأبره؛ خشيةً من عقاب الله، بالرغم من أنني أعلم أن بخله هو السبب الرئيس لمشاكلنا، أما باقي إخواني فلم يقم أي أحد منهم بزيارته ولا مرة واحدة طول هذه الفترة؛ لعدم رغبتهم في رؤيته وشعورهم بالبغض تجاهه، بالرغم من إلحاح أمي علينا بأن نقوم بزيارته، ومنذ حوالي شهر ونصف تقريباً وصلت أمي ورقة طلاقها غيابياً، لقد طلقها أبي بالرغم من أنني كنت معه قبل ذلك بأيام قليلة، ولم يخبرني بما ينوي فعله، وأنا الآن أكره الذهاب إليه مرةً أخرى، وكلما أهم بذلك أجدني لا أستطيع رؤيته، وخاصة أنني أعلم علم اليقين مع إخوتي أن أبي قد ظلم أمي وظلمنا جميعاً لمدة الثلاثين عاماً التي عاشها مع والدتنا.
وبالمناسبة أيضاً أقول: إننا بعد طلاق أمنا اتفقنا على ألا نرفع عليه أي قضايا نفقة لأمي وأخي الأصغر، وذلك رغبةً منا في عدم إثارة المشاكل التي لن تجدي معه شيئاً، بالرغم من أنه موسر ويستطيع الإنفاق علينا جميعاً، وبالرغم من قدرتنا على القيام بذلك وحقنا الشرعي في ذلك، ولكننا آثرنا أن نأخذ حقنا من عند الله وليس من عنده، والآن أنا أرسل إليكم طالباً الفتوى والنصيحة ونحن في شهر رمضان الفضيل، وضميري يؤنبني لانقطاعي عن زيارته لمدة شهرين تقريباً، ولكنني لا أقدر على زيارته لأنه ظلمنا جميعاً، والكل يشهد على ذلك، فهل علي ذنب أواجه به الله لعدم بري بوالدي الذي لم يساعدنا على بره، مع أننا جميعاً نبر والدتنا، وهي نفسها حتى الآن تحثنا على البر بوالدنا بالرغم من كل ما فعله بها وبنا؟
أرجو سرعة الإجابة على هذا التساؤل، هل أنا محق في عدم زيارتي لوالدي، أم مخطئ؟ وكيف أزوره وهو قد ظلمني ولم يساعدني على بره، ولا تقبل نفسي الآن الحديث معه أو رؤيته؟
أفيدوني فأنا أتعذب.
الإجابــة:
بسم الله الرحمن الرحيم
الابن الكريم / باسم حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
ابني الكريم، أسأل الله أن يوفقك وأن يجعلك قرة عين لوالديك، وأن يرزقك برهما، وأنت -ولله الحمد- صغير ولكنك كبير بهذا الهم الذي تحمله والدور الذي تقوم به، وأسأل الله أن يصلح على يديك ما فسد، وأن يجمع بك الشمل، وأن ينفع بك البلد والأهل.
وأرجو بدايةً أن أحيي هذه الأم الفاضلة على صبرها، وكمال عقلها وحسن توجيهها لكم، ويعجبني حرصها على بر هذا الوالد بالرغم من كل ما حصل، وسوف يعوضها الله على هذا بإذنه تعالى في الدنيا، وأسأل الله أن يجزيها الخير في الآخرة.
ابني الكريم، ظلم الوالد وتقصيره لا يجيز لنا عقوقه، وسوف يحاسبه الله على تقصيره في القيام بواجباته الشرعية، وسوف يجازينا على برنا وإحساننا له وصبرنا عليه، ومن عظمة هذه الشريعة أنها تدعو إلى الإحسان إلى الوالدين ومصاحبتهما بالمعروف، حتى عندما يرغبان في الكفر بالله، شريطة ألا نطيع في المعصية، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)،[لقمان:15].
كما أن تقصير إخوانك الكبار في صلة هذا الوالد لا يبيح لك السير على دربهم، والعاقل يمشي في درب الخير رغم قلة السالكين، وأنصحك بزيارة هذا الوالد والإحسان إليه والصبر عليه، وهذا من مصلحة هذه الأسرة، فخير لكم وله أن تظل حبال الوصال موجودة؛ حتى لا يتسع الخرق على الراقع، وربما كان انحياز إخوانك إلى الأم وبعدهم عنه من أسباب هذا الشقاق، وإخوانك بتقصيرهم في حقه يخالفون أمر الوالدة العاقلة، فعليك ببر هذه الأم وطاعتها بعد طاعة الله، ولا تقصر في حق هذا الوالد، وأرجو أن تصحب معك أخيك الأصغر لزيارته، ولعل تكرار الزيارة يؤثر عليه ويذكره ببعض واجباته التي يمنعكم الحياء من أخذها منه عنوة وبالوسائل الشرعية، وأشكر لكم هذه المشاعر، أعني مشاعر الحرص على الستر والمسامحة لهذا الوالد مع تقصيره.
وأرجو أن تسارع إلى زيارته وبره، فهذه القطيعة لا يستفيد منها سوى الشيطان الذي يفرح بتمزيق الشمل، ويقبل الشيطان الذي كان سبباً في الفراق الطلاق، وذلك عندما يأتيه من يقول له: (ما زلت به حتى طلق زوجته، فيدنيه ويقبله ويقول له: أنت أنت).
أما ظلمه فسوف يحاسبه الله عليه، وأما عدم مساعدته لكم على بره فأسأل الله أن يعينكم على ذلك، وزيارة هذا الوالد رضا للرحمن وطاعة لهذه الأم الفاضلة وأمر يحزن الشيطان، فسارع يا بني وفقك الله لكل خير.
وبالله التوفيق.