الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يسافر الولد بدون إذن أبيه المريض

السؤال

لا أعرف كيف أشرح سؤالي ولكن أرجو إيصال فكرتي كاملة حيث إن هناك عدة مشاكل:1- أعيش مع والدي وأخي ولدينا عاملة (أندونيسية) وحالتنا المادية جيدة, إن والدي صعب المراس وخاصة بعد مرضه حيث إنه حتى بمرضه مزاجي يريد تناول أدويته كما يشاء لا يرد غير على الكلام الذي يريده من كلام الأطباء ويغضب إذا كنا نريد الاهتمام به بالشكل الصحيح إذا كان مخالفا ما بذهنه, فكيف التصرف هنا. 2- إذا فعلت أي شيء كان صحيحا أو خاطئا بقصد أو بدون قصد فإن احتمال غضبه كبير ولو كان شيئاً سخيفاً، فقررت أن لا أفعل شيئاً ولا أفكر بأي شيء يمسه بقريب أو بعيد من مبدأ (من لا يعمل لا يخطئ)، ولكن حتى ذلك يغضبه (ولكن عدد مرات أقل) لأني أنسحب ولا أبدي أي مبادرة لعمل أي شيء فهنا ماذا يجب علي أن أفعل، وهل يمكنني الانسحاب بالسفر لتكملة دراستي وعملي.3- إنه يريدنا (أنا وأخي) قربه بشكل دائم حتى أن لا نفعل شيئاً تقريباً وبرغم وجود عاملة تساعدنا جداً (وهذا فقط منذ شهرين) حتى أنه يشغلنا طول اليوم 24 ساعة حتى في النوم أي أن الاهتمام به يكون على حسابنا من كل النواحي من الناحية الدراسية والاجتماعية والدينية والصحية والمادية، أريد السفر لإكمال دراستي وتنفيذ النشاطات التي لم أقدر بالقيام بها لعدم وجود الوقت، والدي لا يمنعني من ذلك رغم إحساسي بعدم سعادته لذلك، فما حدود تنفيذ إرادته وحدود الاهتمام به في ضوء ما سبق.4- من الناحية المادية هناك مشكلة، لدى والدي عدة عقارات ومشاريع وهو تزوج وانفصل مرتين، وهب والدي مشروعا لأخي الكبير من أول ما بدأ المشروع أي من 15 عاما، ولكن والدي من كان يديره ويأخذ أرباحه ثم من ثلاث سنوات وهب والدي لي ولأخي الصغير مشروعا آخر قيمة حصتنا تساوي إن لم تكن أقل من حصة أخي، ولكن بعد سنتين أي من حوالي سنة بعنا المشروع بسبب فرصة عارضة بقيمة تساوي أو أكثر بفارق قليل من قيمة مشروع أخي (حيث إن مشروع أخي ازدادت قيمته أكثر من ازدياد قيمة مشروعنا ولكن بسبب الفرصة العارضة كانت قيمة حصتنا أكبر) واشترينا عقارين جديدين كانا بدورهما فرصة ممتازة أيضا وقد سددنا جزءا كبيرا من ديون والدي والتي تساوي نصف الحصة التي حصلنا عليها من الفرصة العارضة الأولى، فما هو التصرف العادل الذي يجب تنفيذه.5- (ملاحظة: أنا وأخي الأصغر نصرف من حسابنا لتغطية مصاريفنا ومصاريف والدي الكبيرة) وبعد كل ذلك وهب أبي عقارا آخر لأخي الكبير ليصبح قيمة حصته تساوي ضعف كلفة حصتنا الأصلية (ربما على أساس أن العقارين اللذين اشتريناهما أخيراً قد زادت قيمتهما وستزداد بشكل أكبر في المستقبل)، فأرجو أن تفيدوني ما العمل، وكيف أيضا يجب التصرف من أجل أختي اللتين وعدهما والدي بوهب عقار لهما في المستقبل ولم ينفذه حتى الآن، آخيراً أعتذر عن الإطالة وأفيدوني بما يجب فعله؟ جزاكم الله خيراً.

الإجابــة

خلاصة الفتوى:

من البرّ أن يلزم الولد والده المريض، وأن يقوم على تمريضه بنفسه، ولا يسافر الولد سفراً غير واجب إلا بإذن والده، وعلى الوالد العدل بين أولاده في الهبة.

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فبالنسبة للشق الأول من السؤال نقول في الإجابة عليه: إن للأب على أولاده حقاً عظيماً بلغ من عظمته أن قرن الله جل وعلا حق الوالدين بحقه تعالى، فقال تعالى: أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ {لقمان:14}، وقال تعالى: وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا {النساء:36}، ويعظم حقهما بتقدمهما في العمر واحتياجهما لرعاية الولد، كما قال تعالى: إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا {الإسراء:23}، فليلزم الأخ السائل والده المريض، وليصبر على تصرفاته وطلباته، فلطالما صبر هذا الأب على ولده وتصرفاته، ولطالما سهر الليالي بسبب مرض ولده، وليس جزاء الإحسان إلا الإحسان، وإذا كان والد السائل يرفض سفره ويأمره بالبقاء عنده فإن من البر الاستجابة له وترك السفر؛ وإن وجد من يقوم بأمر والده ويتولى تمريضه والقيام بشؤونه، وقد نص العلماء على أن للوالد منع ولده من سفر الطاعة كجهاد التطوع وحج التطوع ونحو ذلك، فأولى سفره لطلب العلم الذي لا يكون فرض عين على الولد. جاء في الآداب الشرعية لابن مفلح الحنبلي: قال أحمد في رواية أبي الحارث في الرجل يغزو وله والدة، قال: إذا أذنت له وكان له من يقوم بأمرها. وقال في رواية: يَظهر سرورها.اهـ

وعليه؛ فالذي يظهر لي أن الولد لا يسافر للغرض المذكور إلا بإذن ولده.

وأما عن جواب الشق الثاني من السؤال فليعلم السائل بأن العدل الذي يتساءل عنه هو مساواة الوالد بين أولاده ذكوراً وإناثاً في العطية فلا يفضل أحداً منهم على أحد، لحديث: اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم. متفق عليه. وحديث: سووا بين أولادكم في العطية ولو كنت مؤثراً لأحد لآثرت النساء على الرجال. رواه البيهقي. واختلف العلماء في صفة العدل فقال مالك والشافعي وأبو حنيفة: يسوي بين الذكور والإناث في العطية، واستدلوا بالحديثين المتقدمين، وذهب آخرون إلى أنه تكون العطية في الحياة على نسق الميراث فيعطى الذكر مثل حظ الأنثيين، والمذهب الأول هو الراجح من حيث الأدلة وكثرة القائلين به، وعلى هذا التفصيل يعرف السائل كيف يحقق والده العدل في العطية والهبة، وإذا كان قد عدل بينهم في الهبة عدلاً تاماً ثم ارتفعت قيمة ما وهب لبعضهم بعد ذلك لسبب ما فلا يقدح هذا في العدل ويفوز بها الموهوب له. وراجع في شروط الهبة ونفاذها الفتوى رقم: 75302.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني